فرنجية يستعجل استثمار الانفتاح على الأسد… و”الكيد السيادي” يوّلد تمديداً مسخاً

لبنان الكبير

على خلفية مشهد إقليمي متدحرج بمسار غير متوقع، أطلقه إتفاق بكين الثلاثي، وجعل المستحيل بين السعودية وايران ممكناً في غضون أسابيع قليلة، خصوصاً في ساحتين: اليمن وسوريا، ظهرت صورة رئيس تيار “المردة” مرشح الثنائي الشيعي سليمان فرنجية في بكركي مع البطريرك الماروني بشارة الراعي، مطلقاً مواقف أظهرت إرتياحه، في وقت كانت وسائل الاعلام تتناقل صورة رئيس النظام السوري بشار الأسد مجتمعاً بوزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان، في دمشق، مع تصريحات متفائلة بالآتي عربياً.

لبنانياً، وبمعزل عن كل المحيط، ظل الكيد بمفاعيله الشعبوية طاغياً على القوى السياسية، فأنتج تمديداً مسخاً للانتخابات البلدية والاختيارية حاول آباؤه التبرؤ منه، فاستسهل الذين أمّنوا النصاب في الجلسة النيابية المزايدة على “السياديين” الباكين على أطلال الاستحقاق الرئاسي، بالتهجم على رئاسة الوزراء في تقليد بات متكرراً لدى دعاة “حقوق المسيحيين”.

إن استمرت التطورات في المنطقة بهذه السرعة، فستتيقن الولايات المتحدة الأميركية أن هناك منافساً جديداً لها في الشرق الأوسط، يستطيع أن يعطي ضمانات للدول الاقليمية، هو الصين، التي لم تحتج إلى استعمال نهج السياسة الأميركية، “العصا والجزرة” لفرض التفاهمات، بل استطاعت أن تؤمن الضمانات للدول عبر علاقاتها الوطيدة معها. وإن نجحت الصين، سيكون لهذا الأمر دلالات كبيرة مستقبلاً على الدور الأميركي، ليس في الشرق الأوسط فحسب بل في العالم ككل.

فرنجية أطلق من الصرح البطريركي سلسة من المواقف، وصفها متابعون بأنها “خطاب رئاسي”، فقد فنّد برنامجه الرئاسي، وأولوياته للمرحلة المقبلة، مشدداً على رفض التعرض لأي دولة عربية وخصوصاً السعودية. كما أكد العمل على الاصلاحات والاتفاق مع صندوق النقد الدولي، ودعم أي حكومة برنامجها إصلاحي. وأرسل إشارات بشأن الهواجس المسيحية، مشدداً على أنه لن يقبل التخلي عن 1% من صلاحيات رئيس الجمهورية، التي أوضح أنه سيمارسها بمسؤولية لا كيدية سياسية. وأعرب عن استعداده للحوار مع كل من لديه هواجس، معتبراً رفض الحوار “مشكلة”. وغمز فرنجية من قناة “التيار الوطني الحر” و”القوات اللبنانية”، مذكراً اياهما بدفعهما ثمن الخروج عن التسوية في مرحلة الطائف. وتعهد بالدعوة إلى حوار وطني لمناقشة استراتيجية دفاعية، مشيراً الى أن “موضوع النازحين السوريين وُضع على سكة صحيحة ومعالجته بطريقة سليمة سيؤدي الى إعادتهم الى سوريا ونحن مع مناقشة استراتيجية دفاعية تصب في مصلحة لبنان وتزيل الهواجس لدى الجميع”.

وكان فرنجية قد أثنى على التقاربات في المنطقة، قائلاً: ” ما نراه في الاعلام غير مطابق للحقيقة ومحوَّر، فالتسويات بدأت في المنطقة والمتخاصمون سيتصالحون واللعبة تغيّرت وهذا الأمر سينعكس على لبنان وأدعو جميع السياسيين ليقرأوا الى أين تتجه الأوضاع”.

وأكد أنه لم تكن لديه يوماً أي نظرة عدائية تجاه أي دولة عربية لا سيما السعودية، متمنياً أن يتصالح العرب في ما بينهم، وعسى أن ينعكس هذا التوافق في المنطقة على لبنان، مشدداً على “أننا خُلقنا في بيت عروبي ولا نتمنى إلا الخير للمملكة”.

