بلد “مش بالنظام”… صباط وإجرام تحت القبة

لبنان الكبير

من يراقب مستوى التعاطي بين الممسكين بزمام السلطة في البلد، والعقلية المتحجرة والرجعية والمتخلفة التي تتحكم بإدارة مؤسسات الدولة، وتجذر الطائفية في النفوس الى حد فقدان الصواب، والاختلاف والخلاف بين المكونات على أبسط الأمور، لا يستغرب الانحدار السريع على المستويات كافة، لأنه برأي العقلاء “إذا عُرف السبب بطل العجب”. والأمور أصبحت واضحة وضوح الشمس، ولم يعد هناك أي أمل في القيامة مع المنظومة الحالية.

وما أن استبشر اللبنانيون خيراً بدعوة رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي الى اجتماع حكومي لمناقشة قضية تمديد التوقيت الشتوي بحيث نجح في سحب فتيل فتنة كادت أن تشعل البلاد، حتى أطلت الفتنة برأسها من جديد انما هذه المرة من تحت قبة البرلمان أي المكان الذي يجري فيه التشريع، وحيث ينتخب نواب الأمة رئيس جمهورية بطريقة حضارية وديموقراطية، اذ علت الأصوات، وسادت لغة أقل ما يقال فيها انها لا تليق بممثلي الشعب وبالشعب نفسه الذي منحهم ثقته لأنها عبارات لا يصلح استخدامها الا في الأزقة.

وفيما لا تزال النفوس مشحونة، انفجر خلاف حاد في اللجان المشتركة التي اجتمعت لتناقش 8 بنود، الا أنها انتهت بسبب كثرة الاشكالات التي تجاوزت حدود التخاطب اللائق، من دون اقرار أي منها، ليبقى ما حصل في عهدة رئيس المجلس نبيه بري.

وفي التفاصيل، ومع بدء الجلسة، علا الصراخ من داخل الهيئة العامة بسبب سجال بين النائبين ملحم خلف وغازي زعيتر على خلفية دعوة الأول الى انتخاب رئيس للجمهورية اذ ردّ عليه زعيتر، معتبراً كلامه “مش بالنظام”. وارتفع سقف النقاش بين النائبين، وتوجّه زعيتر الى خلف بالقول: “متل صباطي”.

ولاحقاً، حصل نقاش حاد بين رئيس حزب “الكتائب” النائب سامي الجميّل والنائب علي حسن خليل. وعقد الجميّل مؤتمراً صحافياً، قال فيه: “ما حصل خطير ومسّ بمقدسات ولن يمرّ. جئنا لنؤكد أن عدم حصول الانتخابات البلدية والاختيارية سيؤدي الى فوضى كبيرة في البلد، لكن حصل شيء في الجلسة التي شهدت منذ بدايتها توترات. لن أدخل في تفاصيل ما حصل وسأضعه بعهدة الرئيس بري لنرى كيف سيتعاطى مع الأمر. إن أفصحت عمّا حصل سأكون مساهماً في فتنة يريد البعض جرّ البلد إليها وهذا ما لا نريده، من هنا لن أتحدث عما حصل خلال الجلسة والذي كان يمكن أن يأخذ البلد الى مكان آخر. تسجيل ما حصل في الجلسة موجود، وأدعو الرئيس بري الى الاستماع إليه، وإن كان سيعتبر ما حصل يمرّ، فنكون أمام مشكلة كبيرة لن يقبل بها أحد. الرئيس بري إن كان سيعالج الموضوع فهو يعرف كيف يعالجه وإن لم يرغب في معالجته، فتكون الرسالة وصلت وسنرى مع حلفائنا كيف سنتعاطى.”

وأشارت معلومات صحافية الى أن خليل قال للجميل: “انت مجرم ابن مجرم ومن عائلة مجرمة”. في حين كشفت بعض وسائل الاعلام أن الرئيس بري، أجرى اتصالاً برئيس حزب “الكتائب” إثر مؤتمره الصحافي الذي قال فيه إنه سيضع ما حصل في جلسة اللجان المشتركة في عهدة رئيس مجلس النواب.

في المقابل، أسف خليل لأن “هناك جهات لأسباب عديدة تصرّ على تعطيل المجلس النيابي ورفض عقد جلسات تشريعية. الانفعال الذي تكلّم عنه أحد الزملاء هو ما يولّد ردّود الفعل وكان كلامي واضحاً إذ قلت نحن كمجلس نيابي لا نتحمّل مسؤولية سحب الأموال منSDR ، ورئيس الكتائب النائب سامي الجميّل أصرّ أنّه هو المقصود وتكلّم معي بلغة تخطّت لغة الزمالة، فاستحقّ ردّ فعلي ليعلو الصراخ في المجلس. لن أقبل بأن يكون هناك أيّ مسّ بكرامتنا تحت أي شكلٍ من الأشكال. لن ننجر إلى خطاب الإنقسام في البلد”.

وفي وقت لاحق، أوضح نائب رئيس المجلس النيابي الياس بو صعب، في بيان، أنه تواصل على أثر السجال الذي حصل خلال جلسة اللجان المشتركة مع الرئيس بري وأطلعه على تفاصيل ما حصل؛ فبادر بعدها مباشرة الرئيس بري واتصل برئيس حزب “الكتائب”، مؤكداً له حرصه على معالجة ما حصل، كما طلب بري من بو صعب استكمال اتصالاته لايجاد حل من شأنه أن يعالج الموضوع سريعاً.

