بعيداً عن حرب المخيم وسلم الدولار… “خارطة الطريق” السعودية

لبنان الكبير

طغت حرب مخيم عين الحلوة على ما عداها من تطورات لبنانية، بما في ذلك “هدوء” غريب على جبهة الدولار وكأن ثمة إرادة قوية مؤثرة تريد أن ينطلق عهد وسيم منصوري في “الحاكمية” بسلاسة تخالف كل التوقعات.

مع ذلك، ظلت الحرب على جبهة الرئاسة “تعس” تحت الضجيج على الرغم من كل الملل الذي خلفته نهاية مهمة المبعوث الفرنسي جان إيف لودريان، بوعد الحوار على “ورق أيلول”، فيما بالامكان الاستشعار بأن “شقيقاً قوياً” يدفع لتخفيف حدة “اليأس” مؤكداً حرصه على السير وفق “خارطة طريق” وضعها وأمّن لها “مظلة أمان دولية” ليتجاوز لبنان قطوعه الخطير.

الراعي السعودي للبنان الطائف، الساعي الى شراكات استراتيجية مع “لبنان العربي” لا مع مكونات منه، حريص على الابتعاد عن أسماء. المهم المعايير: رئيس برؤية اقتصادية إنقاذية؛ لا حسابات سياسية لديه يريد تصفيتها؛ ولا صلة له بالفساد سابقاً ويمكن لاحقاً.

هذا ما تحقق في “خماسية الدوحة”: لا حوار من الخارج؛ لا أسماء؛ لا تلاعب بالسيستم المنصوص بالطائف؛ وبالتأكيد لا أسماء مفردة أو ثنائية… اتركوا الأمر للبنانيين، هذه مسؤوليتهم فليتحملوها وفقاً لأطرهم الدستورية.

لا حاجة الى التذكير بأن السعودية، وعلى نقيض ما يشيع البعض، لم تترك لبنان وحيداً يوماً. تكفي مراجعة أرشيفية بسيطة لتبيان محطات مفصلية للدعم السعودي للبنان، من مشاريع “سيدر” الى اللجنة العليا المشتركة التي خصت لبنان بـ 22 اتفاقية قطاعية حيوية سعى الرئيس سعد الحريري الى اتمامها فواجهته الكيديات السياسية.

رحمة الله على رفيق الحريري… اشتغل على البشر وراهن على تعليم اللبناني لإعادة اعمار الوطن.

السعودية تتعامل مع لبنان النموذج في محيطه… “بيت بمنازل كثيرة” يمتلك سر طرد الغزاة لكنه بلغ الآن مفترق أزمة هوية. هنا دعونا لا نخلط بين الطائف كوثيقة والطائف كدستور. فالدساتير يفترض أن تكون كائنات حية تتطور وتتعلم من أخطائها وعيوبها، في حين أن الوثيقة هوية ثابتة.

الآن صرنا “بيت بغرف كثيرة” وثمة فائق قوة في احدى هذه الغرف وثمة كلام يخرج منها عن حوار بين “حزب الله” والمملكة. بكل وضوح: لا حوار من هذا النوع بتاتاً.

… ولليوم الرابع على التوالي، مخيم عين الحلوة كان ساحة حرب مفتوحة، هي حرب مخيمات على أرض مخيم واحد، حيث لكل فصيل دويلته الخاصة، ولكل فصيل ذراع تمتد خارج حدود المخيم وترتبط بمحرك خارجي، وسط التساؤل عن المستفيد من قتل القضية الفلسطينية من بيت أهلها، غير العدو الاسرائيلي، فيما يبدو أن كل مساعي التهدئة تنجح لبضع ساعات في أفضل الأحيان، ثم تعود وتندلع نيران الاشتباكات، وهذا ما حصل في آخر محاولة مساء أمس، بحيث عادت واشتعلت الجبهات، على الرغم من مبادرة هيئة العمل الفلسطيني المشترك. وفيما ينتظر اللبنانيون أن تتحرك دولتهم لإنهاء الحالات الشاذة كهذه، اكتفت السلطة بالشجب والادانة، كأن مخيم عين الحلوة ليس في الأراضي اللبنانية.

