بلد خارج الزمن ينقسم على زنبرك باسيل الطائفي… متى التوقيت الوطني؟

لبنان الكبير

كان ينقص اللبنانيين هم اضافي يشغل بالهم، ويجعلهم تائهين ومربكين وضائعين بين توقيتين: صيفي وشتوي في مرحلة دقيقة ومهمة جداً بحيث تتسابق دول المنطقة على ضبط عقارب ساعاتها وفق ما تقتضيه مصالحها، فيما يبدو المسؤولون في لبنان يغرّدون خارج التوقيت الزمني أو يعيشون على كوكب آخر تختلف فيه كل المقاييس والمعايير .

وبدا واضحاً أن “العوني” جبران باسيل هو القائد الفعلي على الساحة المسيحية بقدرته، المشهود له بها، على إثارة الفتن الوطنية والطائفية فيما لا يسع القيادات “الكبيرة” غير التخندق معه في الجورة التي ينزل اليها.

انشطر البلد بين توقيتين في مشهد سريالي لا يحصل الا في بلد الغرائب والعجائب في حين تناست المنظومة أنها عطلت عقارب الساعة منذ سنوات، وبدل أن تعمل ٢٤ ساعة في اليوم لتنقذ البلد الذي يلفظ أنفاسه الأخيرة، والشعب الذي بات بغالبيته تحت خط الفقر، ومعاشه لا يساوي ساعة عمل واحدة، وبدل أن تصغي الى كل المؤسسات الدولية التي تحذر من بدء نفاذ الوقت قبل الانهيار التام، تتلهى بجنس ملائكة التوقيت، لتضيع الساعات والأيام والشهور والسنوات في المناكفات. ويبقى السؤال اليوم: هل يجوز التوقف عند ساعة الى الأمام وأخرى الى الوراء فيما البلد برمته أصبح خارج الزمان وخارج كل توقيت صيفي أو شتوي، محلي أو عالمي؟

توقيتان اعتمدا في المؤسسات فيما أعلن وزير التربية والتعليم العالي في حكومة تصريف الأعمال عباس الحلبي الانتقال إلى التوقيت الصيفي في المؤسسات التربوية، في بلد تكاد تعبره من أقصى شماله الى أقصى جنوبه في ساعة واحدة فيما تخنق المصائب الاجتماعية والمعيشية والحياتية الغالبية الساحقة من اللبنانيين الذين كانوا يتمنون لو أن المعنيين بإدارة شؤون البلد يضبطون جشع التجار وطمعهم، اذ أنهم مع انطلاق شهر رمضان المبارك واقتراب أحد الشعانين، رفعوا الأسعار بصورة جنونية على الرغم من أن سعر صرف الدولار سجل انخفاضاً عن الارتفاعات القياسية التي شهدها سابقاً.

وبما أن الأزمة المعيشية تتقدم على سواها من القضايا، وبما أن القطاع العام دق ناقوس الخطر لأن ساعة الحسم قد اقتربت وسط التهديد بالاضراب الشامل والتصعيد الكبير، كان من المقرر أن تعقد الحكومة جلسة اليوم للبحث في زيادة على رواتب موظفي القطاعين العام والخاص، الا أن المستجدات فرضت الغاءها، وأكد مصدر مقرب من السراي الحكومي لموقع “لبنان الكبير” أنه “لا يمكن القول ان الجلسة التي كانت مقررة الاثنين ألغيت نهائياً لأنه لا يجوز اقفال الأبواب بل علينا فتحها. الرئيس ميقاتي يعتبر أن هناك أموراً يجب بحثها ومعالجتها فيما يحاول البعض التلهي بأمور وتفاصيل أخرى مثل التوقيت علماً أن حكومات عدة في السابق اتخذت القرار نفسه ولم يأخذ المنحى الذي اتخذه اليوم. من جهة ثانية، هناك أصول في التعامل مع بعض القرارات، اذ كان من الأفضل للوزراء الذين يعترضون على تمديد التوقيت أن يناقشوا الموضوع في اجتماع الحكومة الذي كان مقرراً. إثارة الموضوع في الاعلام بصورة جدلية وانقسامية وشد عصب طائفي غير مقبول لأن هناك أصولاً في التعاطي، لكن يبدو أن كل قضية توظف في معركة رئاسة الجمهورية وكأن شد العصب الطائفي يساعد في تحسين شروط الاستحقاق الرئاسي لصالح جهة معينة. الرئيس ميقاتي اتخذ هذا القرار انطلاقاً من كونه يسهل أمور الصائمين ولفترة ٢٠ يوماً، وبالتالي، هناك علامات استفهام كبرى حول تضخيم الأمر وتطييفه. إلغاء الجلسة لوضع كل المعنيين أمام مسؤولياتهم، ومن يدعي عدم انتظام الأمور، فليعمل على ملء الشغور بأسرع وقت، ويجنب اللبنانيين هذه المعمعة والخطابات الطائفية. والحريص على حقوق المسيحيين وسواهم، فليسهل عملية الانتخاب، والكل يكون من الشاكرين”.

