عقوبات أميركية بلا رحمة على “الأقوياء”… المسعى القطري يشمل فرنجية

لبنان الكبير

بينما كان الموفد القطري وزير الدولة في وزارة الخارجية محمد بن عبد العزيز الخليفي، يستكمل جولته على المسؤولين، ومنهم رئيس تيار “المردة” مرشح الثنائي الشيعي سليمان فرنجية، نزلت العقوبات الأميركية على الشقيقين تيدي وريمون رحمة بتهمة الفساد لتتصدر المشهد، مثيرة تساولات عديدة، بدءاً من كونها رسالة إلى فرنجية و”حزب الله” من خلفه. ولكن لآل رحمة علاقة مميزة مع كل الأطراف المسيحية، تحديداً “التيار الوطني الحر” و”القوات اللبنانية” و”المردة”، بل انهم يستطيعون جمع المسيحيين أكثر مما تستطيع بكركي، التي دعت القوى المسيحية اليوم إلى خلوة صلاة، على أمل أن تحقق خرقاً ما على خط التوافق المسيحي، في أجواء التقارب الاقليمي المستمر باتجاه التهدئة في المنطقة، من دون أن تتلقف بشائرها غالبية الساسة في البلد، في حين تتبدى بالملموس في اليمن وفي الاتجاه الى إعادة سوريا الى الجامعة العربية عبر بوابة قمة الرياض في أيار المقبل.

المرحلة في المنطقة اليوم عنوانها التقارب وإعادة مد خطوط الأخوة تحديداً بين العرب، والحد من النفوذ الايراني، من دون أن تكون هناك اقتتالات أو حروب، ويبدو أن هناك قراراً عربياً على أعلى المستويات قد اتخذ بوقف كل العمليات الحربية في الشرق الأوسط، والانتقال إلى مرحلة تحقيق الرؤية العربية التي تسعى إليها السعودية. وأشارت مصادر ديبلوماسية لموقع “لبنان الكبير” الى أن “السعودية، وبناء على الرؤية المتقدمة للمنطقة، ستكون لها استثمارات في سوريا وإيران وكل الدول المتعثرة، التي سيكون لبنان من ضمنها، فالمنطقة مقبلة على مرحلة انتاج الغاز الطبيعي ليغطي جزءاً من غياب الغاز الروسي، والاستثمارات بمليارات الدولارات، ولا يمكن حصول هذا الأمر من دون هدوء ولو نسبي في المنطقة”.

وبالنسبة الى لبنان، أفادت معلومات “لبنان الكبير” بأن فرنجية وضع أمام شروط أساسية لانتخابه رئيساً، فقد سئل عن الضمانات التي يمكنه أن يقدمها للقبول به، وتم تذكيره بنقض الضمانات السابقة من الفريق السياسي الذي يمثله، وقيل له إن فريقه أعطى الضمانات بالحفاظ على الرئيس رفيق الحريري ولكن تم اغتياله. كذلك قدمت ضمانات بعدم الانقلاب على اتفاق الدوحة، ولكن فريقه انقلب على الرئيس سعد الحريري عام 2011، والأهم أنه كانت هناك ضمانات بعدم تمدد “حزب الله” إلى خارج لبنان وتشكيله خطراً في منطقة الشرق الأوسط، إلا أنه تمدد ووصل إلى اليمن، ولذلك طلب من فرنجية مراجعة جماعته وأخذ الضمانات الحقيقية منها وعندها لا مانع من أن يكون رئيساً، وعلى الأرجح تأتي زيارته المرتقبة إلى حارة حريك في هذا السياق.

يبدو أن القطريين لم يقبلوا أن يكون زمام المبادرات في لبنان فرنسياً فقط، وفي ظل التنافس الصحي مع السعودية أرسلت قطر موفدها إلى بيروت، وقدمت طرحاً مفاده أن لا يكون رئيس الجمهورية طرفاً، وعرضت تخريجة على الطريقة القطرية، إن كان بمؤتمر دوحة 2 أو مؤتمر بيروت 1 برعاية قطرية، وسيتضمن مساعدة كبيرة في الأزمة الاقتصادية، قد تكون ودائع في المصارف اللبنانية أو حتى اسثتمارات في الداخل اللبناني، عدا عن الاستثمار في البحر وبالغاز اللبناني. ويبدو أن بعض القوى اللبنانية يفضّل الدور العربي على الدور الفرنسي، وربما في هذا السياق كتب رئيس الحزب “التقدمي الاشتراكي” وليد جنبلاط على حسابه على موقع “تويتر”، قائلاً في رد على أحد الناشطين: “ملاحظة: لا أرى أي تشابه بين المستعمر الفرنسي آنذاك الجنرال غورو والمناضل قائد ثورة الاستقلال السورية سلطان باشا الاطرش”.

