إنهم لا يتعظون… يسعون لـ”إنتقام متأخر” من الطائف

لبنان الكبير

الاتفاق السعودي – الإيراني المبرم في بكين بدأت مفاعيله بالظهور، وفود تقنية وفنية وسياسية توزعت بين صنعاء وعمان وطهران ومشهد، وفي المرحلة المقبلة الرياض. ومع كل الخير الذي يمكن أن يحمله هذا الاتفاق للمنطقة، إلا أنه تسبب بتأجيل للملفات اللبنانية، فالقوى السياسية تنتظر أن يعطيها الاقليم الاشارات لتفرج عن الاستحقاق الرئاسي، وكل ما يليه من استحقاقات. وقد فرضت الأعياد نفسها على كل الملفات المحلية، بحيث أن العديد من النواب من مختلف القوى السياسة سافروا لقضاء عطلة العيد، مطمئنين الى عدم حصول أي تقدم على الصعيد الرئاسي. فيما كان البطريرك الماروني بشارة الراعي يطالب النواب بانتخاب رئيس يحظى بالثقة، وخلع صفة الفاشلين والقاصرين عن أنفسهم. ومن الرئاسة إلى الحكومة هاجم رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي “التيار الوطني الحر” من دون أن يسمّيه، على خلفية عرقلتهم انعقاد جلسات الحكومة، معتبراً أنهم يحاولون الانتقام من الطائف.

واقتبس البطريرك الراعي في عظة العيد من الفيلسوف الصيني كونفوشيوس مواصفات الحاكم، لافتاً الى أن الثقة هي مصدر قوة الحاكم. وقال: “مثل هذا الرئيس يحتاجه اللبنانيون لجمهوريتهم، لكي يستطيع أن يقود مسيرة النهوض من الإنهيار على كل صعيد. والثقة في شخصه لا تأتي بين ليلة وضحاها، ولا يكتسبها بالوعود والشروط المملاة عليه، ولا بالنجاح في الإمتحانات التي يجريها معه أصحاب النفوذ داخلياً وخارجياً. أما الشخص المتمتع بالثقة الداخلية والخارجية فهو الذي أكسبته إياها أعماله ومواقفه وإنجازاته بعيداً عن الإستحقاق الرئاسي. فابحثوا أيها النواب وكتلكم عن مثل هذا الشخص وانتخبوه سريعاً، واخرجوا من الحيرة وانتظار كلمة السر، وكفوا عن هدم الدولة مؤسساتياً واقتصادياً ومالياً، وعن إفقار الشعب وإذلاله، وعن ترك أرض الوطن سائبة لكل طارئ إليها وعابث بأمنها وسيادتها. واخلعوا عنكم صفة القاصرين والفاشلين”.

الرئيس ميقاتي أكد أمام زواره لمناسبة عيد الفصح أن “انعقاد جلسة لمجلس الوزراء مرهون بانتهاء البحث في موضوع تصحيح رواتب القطاع العام والتقديمات الممكنة”.

وعن الحملات التي تطاله شخصياً وتطال العمل الحكومي، قال ميقاتي: “بدا واضحاً منذ اليوم الأول لتولي الحكومة مسؤولياتها بعد الشغور في سدة رئاسة الجمهورية، أن هناك فريقاً سياسياً لا يريد لهذه الحكومة أن تعمل، ويتصرف على قاعدة أن المطلوب هو الوصول الى التعطيل التام للحكومة، بعد التعطيل الحاصل في عمل المجلس النيابي، لإيصال البلد الى الانهيار التام. وهذا الفريق يتصرف على قاعدة الانتقام المتأخر من اتفاق الطائف ويعمل على نسفه بكل الوسائل، لكن الأكثر غرابة أن هذا الفريق نفسه يقلب الحقائق ويتهم الحكومة بعدم اعطاء الانتباه الى ملاحظات صندوق النقد الدولي وتحذيراته، فيما الفريق نفسه هو من يساهم في تعطيل المشاريع التي أرسلتها الحكومة الى مجلس النواب. في كل الأحوال، فان الحكومة ستواصل عملها وفق قناعاتها الوطنية والموجبات الدستورية، وليست في وارد الحلول محل أحد أو مصادرة صلاحيات أحد، وعلى المعترضين أن يتوقفوا عن تعطيل عملية انتخاب رئيس جديد وأن يقوموا بواجباتهم الدستورية أو لا”.