وأوضح المصدر أنه “لو اجتمع مجلس الوزراء لكان من الممكن اتخاذ القرار المناسب بالتشاور في موضوعية وهدوء. الأزمة الكبيرة حين يأخذ القرار منحى طائفياً، اذ يبدو أن هناك رغبة في التصعيد لتسريع الاستحقاق الرئاسي. وهنا توضع علامات استفهام لأن عملية التصعيد ليست بريئة ولا تقتصر على قرار التوقيت. هناك خلفيات من تسريع الصدام الداخلي لإنتاج رئيس وكل فريق لديه حساباته. وصيغة التصعيد التي تطرح، تصبح معها كل الأمور واردة لأن هناك أجندات، وعملية التوتر عند عدد كبير من الفرقاء عالية. يجري التركيز على بعض الأمور، لكن ما يحاك فعلياً في مكان آخر. واذا استمرت الأمور على ما هي عليه فلن يحصل انتخاب الرئيس على البارد على الرغم من أن تمنياتنا عكس ذلك لأننا نعرف كيف يبدأ التصعيد، لكن لا نعرف كيف ينتهي”.

ولفت الى أن الغاء جلسة اليوم “يعني أن ليس هناك من تعديلات في الرواتب والأجور، وهذا الأمر سيفاقم واقع القطاع العام الذي قد يتوقف تدريجياً بحيث يشل البلد بصورة كاملة”.

وعن المعلومات التي تحدثت عن أن رئيس الحكومة يدرس بصورة جدية امكان الاعتكاف، وينوي اتخاذ هذا القرار قبل مغادرته لتأدية مناسك العمرة خلال شهر رمصان إذا استمرت ردود الفعل على موضوع الإبقاء على التوقيت القديم للساعة ورفض السلطات الروحية المسيحية لهذا الأمر، واتجاه عدد كبير من السفارات الى دعم موقف بكركي، قال المصدر: “حتى اللحظة، هذا القرار غير وارد لكن إذا حصلت المزايدات على المستوى المذهبي، فالرئيس ميقاتي كما يعرف عنه يعطي أولوية للصيغة الوطنية، وبالتالي لن يكون طرفاً في الاصطفافات الحاصلة، ولن يجاري من يجيش طائفياً. لا يجوز أن نستبق الأمور لأننا نعيش كل يوم بيومه، ووفقاً للتطورات يبنى على الشيء مقتضاه. الغاء الجلسة الحكومية لوضع الجميع أمام مسؤولياتهم لأن الرئيس ميقاتي لا يتحمل وحده مسؤولية البلد في هذه المرحلة الصعبة”.

وفي وقت أشارت المعلومات الى أن الاتصال الذي جرى بين البطريرك الماروني الكاردينال بشارة الراعي والرئيس ميقاتي، تخلله نوع من العتب على القرار الذي لم يأخذ في الاعتبار رأي مكون أساس في البلد، عُلم أن أمين سر كتلة “اللقاء الديموقراطي” النائب هادي أبو الحسن، وبتوجيه من رئيس الحزب “التقدمي الاشتراكي” وليد جنبلاط، يقوم بمسعى يهدف الى إيجاد مخرج لحل هذه الأزمة، إلا أن الأمور حتى هذه اللحظة لم تتبلور بصورة نهائية بعد.

في حين رأى النائب جبران باسيل، في كلمته خلال المؤتمر الوطني الثامن لـ”التيار الوطني الحر”، أن “لبنان الكيان والوطن والدولة والنموذج والرسالة في خطر ووجودنا كلبنانين في خطر اذا استمرّينا متمترسين في مواجهة بعضنا ورافضين الحوار كطريق للخلاص”، معتبراً أن “لا غالبيّة نيابيّة لفريق واحد في لبنان ولا حلّ إلا بالاتّفاق وبناء الدّولة سيفشل من دوننا. حكّام الصدفة رايحين ونحنا باقيين”.

