في ظل الواقع المأزوم، يبدو كل شيء مباحاً الا العقلانية والهدوء والتروي وتلاقي الارادات الحسنة والنوايا الطيبة لانقاذ الشعب الجائع الذي يئن تحت وطأة الضائقة الاقتصادية، وانتشال وطنه من تحت أنقاض الأزمات الضاغطة والمتلاحقة، حتى لغة التخاطب الطائفية التي تعمّق الانقسام في البلد في أدق مرحلة يمر بها، أصبحت مباحة وطبيعية وعادية ما يذكر بالأجواء التي سادت عشية الحرب الأهلية لأنه حينها أرادوا تفتيت لبنان بمؤسساته الدستورية وبنظامه السياسي، فهل المطلوب اليوم جر البلد بمن فيه الى مستنقع الاقتتال الأهلي للقضاء على الكيان برمته وفق ما يسأل أحد السياسيين المخضرمين؟
وهل من المستغرب أن تعتبر مساعدة وزير الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأدنى بربرا ليف أن “قادة لبنان يفتقرون إلى الاحساس بضرورة الاسراع في إخراج البلاد من أزمتها”، داعية اللبنانيين الى “الاسراع في انتخاب رئيس جديد للبلاد”. ورأت أن “لبنان ليس لديه مخرج آخر من أزمته سوى التوصل الى اتفاق مع صندوق النقد الدولي. أما الاتفاق بين السعودية وإيران فقد يكون له تأثير مهدئ ونافع في لبنان وفي المنطقة كله”.
إذاً، تماماً كما أوصلوا البلد الى الدرك الأسفل في علاقاته مع الدول العربية الشقيقة والأخرى الصديقة، أوصلوا القطاعات كافة الى الدرك الأسفل حيث الاستمرار بات شبه مستحيل، والمؤسسات تتهاوى كأحجار الدومينو الواحدة تلو الأخرى، والصرخة بالأمس كانت معيشية لأن الجوع كافر ولأن القدرة على التحمل وصلت الى الخط الأحمر، لكن الغريب العجيب أن الشعب يتلقى العصي، وأركان السلطة يصرخون، ويحذرون من أننا أمام منعطف خطير: “فإما الحفاظ على كيان دولة ومؤسسات قادرة على إدراة شؤون الدولة، أو أننا سنكون أمام مزيد من التدهور والانزلاق نحو المجهول”.
وبما أن على الشعب مسؤولية البحث عن حلول للأزمة الاقتصادية المستفحلة، وتقليع شوك المسؤولين بيده، تصدر الواقع المعيشي والحياتي واجهة الأحداث بالأمس، اذ نفّذ المجلس التنسيقي للمتقاعدين في القطاع العام اعتصاماً، في رياض الصلح، بمشاركة من تجمّع “الولاء للوطن”، و”رابطة قدماء القوات المسلحة اللبنانية” ومختلف مجموعات العسكريين المتقاعدين، وسط انتشار أمني كثيف للجيش والقوى الأمنية ومكافحة الشغب. ورفعت لافتات تندّد بالمسؤولين وبما آلت إليه الأوضاع الاقتصادية والمالية والمعيشية الخانقة. وأجمعت كلمات عدد من المحتجين على التنديد بـ “المسؤولين الفاسدين الذين سرقوا شعبهم ودمّروا البلد بكلّ مؤسساته وإداراته”، محذرين “السلطة من تمييع قضيتهم المحقة وتضييعها وصولاً إلى تصعيد لا يُحمد عقباه”. وطالبوا بأن يكون سعر “صيرفة” على دولار 28 ألف ليرة.
ولاحقاً، توجه عدد من المحتجين الى مصرف لبنان للتظاهر. وحاول عدد من العسكريين المتقاعدين إزالة الأسلاك الشائكة، في مواجهة فرقة مكافحة الشغب، فحصلت مواجهات بينهم وبين الجيش. والتقى وفد من العسكريين حاكم مصرف لبنان رياض سلامة وطلب منه اعتماد سعر 28500 للرواتب، فأبلغه سلامة أنه في حاجة الى موافقة الحكومة ووزير المال، واستمهله حتى يوم الاثنين.
