“لبنان الرسالة” بين البابا وميقاتي… هل انطلق قطار التسوية؟

لبنان الكبير

لا دعوة الدول الصديقة والشقيقة، ولا دعوة بابا روما خلال لقائه رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي الى “ضرورة التكاتف بين المسؤولين اللبنانيين للخروج من الأزمات التي يواجهها لبنان وانتخاب رئيس جديد للبلاد”، تصل الى آذان المعنيين ربما لأنهم يدركون أن ما اقترفوه بحق البلد وأهله، بات عصياً على الترميم أو الانقاذ.

في الداخل، انقطعت الأنفاس الرئاسية، وخيّم السكون التام، وحده خبر التحقيق الماراتوني مع حاكم مصرف لبنان رياض سلامة خرق الهدوء السلبي، اذ تحولت أنظار اللبنانيين منذ الصباح الى قصر العدل حيث انطلقت جلسة الاستجواب عند العاشرة والنصف من قبل الظهر، أمام القاضي شربل أبو سمرا في حضور الوفد القضائي الأوروبي الذي وجه اليه 100 سؤال. وأشارت المعطيات الى أن سلامة أجاب عن كل الأسئلة المطروحة، وبدا متماسكاً ومرتاحاً خلال تقديم كل الشروح للقضاء الأجنبي. وفيما انتهت الجلسة قرابة الرابعة عصراً، أفيد أن المجلس المركزي لمصرف لبنان انعقد عند الخامسة، وأن سلامة حضره ولم يؤجله.

وفي حين نفى مصرف لبنان، نفياً قاطعاً ما تم تداوله عن أن سلامة قدّم كتاب استقالته إلى الرئيس ميقاتي، يواصل اليوم، الوفد الأوروبي الاستماع إلى الحاكم كمعني وليس كمشتبه به.

وأوضح مصدر دستوري لموقع “لبنان الكبير” أن الوفد الاوروبي أتى للاستماع الى الافادات لكن على سبيل المعلومات وليس بصفة المدعى عليهم كأشخاص. وهذا الأمر، ينطلق قانوناً من اتفاقية مكافحة الفساد في اطار التعاون بين الدول، والموقع على هذه الاتفاقية يساهم في سبيل الحصول على تبادل المعلومات. هذه الملفات، يعتبرها القضاء الأوروبي من اختصاصه، ويجوز الاستماع الى الأشخاص على سبيل المعلومات وتوثيقها من دون أن يستطيع القاضي الأوروبي أن يتخذ اجراءات على الأراضي اللبنانية أو قرارات كالتوقيف، انما يعود الى بلده ويدرس الملف مجدداً ويتخذ القرار المناسب. اما الملفات التي يتم التحقيق بها من القضاء اللبناني، فيختلف الأمر، لكن الادعاء هنا لا يعني الادانة على الاطلاق انما هو نوع من الشبهة، ولا نعلم إن كان هناك من دوافع لهذا الادعاء. مثول الحاكم يعني أنه يشعر بالطمأنينة، وأراد وضع حد لكل الكلام والتحليلات حول تهربه من العدالة.

وبين الداخل والخارج، وتحديداً عند الحدود الجنوبية، رصد وترقب في أعقاب اعلان اسرائيل أنها “قتلت شخصاً تسلل على ما يبدو من لبنان، بعد تفجيره عبوة ناسفة بالقرب من مفترق مجيدو قرب مدينة حيفا”. وتفقد وزير الدفاع يوآف غالانت وكبار قادة الجيش الاسرائيلي الحدود مع لبنان لتقويم الأوضاع الأمنية، واعلانه عن “منع عملية كبيرة وصعبة تحمل في طياتها ضرراً كبيراً، وأننا سنجد المكان والطريق المناسبين وسنوجه ضربة للمسؤولين”. في حين أعلن الناطق الرسمي باسم “اليونيفيل” اندريا تيننتي في بيان، أن “اليونيفيل اطلعت على التقارير الاعلامية التي تفيد بأن شخصاً تسلل إلى إسرائيل من لبنان. اليونيفيل لم تلاحظ أي عبور للخط الأزرق في الأيام الأخيرة”.