وعلى أثر هذه الاتصالات، زار بو صعب مقر حزب “الكتائب” في الصيفي حيث اجتمع مع الجميل واتفق معه على طريقة معالجة الموضوع. وبعدها، أجرى النائب خليل اتصالاً بالجميل بصفته رئيس حزب “الكتائب”، معتذراً منه على الكلام الذي صدر عنه ولا سيما بعدما تأكد خليل أن الكلام الاستفزازي الذي صدر بحقه لم يكن صادراً عن رئيس الحزب. وأكد خليل خلال الاتصال الذي شارك فيه بو صعب، “كامل احترامه للشيخ سامي الجميل ولحزب الكتائب”.

اذاً، انه يوم المناكفات والخلافات ليس بين الفريقين المتخاصمين وحسب، انما ضمن الفريق الواحد، اذ تمايز بو صعب عن تكتل “لبنان القوي” بعد أن انتقد رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل على خلفية موقفه من موضوع اعتماد التوقيت الشتوي، في وقت وصل البلد الى مرحلة ليس في حاجة الا الى شرارة صغيرة كي يشتعل، وحينها لن يتمكن أحد من اطفاء النيران التي ستحرق الجميع وفق ما قال أحد المراقبين لموقع “لبنان الكبير”، معرباً عن أسفه “لما وصلت اليه الأمور في البرلمان”. وسأل: “هل يمكن أن ننتظر بعد من النواب أن ينتخبوا رئيساً للجمهورية؟ قبل هذا الاصطفاف الطائفي كانت كل المعطيات تشير الى أن الملف الرئاسي لم يتقدم قيد أنملة في الداخل، فكيف الحال بعد كل نراه وما نسمعه؟ مع العلم أن كل الجهات الدولية تحذر من الخطر الكبير الداهم”، لكنه أشار الى أن “هذا السكون السلبي في الداخل، وتخلي المسؤولين عن مسؤولياتهم، تقابله حركة لافتة في الخارج من أصدقاء لبنان الذين يعملون لمصلحة البلد ووضعه على السكة الصحيحة، اذ جدد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ووليّ العهد السعودي الأمير محمّد بن سلمان، عزمهما على العمل معاً لمساعدة لبنان. ومن المتوقع أن يكون هناك خطوات تلي الاتصال. وبالتالي، ليس مستبعداً تسجيل خرق ما أو تقدم ملموس في الاستحقاق الرئاسي، وربما التوصل الى مخرج يرضى عنه جميع اللبنانيين، ويكون لصالح لبنان أولاً وأخيراً خصوصاً في ظل ازدياد المخاوف من انزلاق الوضع الى ما لا تُحمد عقباه.”

وفي هذا السياق، اعتبر أحد المحللين السياسيين في تصريح لموقع “لبنان الكبير” أن “الدور الفرنسي أصبح محدوداً جداً بعد الاجتماع الخماسي في باريس الذي شاركت فيه 3 دول عربية أي قطر والسعودية ومصر، وبعد الاتفاق السعودي – الايراني”. وقال: “أعتقد أن المبادرة الانقاذية في لبنان أصبحت عربية والى حد ما خليجية، وأتوقع أن يظهر شيء ما على هذا الصعيد قبل انعقاد القمة العربية في أيار المقبل، اذ أن الحركة الديبلوماسية القائمة حالياً تحضر لتسوية معينة يشارك لبنان على اثرها في القمة برئيس للجمهورية وليس بفراغ في موقع لبنان داخل القمة”. وتوقع “أن نلمس خطوات جدية خلال شهر نيسان المقبل خصوصاً أننا نترقب في أي وقت الاجتماع الثنائي بين وزيري خارجية المملكة العربية السعودية وايران، وربما يكون الملف اللبناني ضمن المباحثات. علينا أن نأخذ في الاعتبار أمرين: أولاً، أن ليس هناك من انتخاب رئيس للجمهورية الا ضمن تسوية. وثانياً، ليس هناك من تسوية داخلية انما تسوية خارجية من الدول المؤثرة على الساحة اللبنانية، لذلك، تتجه الأنظار الى الخارج. هل هناك من تسوية تقودها السعودية أو مصر أو الثلاثي العربي الذي شارك في قمة باريس بتوافق مع فرنسا والولايات المتحدة وايران بعد الصفحة الجديدة التي تفتح حالياً؟ الاحتمال وارد على الرغم من أن ليس هناك من معطيات ملموسة أو متداولة في العلن انما المناخات توحي بذلك”.

في حين لفت مصدر آخر الى أن “المعطيات المتوافرة تشير الى أن الأمور لا تزال في دائرة الانسداد السياسي حول الاستحقاق الرئاسي. هل سيكون هناك ما يبشر بالايجابيات؟ الواضح من خلال القراءة العامة لطبيعة المواقف سواء الفرنسية أو السعودية أو الأميركية، وعطفاً على المواقف الداخلية اللبنانية، لم يتغير أي شيء، وكل المحاولات التي جرت في الأسابيع القليلة الماضية لم تصل الى أي نتيجة. وبالتالي، لا نزال في الحلقة المفرغة في هذا الاطار، لكن نحن في بلد نكون دائماً على موعد مع المفاجآت التي تقلب الأمور رأساً على عقب”.

ووسط هذه المناخات المشدودة، فإن الأوضاع الاقتصادية من سيء الى أسوأ اذ قال نائب رئيس الحكومة سعادة الشامي في بيان: “حذَّرت بعثةُ صندوق النقد الدولي إبّان زيارتها لبنان من أنه، في غياب الإصلاحات الضرورية التي تَمَّ الاتفاق عليها مع الصندوق على صعيد الموظفين، سيدخل لبنان في أزمة عميقة لا أفق زمنياً لها”.

على صعيد آخر، فرضت الإدارة الأميركية عقوبات جديدة طالت كلاً من حسّان محمد دقّو، “شركة حسّان دقّو” ونوح زعيتر، إضافة الى عدد من الشخصيات السورية.

شارك المقال