باسيل يواصل العبث بالمصير… دريان: رئيسنا يقسم على الدستور لا كتاب آخر 

لبنان الكبير

تكمل القوى السياسية مسار الانفصام عن الواقع، فكل الأزمات التي باتت تحاصر لبنان واللبنانيين غير قادرة على دفعها إلى التراجع عن المطالبة بالمصالح الشخصية والطائفية الخاصة. غاب عنها أن لبنان معدوم الثقة بالنسبة إلى اللبنانيين والمجتمع الدولي. غاب عنها أن الحل ليس مقتصراً على انتخاب رئيس للجمهورية فحسب، بل مع الانتخاب يبدأ لبنان برحلة التعافي في حال أكمل خريطة الطريق التي وضعها البيان الخماسي، انتخاب هو “بداية الحل” بالنسبة إلى سماحة مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان القريب الى الواقع الذي يعيشه اللبنانيون.

قالها المفتي بكل شجاعة أمام وفد من موقع “لبنان الكبير”: “إن رئيس الجمهورية هو رئيس لكل اللبنانيين مسلمين ومسيحيين، فهو لا يقسم على الانجيل ولا على القرآن إنما يقسم واضعاً يده على الدستور مع تعديلاته التي نص عليها اتفاق الطائف”. وهنا عين الصواب، فكيف لمسؤول يريد ثمن تصويته لرئيس للجمهورية أن يضمن له الرئيس المقبل اللعب والعبث بالدستور والطائف؟

هو عابث وحيد، خطف قلم رئيس الجمهورية السابق وتوقيعه، وأدخل العهد في موسوعة “غينيس” لضرب الدستور واللبنانيين في نفق الأزمات والظلمة وانهيار الدولة والمؤسسات، وعلى الرغم من ذلك فمن الحق أن نذكر أن ذيل الكلب وضع لسنوات في قالب لابقائه جالساً، ولكن التجربة أثبتت أن الذيل بقي على حاله أعوجاً مهما تغيرت الظروف.

وها هو واقع رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل الذي نزل عن الشجرة بضغط حزب الأمر الواقع الذي حشره في معادلة إما جوزيف عون وإما سليمان فرنجية، فاختار المناورة رافضاً اسم عون، وطارحاً المستحيل على “حزب الله”، فوفق المصادر ان ما طلبه باسيل بالنسبة إلى أوساط مطلعة على مفاوضات الحزب والتيار يحتمل أمرين، إما أنه يريد أن يناور لتضييع الوقت وحرق إسم جوزيف عون بعد انتهاء ولايته، أو أنه يناور على جمهوره ويخدعه بالكلام الشعبوي الذي لا يمكن تحقيقه.

وبالعودة إلى كلام المفتي دريان، فمن يقرأ في رسالته الأخيرة بذكرى رأس السنة الهجرية وفي رسالته للنواب يفهم حكماً أن أي محاولات للبحث عن سللٍ حول رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة وشكل مجلس الوزراء، مرفوضة ولن تمر من عائشة بكار. ويبقى الاستحقاق الأول هو انتخاب رئيس الجمهورية وبعدها نكمل بتكليف رئيس للحكومة يحدد شكل الحكومة وبيانها الوزاري منسقاً مع رئيس الجمهورية للانطلاق في عملية الاصلاح التي من شأنها أن تعيد لبنان إلى موقعه الطبيعي عربياً واقتصادياً وسياحياً ونقدياً، وليس على النواب إلا تحمل المسؤوليات وفق مقتضيات الدستور.

وفيما البلد في انتظار أن تتكارم عليه قواه السياسية وتقدم تنازلات من أجل أن تحل أزمة الفراغ الرئاسي، يبدو أن البحث عن جنس الملائكة في صلاحيات حكومة تصريف الأعمال مستمر، فبينما بعض القوى يرفض أن ترسل الحكومة أي مشروع إلى مجلس النواب، رأى رئيس الحكومة نجيب ميقاتي أن مشروع الاقتراض يمكن أن يقترحه نواب في جلسات تشريع للضرورة، الأمر الذي أزعج رئيس مجلس النواب نبيه بري، مؤكداً أن هذا ليس من صلاحية المجلس، ولا يمكن للمجلس أن يقدم تعهدات نيابة عن الحكومة باعادة ما تقترضه هي من مصرف لبنان. ولا يبدو أن بري وحيد في موقفه، فالمعلومات تشير الى أن “حزب الله” على الموقف نفسه، وأن ميقاتي استشعر صعوبة تمرير مقترحه، فحضر خطة بديلة، في محاولة لاكتساب غطاء مسيحي، فقد أعلن بعد زيارة البطريرك الماروني بشارة الراعي في مركزه الصيفي في الديمان أن “لا طموح لدى أيّ من الوزراء بأن يأخذ صلاحيات أحد”. وقال: “تحدّثت مع الراعي وكان هناك اقتراح أن ندعو الى جلسة لمجلس الوزراء يوم الثلاثاء المقبل عند الحادية عشرة صباحاً في الديمان. نحن نعمل بوطنية كي نبقي هذه الدولة قائمة وننادي لانتخاب رئيس في أسرع وقت ممكن من أجل إعادة انتظام المؤسسات”.

