مشاكسة حدودية… ونواب الحاكم يهددون بـ”إلا”

لبنان الكبير

يبدو أن فترة الهدوء التي سادت مع الأعياد كانت بمثابة “هدوء ما قبل العاصفة” بحيث اشتعلت جبهتان أمس، الجبهة الجنوبية مع العدو الاسرائيلي، وجبهة مصرف لبنان ونواب حاكمه. وعلى الرغم من أن الوضع جنوباً يبدو أنه لن يتطور، والفضل في ذلك يعود الى اتفاق ترسيم الحدود، إلا أن نواب الحاكم أصدروا بياناً عالي اللهجة، محذرين المعنيين في السلطة بـ “… وإلا”، بالتزامن مع ما نقل عن رئيس مجلس النواب نبيه بري بأنه يؤيد “تعيينات الضرورة” من مبدأ “الضرورات تبيح المحظورات”.

التوترات على الحدود اعتاد عليها لبنان وشعبه، فمنذ العام 2006 واسرائيل و”حزب الله” يلعبان وفق قواعد اشتباك محددة من دون أن يؤدي ذلك إلى نشوب حرب واسعة، وهذا ما أكدته أوساط الحزب لموقع “لبنان الكبير”، معتبرة أن الحدود قد تشهد مشاكسات، ولكنها لن تشهد مناوشات.

أما على جبهة المصرف المركزي، فقد علم “لبنان الكبير” أن بيان نواب الحاكم هو للضغط على القوى السياسية، فالنائب الأول وسيم منصوري طالب إثر عودته من الخارج بتغطية تشريعية له عبر مجلس النواب ليتولى مهام الحاكم، وهذا الأمر غير مؤمن، ولذلك هو وبالتضامن مع نواب الحاكم الآخرين يضغطون على القوى النيابية لمحاولة فرض هذه التغطية، إلا أنه وعلى عكس ما يتم التداول به، لن يستقيل نواب الحاكم من مسؤولياتهم، فمع كل ما قد يتعرضون له على أثر توليهم المهمة، إلا أنه يبقى أهون مما قد يتعرض له البلد في حالة الفراغ المطلق في الحاكمية، وربما لهذا السبب قبل الرئيس بري بأن يتولى منصوري مهام الحاكم على الرغم من توجسه من هذا الأمر.

وكان نواب الحاكم أصدروا بياناً شددوا فيه على “ضرورة تعيين حاكم جديد عملاً بالمادة 18 من قانون النقد والتسليف في أقرب وقت ممكن وإلّا سنضطر إلى اتخاذ الإجراء الذي نراه مناسباً للمصلحة العامة”.

وجاء في البيان: “في ظل التباينات السياسية التي تجلت في العجز عن إنتخاب رئيس للجمهورية وملء الشواغر في إدارات الدولة اللبنانية ومؤسساتها، وانعكاسها على عمل السلطات التشريعية والتنفيذية، ونظراً الى عدم توافق القوى السياسية في مقارباتها لمعالجة الأزمة الاقتصادية والمالية، وبما أن المصارف المركزية ترسم سياساتها النقدية بالتوافق مع سياسة الدولة العامة، والتي هي للأسف غير متجانسة في الوضع الراهن للدولة اللبنانية، وفي غياب خطة شاملة وواضحة لاعادة التوازن المالي والمصرفي، كما وتحقيق توازن في موازنة الدولة، مما يسمح للمصرف المركزي بوضع الأسس النقدية والمالية لاعادة الثقة، لا يجوز أن ينسحب مفهوم تصريف الأعمال على السلطة النقدية الأعلى في الدولة، لذلك، ومع إقتراب تاريخ انتهاء ولاية حاكم المصرف المركزي في ٣١ تموز ٢٠٢٣، نرى من واجبنا التشديد على ضرورة تعيين حاكم عملاً بالمادة 18 من قانون النقد والتسليف في أقرب وقت، وإلا سنضطر الى اتخاذ الإجراء الذي نراه مناسباً للمصلحة العامة”.

أما عن الأحداث جنوباً، فقد غرّد المتحدث بإسم الجيش الاسرائيلي أفيخاي أدرعي عبر حسابه على “تويتر”، قائلاً: “متابعة للإنفجار بالقرب من قرية الغجر، فبعد تحقيق لقوات الجيش التي وصلت الى المكان، إتضح أنه تم إطلاق قذيفة من الأراضي اللبنانية إنفجرت بالقرب من الحدود داخل الأراضي الإسرائيلية، ورداً على ذلك، قام الجيش الاسرائيلي بمهاجمة منطقة الاطلاق داخل لبنان”. واستهدف القصف المدفعي الاسرائيلي خراج بلدة كفرشوبا ومزرعة حلتا.