وفي هذا السياق، أوضح أحد العمداء المتقاعدين لموقع “لبنان الكبير” أنه “سُرب لنا أن مصرف لبنان أراد أن يعتمد سعر صيرفة الحالي أي 90 ألفاً لكل الرواتب، وهذا يعني أنهم يريدوننا اما أن نتحول الى متسولين أو الى مجرمين لأن رواتبنا خسرت أكثر من 50 في المئة من قيمتها. نحن في انتظار يوم الاثنين لنبني على الشيء مقتضاه، لكن الأكيد أننا لن نسكت عن حقنا كما لن نسمح بجرنا الى مواجهة زملائنا العسكريين الذين كنا معهم في المتراس عينه. اذا لم يصدقوا في الوعود، فنحو التصعيد در”.
في المقابل، أعلن وزير العمل في حكومة تصريف الأعمال مصطفى بيرم أنه اتفق في اجتماع “لجنة المؤشر” على رفع الحدّ الأدنى في القطاع الخاص الى 9 ملايين ليرة أي بزيادة 4 ملايين ونصف المليون، وبدل النقل سيصبح 250 ألف ليرة عن كل يوم حضور.
وعلى الجبهة المعيشية أيضاً، يستمر موظفو “أوجيرو” في اضرابهم، فيما كشف وزير الاتصالات في حكومة تصريف اأاعمال جوني القرم، أنه تشاور مع الرئيس نجيب ميقاتي “وطلب منّي تدخل الجيش وأن نستلم قطاع أوجيرو بالكامل. لا أقبل بأن يأخذ أحد المواطن كرهينة، فقطاع الانترنت أمر ضروري وأساس لاستمرار الحياة وممنوع أي توقف”. وأفيد أن الجيش لم يبلّغ بأي أمر يتعلّق بالتدخل في إضراب “أوجيرو”.
بدوره، علّق المجلس التنفيذي لنقابة “أوجيرو” في بيان بعد اجتماع طارئ، على كلام وزير الاتصالات، معلناً ترحيبه بـ “الجيش اللبناني حامي الوطن والقلعة الصامدة المنيعة. وجميع المراكز والمكاتب بتصرّفه من المركز الرئيس إلى آخر مركز على مساحة الوطن”، مؤكداً “استمراره في الإضراب المفتوح واستعداده لمتابعة التفاوض حينما تهدأ النفوس”.
ولاحقاً أصدر القرم بياناً دعا فيه مجلس الوزراء الى عقد جلسة طارئة وعلى جدول أعمالها ملف موظفي هيئة “أوجيرو”. كما دعا نقابة موظفي “أوجيرو” إلى “فكّ الإضراب والعودة الى لغة الحوار خدمةً لقطاع الاتصالات وللقطاعات كافة”.
وعلى الصعيد السياسي، وفي وقت تكثر الأحاديث عن اجتماع أو مؤتمر من أجل لبنان سيعقد في باريس أو الدوحة أو الرياض أو القاهرة لبحث الأزمات السياسية والمالية والاقتصادية، لأن هذه الأمور تُناقش على أكثر من مستوى اقليمي ودولي، لكن لا شي جدياً الى الآن، وفق ما قال أحد المحللين السياسيين لموقع “لبنان الكبير”، تستعد بكركي للقاء الروحي الذي دعا اليه البطريرك الماروني الكاردينال بشارة الراعي في الخامس من نيسان المقبل في بيت عَنيا – حريصا حيث سيجمع القادة والنواب المسيحيين في يوم صلاة على أمل أن تحصل “عجيبة”، وتنير العقول والنفوس، وتجعلهم يسهلون الطريق أمام انتخاب رئيس للجمهورية. وأشارت المعلومات الى أن البطريرك الراعي أراد وضع الجميع أمام مسؤولياتهم، وبالتالي، الضغط أقله على الكتل المسيحية من أجل حثها على تأمين مقومات إنتخاب الرئيس، كما أنها رسالة من بكركي أنها ستفعل كل ما أمكن لتقصير مدة الشغور علها تنجح في تأمين أرضية مشتركة بين المسيحيين تنعكس ايجاباً على المستوى الوطني. وربما أراد البطريرك الراعي اللقاء في “أربعاء أيوب” للايحاء للمشاركين بأن الصبر بدأ ينفد، والوقت يداهم الجميع كما أنه يعوّل على الضمائر والنوايا الصافية التي تترافق وزمن الصوم علّه مع عيد القيامة، يتصاعد الدخان الأبيض، وتكون قيامة لبنان من تحت ركام الأزمات.