والبداية السياسية من الفاتيكان حيث استقبل الحبر الأعظم، الرئيس ميقاتي على مدى نصف ساعة، وجدد “إيمانه الراسخ بالرسالة التي يؤديها لبنان من خلال التعددية الثقافية والدينية التي تميزه وتجعله فريداً في المنطقة”. وشدد على “ضرورة التكاتف بين المسؤولين اللبنانيين للخروج من الأزمات التي يواجهها لبنان وانتخاب رئيس جديد للبلاد”. أما ميقاتي فأكد أن “رسالة لبنان على مر تاريخه، تنتشر اليوم في كل أرجاء العالم العربي، والتحدي الأساس الماثل أمامنا هو المحافظة على هذه الرسالة وترسيخها وتعزيز قيم السلام والأخوة. وإن الأخوّة تفتح الباب لصيانة كرامة كل مواطن في بلده، وتعزز روح التلاقي على القيم المشتركة”. وقال: “سلمت قداسة البابا رسالة تشرح الأوضاع في لبنان والمعالجات الممكنة التي يمكن للفاتيكان المساهمة في انجاحها من خلال الاتصالات التي يقوم بها في المجتمع الدولي، لا سيما لاجراء انتخابات رئاسة الجمهورية”. كما وجه دعوة الى البابا لزيارة لبنان، “كونها تمثل بارقة أمل للمسلمين والمسيحيين في لبنان على حد سواء، وفرصة لهم للالتفاف موحدين حول شخص قداسة البابا في مناسبة زيارته”.

وعقب اجتماعه مع البابا، أجرى الرئيس ميقاتي محادثات مع أمين سرّ حاضرة الفاتيكان الكاردينال بييترو بارولين، ووزير خارجية الفاتيكان الكاردينال بول غلاغير، وجرى خلال الاجتماع عرض للوضع اللبناني من جوانبه كافة، وشدد رئيس الحكومة على “أهمية مساعدة الفاتيكان لدى المجتمع الدولي لاتمام انتخابات رئاسة الجمهورية”. فيما أكد الكاردينال بارولين “الاستعداد لدعم لبنان في المجالات كافة”.

ومن الكويت، أكد رئيس الحزب “التقدمي الاشتراكي” وليد جنبلاط على “ضرورة الافادة من اتفاق دول الخليج مع إيران من خلال إنجاز انتخاب رئيس توافقي لا رئيس تحدٍّ”، مفضلاً “أن يتمتع بمواصفات اختصاص مالي”. وأشار الى أن “هناك جيلاً جديداً وأسماء كبيرة ومتنوعة أميزهم الوزير السابق جهاد أزعور. آن الأوان أن نخرج من القوقعة في الأسماء التقليدية لمرشحي الرئاسة”.

وعن امكان دعم وصول الوزير السابق سليمان فرنجية، اعتبر جنبلاط أنَّ الأخير “يمثل تحدياً، ولا معنى لافتعال جو تحدٍ في ظل وجود جو توافق سياسي اقليمي”. وعما إذا يؤيد دعوة الحوار التي أطلقها الرئيس نبيه بري، قال: “هناك حوار في المنطقة أكبر مني ومن الرئيس بري، الا أنه يجب أن نستفيد منه. هل نبقى على عنادنا في زمن الحوار والتطبيع وعودة العلاقات بين المملكة وايران؟”.

من جهة ثانية، تحدثت المعلومات عن أن المنطقة ستشهد خلال الشهرين المقبلين حركة ديبلوماسية لافتة لمعالجة بعض الملفات في أكثر من دولة، ومن بينها لبنان، اذ بعد سفر السفيرين السعودي والإيراني لدى لبنان إلى بلديهما، يجري الحديث عن زيارة قريبة لموفد ايراني الى بيروت قد يكون وزير الخارجية حسين أمير عبد اللهيان الذي سيضع قيادة “حزب الله ” في أجواء الاتفاق، اضافة الى ترقب وصول مساعدة وزير الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأدنى باربرا ليف إلى بيروت نهاية الشهر الجاري. كما يُحكى عن تواصل فرنسي – فاتيكاني ناشط، في وقت علم موقع “لبنان الكبير” أن ممثلين عن الدول الخمس السعودية وفرنسا والولايات المتحدة وقطر ومصر سيجتمعون نهاية الأسبوع في باريس، للبحث في تطورات ملف رئاسة الجمهورية، وستنقل كل دولة أجواء جولات سفرائها في لبنان.

