“قرار الخجل” في مجلس الأمن… و”حرب أعصاب” في الجنوب

لبنان الكبير / مانشيت

وحين تجاوز عداد الدم الفلسطيني العشرين ألف قتيل وعشرات آلاف الجرحى، بينهم الكثير الكثير من الأطفال، وسط دمار كبير ومخاوف من مجاعة في قطاع غزة… وحين بدت إسرائيل عالقة في نفق لا مخرج منظوراً له، مستنزفة جيشها وبقايا هيبتها العسكرية من دون فرصة لتحقيق نصر ما يخفف من جرحها المفتوح منذ 7 تشرين الأول الماضي… وحين بلغت نسبة تأييد الرئيس الأميركي جو بايدن أدنى مستوى عند الناخبين الأميركيين، لأسباب عدة في مقدمها موقف إدارته في الدعم المفتوح، عسكرياً وديبلوماسياً، لاسرائيل الماضية في “إبادة جماعية” باتت تهز الضمائر وتحرك الرأي العام الدولي للمطالبة بوقف هذه الحرب البشعة… سمحت الولايات المتحدة لمجلس الأمن، وبعد أسبوع من المداولات المكثفة، بأن يتبنى قراراً متواضعاً بزيادة المساعدات الانسانية للغزيين.

وإذ بدت “السيوف الحديدية” متعبة في قطاع غزة، فان “شبه الجبهة” يزداد حماوة يوماً بعد يوم، مع تصعيد ملحوظ في القصف الصاروخي المتبادل بين إسرائيل و”حزب الله” واشتباكات عنيفة أوقعت قتلى من الطرفين أمس، وسط كلام في الاعلام العبري يشير الى أن الجيش أعد الخطط لاجتياح الأراضي اللبنانية، ومن غير المستبعد أن يعلن عن حرب. ومع ذلك فقد أعلنت مصادر سياسية في تل أبيب أن فرنسا والولايات المتحدة تواصلان مساعيهما للتوصل إلى اتفاق تهدئة مع الحكومة اللبنانية، على ما ورد في تقرير نشرته صحيفة “الشرق الأوسط” على موقعها، استناداً الى تقارير إسرائيلية، مشيرة الى “حرب أعصاب” من “حزب الله” باتت مصدر توتر كبير للاسرائيليين.

في نيويورك، وبعد مفاوضات شاقة، تبنى مجلس الأمن قراراً يدعو الى زيادة “واسعة النطاق” للمساعدات الانسانية إلى غزة، من دون الدعوة إلى وقف فوري لإطلاق النار ترفضه الولايات المتحدة على الرغم من الضغوط الدولية.

وتم تبني القرار بموافقة 13 من أعضاء المجلس الـ15، وامتناع عضوين (الولايات المتحدة وروسيا)، وهو يدعو “كل الأطراف الى إتاحة وتسهيل الإيصال الفوري والآمن ومن دون عوائق لمساعدة إنسانية واسعة النطاق” إلى غزة، وإلى اتّخاذ إجراءات “عاجلة” في هذا الصدد و”تهيئة الظروف لوقف مستدام للأعمال القتالية”.

ويطالب النص أيضاً باستخدام “جميع طرق الدخول والتنقل المتاحة في جميع أنحاء قطاع غزة” لإيصال الوقود والغذاء والمعدات الطبية إلى أنحاء القطاع كافة.

وعلقت لانا زكي نسيبة، سفيرة الامارات التي قدمت نص القرار، بالقول: “نعلم أنه ليس نصاً مثالياً، ونعلم أن وقف إطلاق النار وحده هو الذي سيضع حداً للمعاناة”.

وأضافت قبل التصويت في مقر الأمم المتحدة في نيويورك: “لكن إذا لم نتخذ إجراءات جذرية، فستحدث مجاعة في غزة”. وأوضحت أن هذا النص “يستجيب عملياً للوضع الانساني اليائس للشعب الفلسطيني”، مشددة على “الجحيم” الذي يعيشه القطاع الفلسطيني المحاصر.

واعتبر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش أن “وقفاً لإطلاق النار لأسباب إنسانية هو السبيل الوحيد لتلبية الاحتياجات الماسة للسكان في غزة، ووضع حد لكابوسهم المستمر”، موضحاً أنه “كان يأمل” في المزيد من المجلس.

وانتقد غوتيريش إسرائيل بصورة مباشرة، قائلاً إن “المشكلة الحقيقية” أمام إيصال المساعدات إلى غزة هي “الهجوم” الاسرائيلي.

وتغيّر نص القرار عن النسخة الأكثر طموحاً التي طرحتها الامارات الأحد، وذلك بعد مناقشات طويلة تحت طائلة استخدام الولايات المتحدة مجدداً حق النقض (الفيتو).

وأزيلت الاشارة إلى “وقف عاجل ودائم للأعمال العدائية” الواردة في مسودة الأحد، وكذلك الطلب الأقل مباشرة في المسودات التالية من أجل “تعليق عاجل للأعمال العدائية”.