وعلى الرغم من أن الأمن مهتز، سجل اليوم الأول لولاية نائب حاكم مصرف لبنان نجاحاً لجهة ثبات سعر صرف الدولار، ولكن لا يمكن التنبؤ بالمدة التي سيستمر فيها هذا الهدوء على الجبهة المالية، تحديداً أن البلد يعيش موسماً سياحياً مزدهراً، تدخل إليه الدولارات من كل حدب وصوب، لا سيما من مغتربيه الذين أًصبحوا يموّلون الدولة. وفي سياق التمويل، رمى رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي كرة الاستقراض على المجلس النيابي، بحيث طالب بتقديم اقتراح قانون من نواب في المجلس بهذا الصدد، معللاً السبب بأن البعض سيعترض على ارسال مشروع قانون من الحكومة، وهذا يؤدي الى ضياع المزيد من الوقت، وكان “التيار الوطني الحر” أول المعترضين بحيث جدد تكتله بعد اجتماعه رفضه تشريع أي إنفاق من الاحتياطي الإلزامي، من دون ربطه بإصلاحات.

وتنتظر القوى السياسية أيلول لودريان، لتعيد الحماوة الى الملف الرئاسي، الذي يشهد فتوراً على وقع التطورات الأمنية والمالية، بينما يستمر “التيار الوطني الحر” في المساومة مع حليفه “حزب الله” على كرسي بعبدا، وقد بدأت معالم تكويعة التيار تظهر في خطابات مسؤوليه ورئيسه جبران باسيل، الذي نصّب نفسه “سوبرمان” الشعب اللبناني الذي ظهر لينقذه من “المنظومة” التي كان عرابها لـ 6 سنوات، معتبراً أن “معادلة اللامركزية على المستوى المناطقي المحلي والصندوق الائتماني على المستوى الوطني هي معادلة انقاذ للبنان على المستوى المالي الاقتصادي المعيشي الاجتماعي بغض النظر عن أي استحقاق دستوري. انّها رؤية للغد وليست مقايضة أو صفقة، قد يكلّفنا تحقيقها أثماناً سياسية كما كلّفنا سابقاً اقرار قانون انتخابي أو قانون استعادة الجنسية أو قانون اقتراع المنتشرين، ولكنّها تعني معادلة انقاذ اقتصادي – مالي تعطي اللبنانيين المقيمين والمنتشرين فرصة اعادة تكوين ثرواتهم وبناء اقتصادهم المنتج، اقتصاد منتج فعلي وغير قائم على الأرقام الخادعة… انّها العودة الى الوطن من بوابة الاستثمار في الاقتصاد المنتج المربح”.

وسأل عضو تكتل “لبنان القوي” النائب سليم عون “إن كانت اللامركزية والصندوق الإئتماني هما فقط للتيار الوطني الحر؟”، مشدداً على “أننا نحاول الخروج من الجدار المسدود والأمر الجيد هو الكوة التي فتحها رئيس التيار النائب جبران باسيل”. وقال: “فلنحقق أمراً إصلاحياً للبلد، وإذا كان المطلوب تنازلات وتضحيات فنحن أول من سيقدمها”، وذلك رداً على سؤال حول كيفية إقناع قواعد التيار بسليمان فرنجية. فيما كرر نائب رئيس المجلس الياس بو صعب وجوب التفكير في انتخابات نيابية مبكرة في حال فشلت المبادرة في أيلول، وذلك بعد لقائه رئيس مجلس النواب نبيه بري.

في المقابل، أعاد رئيس “حركة الاستقلال” النائب ميشال معوض التأكيد أن “المدخل الوحيد لأي حل يكمن في انتخاب رئيس للجمهورية في أسرع وقت ووفق الآليات الدستورية”. وكان نقاش في التطورات الراهنة ونتائج اجتماع اللجنة الخماسية في الدوحة، خلال لقائه سفير المملكة العربية السعودية وليد بخاري، مثنياً على الجهود التي تقوم بها المملكة لمساندة اللبنانيين في نضالهم من أجل استعادة السيادة وإعلاء حكم القانون وبناء الدولة وإصلاح المؤسسات وإطلاق عجلة النمو.