وفيما يحكى في الكواليس عن امكان زيارة السفير الفرنسي باتريك دوريل، وهو كبير مستشاري الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون إلى لبنان أيضاً، ما يشير وفق مصدر متابع الى أن بوادر تسوية تلوح في الأفق على الرغم من مؤشرات الانسداد حالياً، لكن لا بد أنه عندما تحين لحظة الجد والحقيقة، الكل سينزل عن الشجرة، تسهيلاً ومواكبة لتلك التسوية المنتظرة خصوصاً أن الجميع في الداخل والخارج لا يريدون أن تنزلق الأمور أو تصبح خارج السيطرة على خلفية تدهور الوضع الاقتصادي والانهيار الدراماتيكي للعملة الوطنية.

وفي حين أكد المصدر المتابع لموقع “لبنان الكبير” أن الأطراف في الداخل أصبحت في جو التسوية على الرغم من عدم اتضاحها بعد، وأن الاتصالات القائمة حالياً تجري بروح ايجابية وجدية للوصول الى انتخاب رئيس للجمهورية قبل الصيف المقبل، رأى أحد المطلعين على الكواليس السياسية أن التسوية موجودة في الاعلام فقط، وليست فعلية، لا بل على العكس، فإن كل فريق لا يزال متمسكاً بقناعاته، وليس هناك من وضوح في الرؤية لمعرفة إن كان خيار فرنجية هو الغالب أو الرئيس التوافقي.

على أي حال، هل الحركة الديبلوماسية الناشطة تعني أن قطار التسوية قد انطلق فعلاً؟

نائب رئيس مجلس نواب سابق اعتبر في تصريح لموقع “لبنان الكبير” أن “من المبكر الحديث عن تسوية حقيقية لأن الاتفاق الى تاريخه، لم تتوضح بعض الأمور الأساسية فيه من حيث الأدوار التي تريد أن تلعبها كل من المملكة العربية السعودية وايران في لبنان. هذه الأدوار اما أن تكون خارجة خروجاً كلياً عن أي تأثير على الساحة اللبنانية انسجاماً مع التصاريح التي سمعناها من الطرفين بقولهما ان المسألة مسألة لبنانية ويجب أن تترك للبنانيين أو أن هناك تدخلاً، وستكون هناك وجهة نظر، وبالتالي، من المبكر الحديث عن هذا الأمر. والحراك الدولي والاتصالات القائمة، أمر طبيعي، وهي موجودة كما أن هناك عنصراً جديداً دخل على الساحة، ومجرد استعداد المملكة العربية السعودية وايران في اتفاقهما للتحرك من منطلق التفكير بالتعاون والايجابية، فهذا بحد ذاته يدفع القوى الأخرى خصوصاً الخارجية الى أن تدخل على الخط، وتلعب دوراً ما كي لا تخرج من (المولد بلا حمص) لأنه في النهاية، اذا كان الاتفاق سيفعل فعله بصورة سليمة، لا يعود هناك داعٍ لأدوار خارجية. لذلك، من المبكر الحديث عن تسوية ويجب أن ننتظر قليلاً”.

أما عن زيارة وزير خارجية ايران أو غيره من الايرانيين، فأشار الى أن “من الطبيعي أيضاً أن تحصل زيارة كهذه، لأنها تأتي ضمن سياسة التنسيق مع حزب الله، ووضعه في أجواء حقيقة هذا الاتفاق، وماذا يتضمن، ومسألة الأولويات، والنتائج التي قد تترتب عنه. التسوية هي نهاية الصراع السعودي – الايراني، لكن كيف ستترجم في لبنان؟ هل برفع يد الدول الخارجية عنه أو المزيد من التورط في الشأن الداخلي اللبناني؟

وعلى الجبهة الحياتية والمعيشية والمالية، حلقت أسعار المحروقات بحيث لامس سعر الصفيحة المليوني ليرة، في وقت استمر اضراب المصارف وسط اصرار من أعضاء جمعية المصارف على المضي فيه لأنه لم يتبين لهم أن هناك اهتماماً من المسؤولين لمعالجة الاشكالات القانونية مع بعض القضاء المصرّ على عدم اعتماد وحدة المعايير في الاستنابات القضائية.

شارك المقال