البلد في قرنة سوداء

لبنان الكبير

ما زالت أجواء العيد تطغى على الملفات السياسية بانتظار عودة رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي من السعودية، والذي من المفترض أن يدعو الى عقد جلسة حكومية سيكون طبقها الدسم استحقاق حاكمية مصرف لبنان، الأمر الذي من شأنه أن يثير عاصفة من المواقف. وبينما المراوحة الرئاسية لا تزال على حالها كتب السفير السعودي وليد بخاري تغريدة بدا كأنه يوجه فيها رسالة الى القوى السياسية مقتبساً من أحد كبار فلاسفة الاجتماع، قائلاً: “يؤكد إريك هوفر أنَّ القدرة على ‫إدارة الأزمات واحتوائها لا يكمُن في السيطرة عليها بعد وقوعها، بل في القدرة على ‫صناعة المستقبل واستشرافه؛ لتجنب العديد من التحديات التي قد تعترضنا إذا ما كنَّا مستعدين للتطُّلع الى الأمام بقوله: الطريقة الوحيدة للتنبؤ بالمستقبل هو أن يكون لديك القدرة على صُنعه.”

وبينما تشد الأحداث الفرنسية الأنظار اللبنانية، وما إذا كانت ستؤثر على الدور الفرنسي في الملف اللبناني، وتؤخر عودة المبعوث جان ايف لودريان، خرج موقف سني على لسان النائب إيهاب مطر شدد فيه على صيغة الطائف محذراً من المس بها. ونبّه “أمام الدعوات المشكورة للحوار، على أن الحوار يجب أن يكون من دون شروط مسبقة، وان يمثّل الجميع وخصوصاً المستقلون وأن ينحصر الحوار برئاسة الجمهورية، لأن أي حوار يتجاوز ذلك سيكون صفقة على المناصب والمنافع”، مذكراً بأن “رئيس الحكومة يتم تكليفه باستشارات ملزمة لرئيس الجمهورية والرئيس المكلف وحده، وبناء على استشارت غير ملزمة له، قادر على تشكيل حكومة تحظى بثقة المجلس النيابي. كما أن أي حوار يفتح نافذة لمناقشة أي نظام جديد للبلاد هو ضرب لاتفاق الطائف، الذي لم تطبق كامل بنوده”.

لكن للأسف لم يمر العيد بسلام، بحيث وقعت جريمتان هزتا الرأي العام اللبناني، وفيما الأولى متعلقة بالعرض والمس ببراءة الطفولة، اذ تسود حالة من الغضب منطقة عكار بعد اغتصاب الطفلة لين طالب التي لم يتجاوز عمرها الست سنوات، ووفاتها على أثر الاغتصاب، أخذت الجريمة الثانية التي أودت بحياة شابين من آل طوق من بلدة بشري، طابعاً فتنوياً ومناطقياً وطائفياً بسبب الخلاف التاريخي بين منطقتي الضنية وبشري، على حقوق المياه في القرنة السوداء، وقد تكثفت الاتصالات بين القوى السياسية لتطويق أذيال الحادثة.

وأصدرت قيادة الجيش – مديرية التوجيه بياناً متعلقاً بالحادثة جاء فيه: “إلحاقاً بالبيان السابق بتاريخ 1/ 7/ 2023 المتعلق بمقتل مواطنَين في منطقة القرنة السوداء، تدعو قيادة الجيش جميع اللبنانيين إلى التحلي بالمسؤولية وضبط النفس والحرص على السلم الأهلي، وعدم الانجرار وراء الشائعات واستباق التحقيق. كما تؤكد القيادة أن الوحدات العسكرية تواصل الانتشار وتنفيذ التدابير الأمنية في المنطقة، وأن الجيش يقوم بالتحقيق في الموضوع تحت إشراف المراجع القضائية المختصة، وذلك انطلاقاً من واجبه الوطني”.

وأكد رئيس بلدية بقاعصفرين بلال زود، أنّ “التقرير الطبي الذي وافق عليه الطبيبان العسكري والمدني الشرعيان يستبعد فرضية عملية قنص، بحيث كشفت التحقيقات الأمنية أن الرصاصات التي أصابت هيثم طوق دخلت من الأعلى بعدما اخترقت بطنه واستقرت في فخذه”، وبهذا يدحض الشائعات التي تحدثت عن عمليات قنص تمت من جانب الضنية.

وكانت معلومات فعاليات مخاتير منطقة بشري كشفت في رسائل صوتية أنّ القتيل الثاني من آل طوق سقط خلال مناوشات واطلاق نار وقع بين مسلحين من بشري توجهوا الى منطقة القرنة السوداء عقب مقتل هيثم طوق وانتشار الشائعات في المنطقة، ووقعت اشتباكات على مقربة من مركز التدريب التابع للجيش. وخلال قيام طوافة عسكرية بمهمة استطلاع تعرضت لاطلاق نار، الأمر الذي دفع عناصر الجيش الى الرد بالمثل فسقط قتيل وجرحى نقلوا الى مستشفيات المنطقة.

