حبس العالم أنفاسه مع التصعيد على الحدود الجنوبية اللبنانية، تخوفاً من رد فعل اسرائيلي قد يشعل حرباً. فالمناخ في المنطقة هو نحو حلحلة الملفات العالقة فيها، ولا أحد يريد أن تشتعل جبهة الجنوب، في هذا الوقت. الدولة اللبنانية حسمت موقفها عبر رئيس الحكومة، الالتزام بالقرار 1701، وإدانة إطلاق الصواريخ من أرض لبنان، ورفض أي تصعيد عسكري يزعزع الاستقرار القائم. الموقف اللبناني الرسمي تجانس مع رد الفعل الاقليمي والدولي والأمم المتحدة، وتكثفت الاتصالات من “اليونيفيل” ومن الدول لمنع التصعيد، وربما في هذا الاطار كان الرد الاسرائيلي محدوداً، ولم يتسبب بأضرار من شأنها أن تستجلب رداً من “حزب الله”، الذي حيّده الجانب الاسرائيلي في تحميل المسؤولية، واقتصر الأمر على قصف طال بعض البساتين.
القوى السيادية رأت أن ما حصل هو مسرحية بين رئيس وزراء اسرائيل المأزوم في ساحته بنيامين نتنياهو، و”حزب الله” الذي لم يعد يمتلك القدرة على فرض إرادته على اللبنانيين، وإيصال مرشحه سليمان فرنجية إلى الرئاسة، وما حصل هو هروب نتنياهو إلى الأمام من أزمته، ورسالة من “حزب الله” إلى الداخل أنه يمكنه إشعال الجبهات متى أراد إذا لم يخضع لبنان لإرادته. ولهذا السبب يجب تطبيق القرارات الدولية اليوم أكثر من ذي قبل.
لم يكن “حزب الله” مسؤولاً عن إطلاق الصواريخ، ولكن المحور الذي ينتمي إليه يتحمل مسؤوليتها، وهو يقر بذلك فخراً، وهذه العملية يمكن لأي منظمة فلسطينية أن تنفذها ومن المؤكد أن الحزب غض الطرف في ساحته، لتصل رسالة إلى الاسرائيليين أنه لا يمكنهم استغلال المناخ الإيجابي في المنطقة لاستباحة المسجد الأقصى، هذا ما أكدته مصادر مقربة من محور الممانعة لموقع “لبنان الكبير”، مشددة على أن ما حصل ليس مسرحية، ولا يهدف الى إراحة نتنياهو من أزمته الداخلية كما يدّعي البعض، فهو لم يستطع تحقيق إنجاز ما بسبب ضرب الصواريخ، بل ان الإعلام الاسرائيلي اليوم يتحدث عن تأكيد المحور على قدرة الردع، وعن عدم قدرة القيادة الاسرائيلية على إدارة عدة جبهات في الوقت نفسه، وعن تفاهة الرد على الصواريخ.
ولفتت المصادر الى أن ما حصل كان ضمن قواعد الاشتباك، وتم إيصال الرسالة بأقل قدر ممكن من القوة، بل إنها القوة التي كانت تستعمل في الثمانينيات، أيام “فتح لاند”، أي صواريخ كاتيوشا وغراد. وهكذا تكون وصلت الرسالة من دون الكشف عن أي أوراق قوة، وفي الوقت نفسه ترك منصات إطلاق الصواريخ ليتم اكتشافها كي تبقى المنطقة ضمن قواعد الاشتباك. وأشارت المصادر الى أن قيادة المحور تعتبر أنه يمكنها حماية المسجد الأقصى الذي تبنته كقضيتها الكبرى، بينما الأردن المسؤول عنه أقر بعدم قدرته على حمايته.
عميد متقاعد شدد على أهمية وجود “اليونيفيل” في لبنان، لافتاً في حديث لـ”لبنان الكبير” الى أن “حزب الله لم يعلن بسرعة كافية عن عدم مسؤوليته عن الصواريخ، وقد استطاعت اليونيفيل بسرعة قياسية التواصل مع الجانب الاسرائيلي والجيش اللبناني، لمنع الانزلاق إلى حرب، وقد كنا في وضع ضبابي، وكان يمكن أن يعاد سيناريو 2006، الذي لا يستطيع البلد تحمله، نتيجة الوضع الاقتصادي والمعيشي المهتز. ولذلك من الضروري تطبيق القرار 1701، وبقاء قوات اليونيفيل في لبنان لأنها تستطيع التواصل بصورة أسرع مع الجانبين”.
ورأى مسؤول سابق أن “قضية فسلطين لا يمكن تحييدها عن الوجدان اللبناني، ولكن يجب تطبيق القرار 1701 لتحييد لبنان عن كل الصراعات، تحديداً أن حزب الله أعلن أن لا علاقة له بما حصل، وبالتالي فإن المسؤولية تقع على منظمات فلسطينية بات من الواجب إلزامها هي أيضاً بالـ 1701”.
أما عن الاستحقاق الرئاسي وما إن كان ما حصل جنوباً يؤثر عليه، فأشار مصدر مقرب من مرجعية سياسية الى أن “لا علاقة بين الأمرين، فبغض النظر عن الأهداف خلف إطلاق الصواريخ، إلا أنها لن تؤثر في الاستحقاقات الداخلية، بل إن هذه الاستحقاقات رهن التطورات الديبلوماسية الإقليمية أكثر”.
وعن أي تطورات على صعيد الملف الرئاسي، أوضح المصدر أن “الأمور لا تزال على حالها، إلا أن التيار الوطني الحر يسوّق لأحد الأسماء بأنه يمكن أن يكون توافقياً بين القوات والتيار، وهذا الأمر لم يتم تأكيده بعد من القوات، إلا أن الخلوة بين البطريرك بشارة الراعي ورئيس التيار جبران باسيل بعد لقاء بيت عنيا، يمكن التوقف عندها، علماً أنه لم تصدر أي إشارات إن كانت متعلقة بالاستحقاق الرئاسي أم لا.”
وكان لافتاً التصويب غير المباشر من بنشعي على “القوات” والتيار، اذ تحدث وزير الاعلام في حكومة تصريف الأعمال زياد المكاري في إحدى المناسبات أمس عن النجاح اللبناني في الخارج بينما يفشل في السياسة في الداخل، معتبراً أن “ديموقراطيتنا خاصة جداً. فجأة، خصوم السياسة يتضامنون جداً، مع أنهم مختلفون جداً. مختلفون جداً ومتفقون جداً. يتفقون على قطع طريق بعبدا على الرغم من اختلافهم، ونبقى أشهراً في جمهورية الرأس المقطوع…”، فبنشعي تلتزم الصمت منذ بدء معركة الاستحقاق الرئاسي، وتتجنب الخوض في سجالات مع المعارضين لوصول زعيمها سليمان فرنجية إلى بعبدا، وتحديداً القوى المسيحية، ما يدفع الى التساؤل إن كان كلام المكاري هو رأيه الخاص أو إيعاز من قيادته ببدء معركة سياسية تشنها بنشعي ضد خصومها، لا سيما في سياق ما يتم تداوله من كلام عن قرب التوافق بين التيار و”القوات” على ترشيح أحد رجال الأعمال للرئاسة كاسم توافقي بين الحزبين بمباركة من بكركي.