ورأى رئيس جهاز الاعلام والتواصل في حزب “القوات اللبنانية” شارل جبور، أن مواقف باسيل الأخيرة وكأنها “توسيع كوع”، وتبريراته الأخيرة تُعتبر “تمهيداً لتغيير رأيه من رئيس تيار المردة سليمان فرنجية”. وقال في حديث تلفزيوني: “على جبران باسيل انو يحسبها كتير منيح في أي خطوة مقبلة وما إذا كانت مُربحة أم لا. اللامركزية مصلحة لجميع اللبنانيين والصندوق السيادي عليه أن يحافظ على أموال المودعين لذا يجب ألا نُمنّن اللبنانيين بالتنازل عن أمر ما مقابل اللامركزية”.

على الصعيد الأمني، نفى وزير الداخلية في حكومة تصريف الأعمال بسام مولوي وجود “أي مخطط إرهابي يحاك في لبنان، كما يقول البعض”. وأشار في حديث متلفز الى “أننا لا نخشى على الجيش اللبناني مما يحصل في مخيم عين الحلوة من اشتباكات بين الفصائل الفلسطينية فيه”، داعياً السياسيين الى “القيام بواجباتهم على أكمل وجه، خصوصاً وأن القوى الأمنية والعسكرية تقوم بواجباتها”.

ووصف الأمين العام لـ “حزب الله” السيد حسن نصر الله ما يجري في مخيم عين الحلوة بأنه “مؤلم ومحزن ومؤسف، مؤلم لأنه يمس الجميع، لأن فيه ‏سفك دماء، لأن فيه جراحاً، لأن فيه تهجيراً لهذه العائلات التي تفترش الأرض وتلتحف السماء اليوم في ‏صيدا ومحيطها”. ‏

وقال: “نحن أيضاً في هذا اليوم نوجه النداء إلى الجميع في مخيم عين الحلوة، إلى وقف القتال، إلى الاحتكام ‏للقضاء، للعقلاء، للحكماء، لكن بالتأكيد وقف القتال بأي شكل من الأشكال، وكل من يستطيع أن يساهم، أن ‏يضغط، أن يقول كلمة، أن يجري اتصالاً، أن يبذل أي جهد لوقف هذا الاقتتال يجب عليه أن يفعل ذلك، ‏دينياً، شرعياً، أخلاقياً، إنسانياً، وطنياً، قومياً، لكل الاعتبارات هذا أمر واجب ولا يجوز لهذا القتال أن ‏يستمر لأن تداعياته سيئة على أهل المخيم (أهلنا الفلسطينيين الأعزاء)، على أهل صيدا، على أهل ‏المنطقة، على أهل الجنوب، على كل لبنان”.

على صعيد آخر، وعشية ذكرى انفجار المرفأ في 4 آب، استقبل وزير الخارجية والمغتربين في حكومة تصريف الأعمال عبد الله بو حبيب 15 سفيراً وقائماً بالأعمال من الدول الموقعة على البيان المشترك الخاص بانفجار مرفأ بيروت في مجلس حقوق الانسان. واستهل بوحبيب الاجتماع بالوقوف دقيقة صمت على أرواح شهداء الانفجار، وسلمه السفراء رسالة يحثون فيها الجهات اللبنانية المختصة على الاسراع في التحقيقات القضائية الخاصة بانفجار مرفأ بيروت، بخلاف المنحى البطيء الذي سلكته حتى تاريخه، معربين عن قلقهم من الاستمرار في إعاقتها. وأكد بو حبيب التزام الحكومة اللبنانية بكشف الملابسات المحيطة بانفجار المرفأ، مع التشديد على أن تلك المسؤولية تعود الى القضاء اللبناني الذي عليه القيام بمهامه، وفقاً للقوانين والأصول التي ترعى عمل القضاء في ظل مبدأ فصل السلطات، آملاً أن تسلك الأمور مسارها المناسب، سواء كان على صعيد المؤسسات القضائية، أو المؤسسات الدستورية للدولة.

شارك المقال