وتطرق ميقاتي إلى الحملات التي استهدفته واستهدفت الحكومة على خلفية حادثة إطلاق الصواريخ، مؤكدا أنه “تمت متابعة الأمر من اللحظة الأولى وبدأت الاتصالات اللازمة مع جميع المعنيين، ومع الجهات الدولية الفاعلة بعيداً عن الأضواء، لأن هذه المسائل لا تعالج بالصخب الاعلامي أو بالتصريحات “.

القوى السياسية تنتظر أي فرصة لتأجيل الخوض في الملف الرئاسي وهي وضعته في سياق التأجيل بسبب الأعياد، ونواب الأمرة متأكدين من أنه لن يكون هناك أي تطور على هذا الصعيد، لدرجة أن العديد منهم سافر لقضاء الأعياد في الخارج. أما الثنائي المسيحي، فهناك تناقض بينه، “التيار” يقول انه على تواصل ونقاش دائم مع “القوات” للوصول إلى اسم مرشح متفق عليه بين الطرفين، وأكدت مصادر “التيار” لموقع” لبنان الكبير” أن” الحوار مع القوات قطع منتصف الطريق، فقد استطاع الفريقان الاتفاق على عرقلة وصول مرشح الثنائي الشيعي سليمان فرنجية، ولكن لم يصلا بعد إلى الاسم الذي يتفقان عليه”.

وعن نفي “القوات” لما يسوقه “التيار” من أنه ليس هناك تواصل أو حوار، لفتت المصادر الى أن “القوات تهوى لعبة الشعبوية، وهي تنفي كي لا يستفز جمهورها من هذا الأمر”. من جهتها، مصادر “القوات” جددت النفي، وتحدت أن يسمّي “التيار” من هي الجهة التي يتواصل معها في فريق “القوات”، معتبرة أن “التيار يهمه التسويق لهذا الأمر من أجل ابتزاز حزب الله”.

أما عن الاتفاق على عرقلة مسار رئيس تيار “المردة”، فأشارت المصادر الى “أننا نتلاقى على الموقف بقطع الطريق على فرنجية، انما لم نلتقِ مع التيار لنتفق معه على شيء”.

استحقاق آخر مجهول مصيره اليوم، هو الانتخابات البلدية، فعلى الرغم من تأكيد كل القوى السياسية استعدادها لإجرائها، تحديداً بعد دعوة وزير الداخلية والبلديات في حكومة تصريف الأعمال بسام مولوي الهيئات الناخبة، إلا أن إجراء الانتخابات دونه ثلاث عقبات أساسية: الأولى هي عدم الاتفاق على كيفية إقرار تمويل الانتخابات، بحيث ينقسم البلد بين رأيين الأول يعتبر أن فتح الاعتماد يحتاج إلى جلسة تشريعية، أما الثاني فيرى أن لا حاجة الى جلسة تشريعية، ويمكن تمويل الانتخابات من حقوق السحب الخاصة. ثاني العقبات متعلقة بإدارة الانتخابات، فعادة يكون الأساتذة هم من يتولون إدارة مراكز وغرف الاقتراع، ولكنهم اليوم في خلاف عميق مع الدولة بسبب حقوقهم. العقبة الثالثة أمنية بامتياز، فحتى لو تم الاتفاق على التمويل، وتمكنت الدولة من حل موضوع الأساتذة، يبقى الهاجس الأكبر عند العديد من القوى هو الأمن، فكل الانتخابات تشهد خلافات، وفي البلدية أكثر من النيابية، وفي ظل التوتر الذي يشهده البلد بسبب الانقسامات السياسية العميقة، أي خلاف مهما كان صغيراً قد يتطور ويسبب خلافاً كبيراً لا أحد يعرف كيف يمكن أن ينتهي.

شارك المقال