وفي لقاء الموفد القطري مع رئيس كتلة “الوفاء للمقاومة” النائب محمد رعد أكد الأخير رفض “حزب الله” أي رئيس لا يحظى بموافقته، وهو لديه مرشحه ولكنه منفتح على الحوار. أما رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع فقد أكد أن فريقه لن يقبل برئيس ممانع، وقد تمت تجربة حكم الممانعة وكانت كارثية، وأنه وفريقه لن يقبلوا بأن يتم ابتزازهم.

إذاً، اليوم لبنان أمام مبادرة فرنسية تتلطى وراء “خماسي باريس”، ومسعى قطري، وقد تكون عين التينة متقبلة أكثر من “حزب الله” لأي مبادرة مناسبة لمصلحة لبنان، وهذا الموقف تعلنه علناً لا سراً، فقد سعت ولا تزال الى حوار يؤدي إلى توافق، وهي من اليوم الأول لديها مرشح، ولكنها كانت تفسح المجال أمام التوافق وعندما اتهمت بالتعطيل، أجبرت على تسمية مرشحها، فرنجية، الا أنها في الأساس تسعى إلى عملية سياسية نظيفة، تؤدي إلى انتخاب رئيس يتوافق عليه الجميع. أما “حزب الله” فيبدو مصراً اليوم أكثر من قبل على انتخاب فرنجية، تحديداً أنه يستطيع أن يقدم ضمانات لم يكن قادراً على تقديمها سابقاً، فحليفه السوري بشار الأسد بخير، بل ان وضعه الاقليمي في مساره للعودة إلى الحضن العربي.

أما عن الخلوة المسيحية اليوم التي دعت إليها بكركي، فلا أحد يتوقع أن ينتج عنها أي دخان أبيض، وهي محاولة من البطريرك الماروني بشارة بطرس الراعي لجمع المسيحيين، ولو على فكرة، علماً أن حزب “القوات اللبنانية” لا يزال حتى الآن يرفض أي تقارب مع “التيار الوطني الحر” إلا إذا قام الأخير بمراجعة أدائه، وأدان “حزب الله” وسلاحه علناً، بينما التيار يعيش أوقاتاً صعبة بسبب طموح رئيسه جبران باسيل، لدرجة أن التياريين هاجموا بعضهم البعض على مواقع التواصل الاجتماعي، الأمر الذي دعا مؤسس التيار المتقاعد الى أن يصدر بياناً، جاء فيه: “ان أي خلاف سياسي بين أبناء الوطن الواحد هو مرحلي ولا يبرر تفلّت الخطاب وجنوحه نحو الكراهية واستثارة الغرائز الطائفية وغير الطائفية كما نتابع مؤخراً على وسائل التواصل. إن المجتمع التعددي هو مصدر غنى للبنان فلا تجعلوا منه مصدر ضعف وتفتّت، وتذكروا أن الحروب الداخلية مدمِّرة للجميع، والتشبّث بالماضي لا يبني المستقبل، وتشويه التاريخ لا يغيّر الحقيقة. يبدو أنه من الملحّ التأكيد أن اللامركزية الادارية الموسعة المنصوص عنها في وثيقة الوفاق الوطني هي تدبير إداري لا تقسيمي، فلا يتلطّى أحد وراءها لا للترويج لمشاريع مرفوضة، ولا لاستعمالها فزاعة عند الحاجة. تذكروا أيضاً أن (لبنان أكبر من أن يبلع وأصغر من أن يقسّم)، وأنه أرض تلاق وحوار، وقد حرصتُ على وضع أسس لأكاديمية لتعليم هذه القيم. قدركم أيها اللبنانيون هو العيش معاً كيفما تقلّبت الظروف، فابحثوا عن الطريقة الأفضل لذلك”. أما “المردة” فالمرشح هو فرنجية نفسه، ويرى أنه الأعلى حظوظاً على الساحة في ظل غياب مرشح جدي من أي فريق محلي أو إقليمي، ولذلك ستكون مهمة بكركي صعبة جداً، وعلى الأرجح لن يكون هناك دخان أبيض في الخلوة المسيحية.

شارك المقال