في هذه الأثناء، عوّل البطريرك الماروني بشارة الراعي على الجيش لفرض الأمن لصالح الجميع، داعياً أهالي بشري الى ضبط النفس ووضع الخلاف المزمن في منطقة القرنة السوداء في عهدة القضاء.

وناشد تكتل “الاعتدال الوطني” في بيان جميع المعنيين “تغليب لغة الحكمة والعقل والوطنية في التعاطي مع هذه الحادثة الأليمة”، داعياً الجميع الى “الاحتكام الى مؤسسات الدولة والقضاء”. وطالب بـ “الاسراع في التحقيقات لتأخذ العدالة مجراها من دون أية حماية للمرتكبين وأي استثمار سياسي أو طائفي للقضية”، مشدّداً على “أننا أبناء بلد واحد ومنطقة واحدة وعلينا الحفاظ على هذه الثوابت”.

وأدان النائب إيهاب مطر الجريمة، معتبراً أن “ما حصل في بشري جريمة موصوفة، وأمر مستنكر ومدان، ويستدعي تحرك الدولة بأجهزتها الأمنية والقضائية لوضع حد للسلاح المتفلت وسفك دماء المواطنين الأبرياء”.

إلى ذلك، أجرى رئيس مجلس النواب نبيه بري اتصالات مع القوى السياسية في الشمال، داعياً إلى ضبط النفس وعدم الانجرار وراء الشائعات بانتظار جلاء التحقيقات. في وقت لقيت الحادثة إدانات من مختلف القوى السياسية، وجميعها حضت على منع الاستثمار في الجريمة، واطلاق يد القوى الأمنية لاجراء تحقيق سريع.

رئاسياً، لا تزال المواقف على حالها، الممانعة تدعو الى الحوار والمتقاطعون يتوجسون. وأشار عضو كتلة “الوفاء للمقاومة” النائب حسين الحاج حسن الى وجود استعصاء سياسي أمام انتخاب رئيس للجمهورية، قائلاً: “نحن طرحنا منذ البداية الحوار وهم يرفضون ولا زالوا يرفضون الحوار ويضعون شروطاً غير مقبولة وغير مفهومة وغير منطقية، يريدوننا أن نذهب إلى حوار ويمنعوننا من أن يكون لدينا طرحنا ورؤيتنا ومرشحنا، بينما أنا أحاورك برأيي وطرحي ومرشحي، وهذا ليس فرضاً، وليطرح كل أحد صوّت للوزير أزعور ما هي رؤيته”.

الى ذلك، رأى الرئيس السابق ميشال سليمان في ندوة حوارية أن “الفديرالية هي بمثابة نسف الدستور، وعلينا الاختيار بين الفديرالية وصيغة المشاركة، لأن نسف صيغة المشاركة يعني الذهاب إلى لعبة العدد، وهذا ما لا نريده”، معتبراً أن “الحل يكمن في العودة إلى روح الدستور، أما ما يتعلق بانتخاب الرئيس، فهو يحتاج إلى نصاب الثلثين في الدورة الأولى فقط، لكن المؤسف أن يخرج النواب من الجلسة بهدف تطيير النصاب من دون الاعتبار أن المشترع اعتمد على حسن النية في تطبيق الدستور”.

وفي الندوة نفسها، شدّد وزير العدل السابق ابراهيم نجار على “وجود ثغرات يجب معالجتها لحسن تطبيق الدستور لإزالة الضبابية التي يتلطى خلفها البعض لعدم تطبيقه، كالديموقراطية التوافقية ووظائف الفئة الأولى ومدة تكليف مجلس الوزراء وبدعة التأليف قبل التكليف وقضية تشريع الضرورة وقضية تصريف الأعمال الحكومية بمعناها الضيق، وقضية آلية انتخاب رئيس الجمهورية وقضية مدة السنتين بعد تقاعد موظفي الفئة الأولى التي تنص عليها المادة 49 من الدستور”.

حياتياً، أعلن نقيب الصيادلة جو سلوم أن قطاع الصحة والصيدلة في خطر من ناحية تهريب الأدوية والتفلّت الحاصل في الصيدليات غير الشرعية وانتشار مراكز التجميل غير المرخصة وبيع الأدوية التي كانت مدعومة وهُربت الى الخارج في الدكاكين وعبر مواقع التواصل الاجتماعي اضافة الى دخول الأدوية الى لبنان من بلدان مختلفة من دون مراقبتها. فيما أشار نقيب أصحاب المستشفيات الخاصة سليمان هارون الى أن الوضع الصحي والاستشفائي في خطر وذلك بسبب نقص الموارد البشرية من أطباء وممرضين جراء هجرتهم، وهذا ما سيؤدي الى اقفال العديد من مستشفيات لبنان.

شارك المقال