يبدو أن فرنجية يهدف الى رفع الفيتو المسيحي عنه، مستفيداً من جو المنطقة العام، ومستبقاً الاتفاق النهائي، ولذلك كان تحركه الأول بعد اللقاء الباريسي باتجاه بكركي، على قاعدة أن التوافق الداخلي يخضع الخارج، بينما الاتفاق الخارجي يخضع الداخل، وهي قد تكون محاولة أخيرة قبل أن تسقط حظوظه في أي تسوية خارجية في ظل الفيتو الداخلي عليه.

تعود اللبنانيون على التمديد للاستحقاقات الدستورية، من التمديد لرئيس الجمهورية، والتمديد للمجالس البلدية في فترة سابقة، وحتى التمديد للمجلس النيابي، ومن ثم التمديد للمجالس البلدية مجدداً أمس. وبدل أن تكون الجلسة التشريعية لإقرار التمويل للانتخابات البلدية، كان الفرقاء السياسيون يقرون التمديد، ويبدأون تبادل الاتهامات بين مجلس النواب والحكومة. وفي هذا السياق، علم “لبنان الكبير” أن رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل أوعز قبل الجلسة الى النائب غسان عطا الله لافتعال مشكل مع رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، وذلك من أجل صرفه بالشعبوية على خلفية حضور التيار الجلسة للتمديد، ليأتي الجواب من ميقاتي: “لي ما بدو يمدّد ما بيجي بيحضر الجلسة، وعنّا كان ملفّات أهم وما حضرتوا”. غامزاً من قناة تعطيل التيار جلسات تشريعية في ظل الفراغ الرئاسي. أما النائب أسامة سعد فحاول باختلاقه الاشكال مع رئيس الحكومة التغطية على حضوره جلسة التمديد، وسط مقاطعة الشعبويين الجلسة. ولكن ما كان لافتاً هو التزام وزير الداخلية والبلديات بسام مولوي الصمت خلال الجلسة، حيث بدا موقفه ضعيفاً بدل أن يدافع عن حكومته وخيارها. إلا أن بياناً صدر لاحقاً عن مكتبه الاعلامي أكد أن كلام مولوي في الداخل والخارج نفسه، وأن الوزارة جاهزة لإجراء الانتخابات متى أقر لها التمويل، مشيراً الى أن هناك إرادة سياسية جعلت الفرقاء السياسين يؤمنون النصاب ويتفقون على تأجيل الانتخابات. وتوجه البيان إلى المزايدين والمشككين قائلاً: “إن الصمت أبلغ من أي كلام شعبوي، فتجنب الفراغ يكون بإجراء الانتخابات بدل تأجيلها”.

الجلسة الحكومية اتسمت بالهدوء في داخل السراي، والصخب في الخارج، حيث سجلت اشتباكات بين العسكريين المتقاعدين والقوى الأمنية. إلا أن الجلسة التشريعية انسحبت إيجاباً على مجلس الوزارء ، كون ملف التمويل أصبح خارج التداول في الجلسة، وقال رئيس الحكومة: “بعد الذي حصل في البرلمان، من تمديد لولاية المجالس البلدية والاختيارية، يمكننا أخذ وقتنا في النقاش في هذا الموضوع لاجراء الانتخابات البلدية بالسرعة المطلوبة. ومن هذا المنطلق، أتمنى من وزير الداخلية أن يقوم باجتماعاته مع المحافظين والقائمقامين والقادة الأمنيين والقضاة والمعلمين لتقديم دراسة في التواريخ الجديدة المقترحة، وبالكلفة لعرضها في الجلسة المقبلة على مجلس الوزراء، واقرارها”.

وأقرت الحكومة زيادة ٤ أضعاف على رواتب القطاع العام، إضافة إلى الراتبين اللذين أقرا في السابق على أن يكون الحضور 18 يوماً في الشهر. وتمت الموافقة على تعديل بدل النقل الموقت للقطاع العام بحيث يصبح 450 ألف ليرة لبنانية يومياً على ألا يتعدى الحضور 18 يوماً شهرياً. وبالنسبة إلى القطاع الخاص تم تعديل الحد الأدنى الخاضع للحسوم لفرع التعويضات العائلية 3,425,000 ليرة لبنانية.

وتم تحديد الحد الأدنى لأجور المستخدمين 9 ملايين للأجر الشهري، والحد الأدنى الرسمي للأجر اليومي 400 ألف ليرة لبنانية، وزيادة غلاء المعيشة لتصبح 4,500,000 والنقل اليومي 250,000 للقطاع الخاص.

شارك المقال