في حال مرّ يوم من دون أن يختلق السياسيون في البلد مشكلة لالهاء الناس عن همومهم وعن عجز المنظومة عن الاصلاح والانقاذ، يستبشر اللبنانيون خيراً على الرغم من المستنقعات المعيشية الصعبة التي يغرقون فيها لأنهم باتوا على قناعة بأن لا حول ولا قوة إلا بالله، ويعتبرون أن تفادي شرارة جرهم الى فتنة لا يريدونها، من النعم والخيرات التي تغدقها السلطة عليهم.
على أي حال، بعد العواصف وحفلات الجنون الطائفية، مرّ يوم أمس بسلام وهدوء، لكن أيضاً بسكون سياسي ورئاسي غريب ومخيف ربما لأن المنظومة أصبحت على قناعة كما الشعب بأن ليست لديها النية ولا الارادة لتسجيل أي تقدم في الاستحقاق الرئاسي، وترمي الكرة في ملاعب الدول الشقيقة والصديقة بحيث اتجهت الأنظار والاهتمامات الى زيارة رئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية الى باريس، التي دعي اليها أول من أمس، والتقى مستشار الرئيس الفرنسي باتريك دوريل المتابع لملف لبنان.
وفيما ينتظر اللبنانيون نتائج زيارة فرنجية التي ستظهر المنحى الذي ستتخذه التسوية التي يتم الحديث عنها بين الدول الصديقة والشقيقة، تضاربت المعلومات الصحافية، وكثرت التحليلات والقراءات المتناقضة، فأشار البعض الى أن الجانب الفرنسي يتفاوض مع السعودية لإيصال فرنجيّة إلى سدّة الرئاسة، في حين لفت البعض الآخر الى أن باريس ستبلغ فرنجية بضرورة الانسحاب من السباق الى القصر الرئاسي لتسهيل عملية الانتخاب، لأن وصول رئيس طرف الى بعبدا أمر شبه مستحيل.
وبعد خمسة أشهر على اقفال باب القصر الجمهوري، لا جديد في الداخل ولا تقدم بسيط في الشأن الرئاسي، لكن الحراك العربي والدولي يكاد لا يهدأ وفي أكثر من عاصمة عربية وغربية، كما أن الزيارات الديبلوماسية لا تتوقف اذ لفتت المصادر الى أن وزير الدولة في وزارة الخارجية القطرية محمد عبد العزيز الخليفي سيزور لبنان الاثنين المقبل. وفي اتجاه معاكس، لكن في السياق عينه، زار فرنجية العاصمة الفرنسية وسط معلومات عن أن باريس ستشهد لقاءات أخرى تَلي زيارة كل من فرنجية ورئيس الحزب “التقدمي الاشتراكي” وليد جنبلاط الذي “يطرح أسماء وسطية في لبنان وخارجه”، وفق ما أوضح أحد نواب “اللقاء الديموقراطي” لموقع “لبنان الكبير”، وأن الرئيس ايمانويل ماكرون عازم على انقاذ الوضع في لبنان قبل الانهيار التام، حتى أنه حُكي عن الدخول في مرحلة جوجلة أسماء مرشحي الرئاسة المطروحين، لاختيار المرشح الذي تنطبق عليه المواصفات التي تحدث عنها سفراء دول اللقاء الخماسي الذي عقد في باريس.
وفي هذا السياق، أشار أحد المحللين السياسيين لموقع “لبنان الكبير” الى “أننا نستشعر أن هناك حراكاً خارجياً واضحاً يتعلق برئاسة الجمهورية اللبنانية، وقد نكون أمام شهرين حاسمين في هذا الاطار، لكن هذا لا يعني أن الحركة ستصل الى نتيجة حتمية. زيارة فرنجية الى فرنسا تأتي في اطار محاولة تقديم مجموعة من الضمانات لاعادة الترويج له كمرشح، واذا كانت فرنسا هي التي طلبت حضوره، فربما تريد أن تعرف منه ماذا يمكن أن يقدم من اضافة لتبلغه الى الجهات الدولية الأخرى، فهناك كلام عن أنه مستعد للسير باستراتيجية دفاعية وأن يحقق مطالب صندوق النقد الدولي. والسؤال الأساس: هل يمكن أن يشكل كلام فرنجية بذاته ضمانة؟ وهل الاتفاق يتم معه أو مع “حزب الله” أو ايران؟ على الأرجح أن فرنجية لا يستطيع تقديم الضمانات اذ أن التجارب تثبت ذلك، وهو تابع للجهة التي تمسك المعادلة والوضع القائم اليوم. فرص فرنجية ليست عالية، ونحن أقرب الى شخصية اقتصادية أو ادارية مستقلة. لكن لا بد من الاشارة الى أن اسم الرئيس ليس المشكلة انما على أي أرض سيقف هذا الرئيس؟ هل سيقف على أرضية تساعده في تحقيق الأهداف وتنفيذ المشاريع الاصلاحية أو يجلس على أرض مهتزة؟ وهل هناك قرار لبناني عميق لدى هذه السلطة والقوى السياسية بالدخول في عملية الانقاذ والاصلاح؟ لا يبدو أن هناك ارادة حقيقية للاصلاح، وليس هناك من نضوج أو رأي جدي لمعالجة الأزمة القائمة”.