ورأى مصدر مطلع في تصريح لموقع “لبنان الكبير” أنها “سابقة أن تدعو البطريركية المارونية السياسيين الى خلوة روحية بما تشكله هذه الخلوة من وقفة ضمير ايمانية تعود الى الجذور الايمانية لكل من المدعوات والمدعوين من النواب وممثلي القوى السياسية مسيحياً في لبنان. هذه سابقة خصوصاً في لحظة تاريخية مفصلية، لكن من الواضح أن ليس بالامكان التعويل على أي نتيجة سياسية لهذا اللقاء اذ أن الدعوة محددة أنها خلوة روحية، ووفق المعلومات سيكون هناك حوار في الكتاب المقدس يؤكد على أهمية ارتباط الخير العام بالشأن العام، ومن غير الواضح عملياً الدينامية التي ستكون في الخلوة”.
فيما لفت أحد النواب السابقين الى أنها “ليست المرة الأولى التي يحصل فيها مثل هذه اللقاءات، ففي السابق دعا البطريرك الراعي رؤساء الأحزاب الأربعة المارونية الى خلوة روحية في بكركي. والتقاء النواب ليس بجديد لكن ما لا يحدث هو التقاء الزعماء، وسمير جعجع وسليمان فرنجية لن يشاركا في اللقاء. وبالتالي، اللقاء خطوة ذات طابع روحي قد تفيد بالمطلق اذا كان الانسان يؤمن بتدخل الله في طرق غير منظورة وغير محددة عن طريق العجيبة. وكأن بكركي ضاقت ذرعاً بالحديث بلغة العقل، فتلجأ الى عمل الروح القدس لحل مشكلة اللبنانيين بالنسبة الى الملف الرئاسي. ومن المستبعد أن تطرح أسماء لرئاسة الجمهورية في الخلوة”.
من جهة ثانية، أوضح رئيس “حركة الاستقلال” النائب ميشال معوض في بيان، أنه زار بكركي والتقى البطريرك الراعي، “وذلك قبل توجهي إلى الولايات المتحدة الأميركية، في زيارة عمل مقررة منذ أشهر تتعلق بتلبية التزامات ونشاطات، مرتبطة بمؤسسة رينه معوض. ولهذه الأسباب كررت اعتذاري عن عدم تمكني من المشاركة في اللقاء الروحي في حين سيحضر عضو كتلة تجدد النائب أديب عبد المسيح”.
على مقلب آخر، أعلن وزير الأشغال العامة والنقل في حكومة تصريف الأعمال علي حمية عدم السير بالعقد المرتبط بمشروع توسعة المطار. وقال قبيل اجتماع لجنة الاشغال النيابية لمناقشة ملف توسعة المطار: “على الرغم من أهمية المشروع، وعلى أثر الجدل القانوني الحاصل في مشروع انشاء المبنى الجديد للمسافرين في المطار، حيث تبين أن هناك وجهتي نظر قانونية للموضوع، أضف الى ذلك أن المشروع اتّخذ منحى غير المنحى الذي كنا نبتغيه. وبناء على طلب من الجهة التي أتشرّف بتمثيلها في الحكومة اللبنانية وهي حزب الله، وحسماً للاختلاف الحاصل والجدل الحاصل أعلنها وبكل شجاعة عدم السير بالعقد واعتباره وكأنه غير موجود”.