أما قوات” اليونيفيل” فأعلنت في بيان أنه “بُعيد الساعة الثامنة صباحاً، رصد جنود حفظ السلام التابعون لليونيفيل انفجارات بالقرب من المجيدية”، مشيرة الى “أننا لم نتمكن من تأكيد مصدر أو سبب الانفجارات في ذلك الوقت، لكننا أرسلنا جنود حفظ السلام للتحقيق، حيث أن الأصوات كانت متوافقة مع احتمال إطلاق صاروخ. وقرابة الظهر، رصدنا قذائف من إسرائيل على منطقة كفرشوبا في لبنان”. ولفتت إلى أن “رئيس بعثة اليونيفيل وقائدها العام، اللواء أرولدو لاثارو، على اتصال بالسلطات في لبنان وإسرائيل، وآليات الارتباط التي نتطلع بها تعمل بصورة كاملة لمنع المزيد من التصعيد”.

واذ اعتبرت “اليونيفيل” أن “هذا الحادث يأتي في وقت حساس وفي منطقة شهدت توترات في وقت سابق من هذا الأسبوع”، حضت “الجميع على ممارسة ضبط النفس وتجنب أي إجراء قد يؤدي إلى مزيد من التصعيد”.

كما أصدر “حزب الله” بياناً تحدث فيه عن الأعمال الاسرائيلية في قرية الغجر، واعتبرها “احتلالاً كاملاً للقسم اللبناني من بلدة الغجر بقوة السلاح وفرض الأمر الواقع فيها، وهو ليس مجرد خرق روتيني مما اعتادت عليه قوات الاحتلال بين الفينة والأخرى”، داعياً “إزاء هذا التطور الخطير، الدولة اللبنانية بمؤسساتها كافة لا سيما الحكومة اللبنانية، والشعب اللبناني أيضاً بكل قواه السياسية والأهلية الى التحرك لمنع تثبيت هذا الاحتلال والغاء الاجراءات العدوانية التي أقدم عليها والعمل على تحرير هذا الجزء من أرضنا واعادته الى الوطن”.

ولعل بيان “حزب الله” هو من المرات النادرة التي يعود فيها الحزب إلى الدولة اللبنانية، ويطالب بإجراءات منها، بدل أن يخوض مغامرات على شاكلة “لو كنت أعلم”، وقد يكون الفضل في هذا الأمر يعود الى اتفاق ترسيم الحدود.

وتعليقاً على هذا الأمر، غرّد عضو كتلة “الجمهورية القوية” النائب غياث يزبك عبر حسابه على “تويتر” كاتباً: “يبدو أن ترسيم الحدود البحرية الذي أَوجد سلاماً غير معلن بين الدويلة ودولة اسرائيل، انسحب على الحدود البرية وصولاً الى الغجر، وأسقط الأقنوم الثالث من معادلة الجيش والشعب والمقاومة. عندما يعلِن حزب الله الحروب لا يستشير اللبنانيين، فليبلِغهم، أقلّه، بسلامه المعقود مع العدو”.

رئاسياً، يبدو أن الاستحقاق دخل في غيبوبة، ربما بانتظار عودة المبعوث الفرنسي جان إيف لودريان، الذي يبدو أن جعبته لا تحمل إلا مبادرة تدعو إلى الحوار، الأمر الذي تستبقه بعض القوى، وعلى رأسها “القوات اللبنانية”، بوضع شروطها للقبول بالحوار، بل قد تنسف الفكرة كلياً وفق بياناتها وتصريحات من يدورون في فلكها.

وفي ظل غياب مواقف الفريقين عن الاستحقاق الرئاسي في الأيام الأخيرة، جدد رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي الدعوة الى “انتخاب رئيس جديد للجمهورية لوقف الاستغلال الطائفي للموضوع والتفاهم على طبيعة المرحلة المقبلة على كل المستويات”.

واعتبر ميقاتي خلال رعايته في السراي اطلاق وزارة الصحة العامة “الخطة الوطنية لمكافحة السرطان 2023- 2028″، أن “الأخطر من السرطان الذي يضرب مجتمعنا العائلي هو السرطان الذي يضرب جسم الوطن وهو سرطان الطائفية والمذهبية”. وقال: “إن لم نعالج هذه الآفة كما يلزم فاننا سنصل الى مرحلة التفشي الكامل الذي لا يمكن معالجته”.

شارك المقال