وفي وقت يتوقع أن يعقد مجلس الوزراء جلسة مطلع الأسبوع المقبل للبحث في ما تأجل من بنود تتصل بواقع القطاع العام، واعادة النظر في الرواتب في ظل استمرار اضراب “أوجيرو”، وحال قطاع الاتصالات من سيء الى أسوأ، عاد الوفد النيابي اللبناني من بلجيكا حيث بحث مع الأوروبيين في ملف اللاجئين السوريين كما في مواضيع أخرى. ويتم تسليط الضوء على الملف في الفترة الأخيرة إن كان في الداخل أو الخارج، وقد غرّد النائب غسان سكاف الذي كان ضمن الوفد عبر “تويتر”، قائلاً: “كابوس النزوح السوري في لبنان كان محور لقاءات الوفد النيابي مع الاتحاد الأوروبي. التفهم الأوروبي كان واضحاً وهو بصدد التفاهم مع الديبلوماسية السعودية من أجل تضمين تطبيق الاتفاق السعودي – الايراني بند إعادة تدريجية للنازحين سيُقدم في الشهر المقبل في اقتراح قانون في الاتحاد الأوروبي، بعد أن أخذت دول أوروبية قرارات فردية في هذا الاتجاه”.
وكانت معلومات صحافية تحدثت عن أن التسوية الرئاسية الخارجية تبحث في مواصفات رئيس الجمهورية المقبل الذي يكون قادراً على جمع اللبنانيين، وعلى علاقة جيدة مع الدول الغربية والعربية الشقيقة وتحديداً دول الخليج العربي، ويكون قادراً على التحادث مع الجهات الدولية المانحة للمساعدات، وأن يعمل على ملف عودة اللاجئين السوريين تدريجاً الى ديارهم.
وبغض النظر عن تداعيات اللجوء، فالسؤال الذي يطرح: لماذا تحريك ملف اللاجئين في هذه المرحلة المفصلية في لبنان والمنطقة؟ وهل بند العودة من البنود الأساسية التي سيتم التوافق عليها مع الرئيس المقبل؟
اعتبر أحد النواب العائدين من بلجيكافي تصريح لموقع ” لبنان الكبير” أن “هناك عدم جدية في متابعة ملف النزوح، وهنا المشكلة. الاضاءة على الملف اليوم ليست استثنائية أو جديدة، ولا يجوز أن نضع موضوع اللاجئين خارج اطاره، وليست له علاقة بالرئيس المقبل أو بتطورات المنطقة. الملف موجود على الطاولة، ويهم كل اللبنانيين”.
فيما رأى نائب آخر أن “علينا الافادة من كل الظروف المؤاتية في المنطقة والمناسبات لأن البلد ينهار كلياً. يجب أن نوظف الانفتاح السعودي – الايراني ايجاباً، لكن يبدو أن هناك بعض القوى لا تزال ترفع السقف، وكل من يرفض التسوية والتوافق في لبنان، سيكون منزعجاً من التوافق السعودي – الايراني”.
في حين أكد أحد المحللين السياسيين أن “النظام السوري لا يريد اعادة اللاجئين السوريين، وهذه القضية تتطلب ارادة اقليمية ودولية تؤمن الشروط والظروف الملائمة للعودة، أي أن يكون هناك وضع سياسي مختلف أو أن تكون هناك مناطق آمنة يعود اليها اللاجئون، وهذا لا يبدو ناضجاً حتى الآن. اذاً، مسألة اللاجئين ليست قريبة الحل، ولن يذهب لبنان مهما سمعنا الصراخ، خارج اطار المعادلة الاقليمية والدولية في ما يتعلق بهم. القضية لها بعد انساني الا أن معالجتها لا يمكن أن تتم من خارج الاطار السياسي خصوصاً أن أزمة النازحين على مستوى المنطقة والعالم. وبالتالي، من المبكر اليوم ربط التفاهم السعودي – الايراني بمعالجة قضية اللاجئين على الرغم من التأثيرات الايجابية على الوضع اللبناني، لكن التفاهم يعالج الأمور والتحديات وفق الأولويات ولبنان وقضية اللاجئين ليستا في الأولويات”.
من جهة ثانية، أعلن مفوض الاتحاد الأوروبي لادارة الأزمات يانيز لينارتشيتش، خلال مؤتمر صحافي “أننا سنستمر، كما فعلنا منذ نحو 12 سنة، في دعم اللاجئين السوريين، إضافة إلى اللبنانيين المعوزين. هذا البلد يحتاج إلى أكثر من ذلك وإلى إصلاحات وانتخاب رئيس للجمهورية وحكومة كاملة الصلاحية واتفاق مع المجموعة الدولية، خصوصاً مع صندوق النقد الدولي”.
معيشياً، أفيد عن بدء تحويل رواتب موظفي القطاع العام على سعر “صيرفة” ٦٠ ألفاً إبتداءً من بعد ظهر أمس الجمعة، علماً أن العسكريين المتقاعدين والأساتذة والمعلمين يرفضون هذا الرقم ويطالبون باحتساب “صيرفة” على 28 ألفاً.
بالتوازي، أصدر مصرف لبنان التعميم الوسيط الرقم 666 للمصارف، أبلغها فيه تمديد العمل بمفعول التعميم 161 حتى 30 نيسان 2023.