اذاً، في ظل كل ما يجري على المستويات كافة، يمكن وصف الواقع بحفلات جنون متلاحقة، وكأنه كتب على البلد أن يستمر في العصفورية من دون أن يتخذ المسؤولون أي اجراء فعلي لاخراجه من هذه الحالة، وما يجري على مستوى الاستحقاق الرئاسي خير دليل، اذ أشار مصدر متابع لموقع “لبنان الكبير” الى أن “الملف لا يزال في مربعه الأول، وما حصل من انقسام على خلفية البناء الجديد في مطار رفيق الحريري الدولي، والقرار الذي قضى بتمديد التوقيت الشتوي لمدة شهر، زاد على العقد الموجودة عقداً، وارتفع منسوب الاحتقان في النفوس ما يهدد أي بصيص أمل في التوافق على رئيس بين مختلف المكونات”.

أضاف المصدر: “في ظل الانقسام الذي اتخذ الطابع الطائفي، يتم الحديث عن تقارب بين التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية بمعنى أن رفضهما لترشيح رئيس تيار المردة سليمان فرنجية، يمكن أن يشكل نقطة التقاء بينهما للتوافق على اسم آخر على الرغم من أن البعض يرى استحالة في ذلك، وأنهما خطان لا يلتقيان أبداً. واذا كان اللقاء الذي دعا اليه البطريرك بشارة الراعي في الخامس من الشهر المقبل، سيتخذ الطابع الروحي الا أن من المتوقع أن يتم التباحث في الشأن الرئاسي خصوصاً أن المواصفات المطلوبة لدى كل فريق أصبحت واضحة، كما تم التوصل الى بعض الأسماء التي يمكن أن تتفق حولها اكبر كتلتين مسيحيتين”.

ورأى أن “الاتفاق السعودي – الايراني سينعكس ايجاباً على الداخل اللبناني، لكن لا يجوز أن ننتظر من الخارج أن يقوم بمسؤولياتنا، وما قاله أكثر من مصدر غربي وعربي يصب في هذا السياق، وآخر هذه المواقف ما جاء على لسان مساعدة وزير الخارجيّة الأميركيّ لشؤون الشّرق الأدنى باربرا ليف خلال لقاءاتها مع المسؤولين بحيث شددت على ضرورة الإسراع في انتخاب رئيس للجمهورية وأن بلادها لا تدخل في لعبة الأسماء، والاتفاق مع صندوق النقد الدولي، واتفاق الرّبط الكهربائي مع الأردن، وأمن الحدود الجنوبيّة بين لبنان وإسرائيل. وحذّرَت من أنّه في حال لم يُسرِع لبنان في إنجاز هذه الخطوات، فإنّ البلاد ذاهبة نحو وضعٍ سيّء جداً ما يعني أن الأسوأ لم يأتِ بعد”.

الراعي للمسؤولين: أتؤثرون العمى السياسيّ عمداً؟

الى ذلك، قال البطريرك الراعي في عظة بعد قداس الاحد: “ما أكثر عميان هذا الدهر. هذا العمى السياسيّ، النابع من الكبرياء والأنانيّة والمصالح الخانقة والأهداف الخبيثة، جعل الكتل النيابيّة ومن وراءها من النافذين يمعنون، من دون أيّ وخز ضمير، في عدم انتخاب رئيس للجمهوريّة، لكي لا تنتظم المؤسّسات الدستوريّة، وفي طليعتها المجلس النيابي الفاقد صلاحيّة التشريع والمساءلة والمحاسبة، والحكومة الفاقدة صلاحيّة عقد جلساتها لإتخاذ القرارات الإجرائيّة بموجب الدستور”.

وسأل: “لماذا أيّها السادة، توجّهون مسؤوليّتكم الدستوريّة إلى خراب الدولة وحرمانها من الإصلاحات ومن مواردها؟ أتؤثرون العمى السياسيّ عمداً، ولا تريدون أن تشفوا منه؟ ألأنّكم فعلاً تريدون خراب لبنان وقتل شعبه ماديّاً ومعنويّاً؟ فيا لسوء الزمان الذي أوصلكم إلى حيث أنتم من احتلال بكلّ معنى الكلمة للدولة ولمقاليدها. لكن إعلموا أن الظلم لا يدوم، وأنّ الظالم يبلى بأظلم كما يعلّمنا التاريخ”.

شارك المقال