أضاف: “الأمور التي تجمعنا أكثر بكثير ممّا يفرقنا وكل المواضيع المطروحة تهمّ جميع اللبنانيين من دون استثناء… مع نهاية هذا الشهر لا نستطيع تأمين لا الدواء ولا الرواتب وعلينا أن نعمل كيد واحدة لإنقاذ هذا البلد”. ولفت إلى أنه اتصل بنائب حاكم مصرف لبنان وسيم منصوري صباحاً، قائلاً: “نحن نعمل بهدف أن تُقرّ الخطة الإصلاحيّة وعلينا أن نسعى معاً لإنقاذ هذا البلد وتحقيق الإستقرار فيه”.

إلا أن ميقاتي عاد وتراجع عن تصريحه بشأن عقد جلسة حكومية في الديمان، وأكد بيان صادر عن مكتبه الاعلامي أن لا جلسة لمجلس الوزراء يوم الثلاثاء في الديمان بل لقاء تشاوري في المواضيع الوطنية.

وهنا يطرح السؤال: إن لم تقر الحكومة ولا مجلس النواب قوانين الاستقراض، فماذا سيفعل نواب الحاكم؟ هل يعود شبح الشلل الى رأس النقد في دولة أصبح الفراغ فيها هو القاعدة وليس الاستثناء؟

وفيما حذّر من يدورون في فلك “التيار الوطني الحر” مما اعتبروها “لعبة من ميقاتي”، رأى عضو كتلة “الجمهورية القوية” النائب جورج عقيص أن “طريقة إعادة تموضع جبران باسيل مع حزب الله غير موفقة”، مشيراً إلى أن “من المبكر الحكم على استمرار التقاطع مع الوطني الحر أو إنتهائه”. وأوضح أن “الوطني الحر أبلغنا أنه سيعيد انتخاب جهاد أزعور في حال دعا رئيس مجلس النواب نبيه بري إلى جلسة انتخاب”، قائلاً: “لا يمكنني تأكيد عدم عودة الوطني الحر إلى مكانه السياسي قبل 2006 والأمر يعود لباسيل”.

ولاحظ المطارنة الموارنة “بكثيرٍ من الاستغراب ارتفاع وتيرة الحديث السياسي والاعلامي عن مواصفات الحكم، فيما البلاد تشهد تهاوياً لبناها وللعلاقات بين مكوِّناتها السياسية”. وذكروا العاملين على هذا الصعيد بأن “السبب الأبرز لما نحن فيه يكمن في عدم تنفيذ كامل بنود اتفاق الوفاق الوطني، نصاً وروحاً”، داعين إلى العودة إليه، “ففيه دواء شافٍ للاضطراب الحاصل في شؤون مستقبل الديموقراطية والحريات والعدالة والمساواة في لبنان”.

أمنياً، يبدو أن الوساطات تفشل في إطفاء نار عين الحلوة، فعلى الرغم من انخفاض وتيرة الاشتباكات إلا أنها لا تزال مستمرة، ويقدر متابعون أن حركة “فتح” لن تقبل بأن تتلقى صفعة من القوى الاسلامية في المخيم، وهي تصر على إما تسليم قتلة قائدها، أو تعمل هي على اعتقالهم. وتتحدث معلومات عن أن الوساطات تعمل من كل حدب وصوب، لإنهاء الاقتتال الفلسطيني – الفلسطيني في المخيم، وقد دخلت أكثر من من جهة محلية على الخط، وقد يضطر الأمر إلى تدخل جهات إقليمية.

شارك المقال