كما قدمت روسيا طلب تعديل لاعادة إدراج الدعوة إلى “تعليق عاجل للأعمال العدائية”، لكن الولايات المتحدة اعترضت عليه فيما وافقت عليه عشر دول وامتنعت أربع عن التصويت.

واعتبر السفير الروسي فاسيلي نيبينزيا أن “هذه لحظة مأسوية بالنسبة الى المجلس”، مندداً بـ”الابتزاز” الأميركي. وقال: “لو لم تحظ هذه الوثيقة بدعم عدد من الدول العربية لكنا بالطبع استخدمنا حق النقض”.

وهذه هي المرة الثانية التي ينجح فيها المجلس في إصدار قرار، وكان قراره السابق الصادر في 15 تشرين الثاني الماضي قد دعا إلى “هدن إنسانية”. ورُفضت خمسة نصوص أخرى خلال شهرين، من بينها اثنان بسبب الفيتو الأميركي، آخرهما في الثامن من كانون الأول. ومنعت الولايات المتحدة حينذاك مشروع القرار الداعي إلى “وقف إطلاق نار إنساني”، على الرغم من الضغوط غير المسبوقة من غوتيريش، والتي اعتبرتها إسرائيل غير مقبولة.

وأكدت السفيرة الأميركية ليندا توماس غرينفيلد أن “الأمر استغرق أياماً وليالي طويلة من المفاوضات لوضع الأمور في نصابها الصحيح، لكن اليوم، يقدم هذا المجلس بصيص أمل في محيط من المعاناة التي تفوق التصور”.

وكانت المفاوضات حول القرار الجديد مكثفة خصوصاً بشأن شروط إنشاء آلية مراقبة لضمان الطبيعة “الانسانية” للمساعدات.

وتقترح النسخة المعتمدة نظاماً تحت رعاية “منسّق” أممي مسؤول عن “تسريع” عملية التسليم من خلال “التشاور” مع الأطراف، ما يعني أن إسرائيل ستحتفظ بالاشراف التشغيلي على توصيل المساعدات.

وبعد تصويت الأمم المتحدة، قالت إسرائيل إنها ستواصل تفتيش جميع المساعدات القادمة إلى غزة “لأسباب أمنية”، وصرّح سفير إسرائيل في الأمم المتحدة جلعاد إردان بالقول: “من الواضح أنه لا يمكن الوثوق بالأمم المتحدة لمراقبة المساعدات الواردة”.

وهناك نقطة حساسة أخرى، هي غياب إدانة أو حتى ذكر اسم “حماس” في النص، وهو ما انتقدته إسرائيل والولايات المتحدة.

ويدين النص “جميع أعمال الارهاب” وكذلك “جميع الهجمات ضد المدنيين”، ويطالب بالإفراج “غير المشروط” عن جميع الرهائن.

حركة “حماس” قالت في بيان إن القرار “خطوة غير كافية، ولا تلبّي متطلبات الحالة الكارثية التي صنعتها آلة الارهاب العسكري الصهيونية في قطاع غزة”.

ومع تضاؤل الآمال في تحقيق انفراجة وشيكة في المحادثات الجارية في مصر لمحاولة إقناع إسرائيل و”حماس” بالاتفاق على هدنة جديدة، وردت أنباء عن وقوع ضربات جوية وقصف مدفعي وقتال في أنحاء القطاع الفلسطيني أمس الجمعة.

وأمر الجيش الاسرائيلي أمس سكان البريج في وسط غزة بالتحرك جنوباً على الفور، ما يشير إلى محور تركيز جديد للهجوم البري الذي دمر بالفعل شمال القطاع ونفذت خلاله القوات الاسرائيلية سلسلة من الاجتياحات في الجنوب.

وأكد البيت الأبيض أنه يراقب عن كثب هجمات الحوثيين على السفن في البحر الأحمر، لكنه لا يتوقع أن يؤثر الوضع على نحو كبير على أسعار المنتجات المخصصة للتسوق في أثناء العطلات أو توافرها للمستهلكين.

وقالت لايل برينارد، مديرة المجلس الاقتصادي الوطني في البيت الأبيض للصحافيين: “إن الاقتصاد الأميركي أثبت صموده مع انخفاض التضخم، بشكل أسرع حتى من التوقعات الأكثر تفاؤلاً، وانتعاش سوق العمل وبقاء النمو قوياً”. لكنها أشارت الى أن الادارة الأميركية ستظل في حالة تأهب لمخاطر تتضمن مسائل مثل الحرب الروسية المستمرة في أوكرانيا وإمكان تعطل أسواق الحبوب والمستجدات في البحر الأحمر.

أضافت برينارد: “المخاطر الجيواستراتيجية لا تزال مرتفعة. نرى ذلك أيضاً في البحر الأحمر، حيث نراقب عن كثب ونعمل مع الشركاء. وأوضحت أن ليس هناك دليل حتى الآن يشير إلى وجود تأثير على أسعار المنتجات أو توافرها.

وأكدت برينارد أن فريق الأمن القومي التابع للرئيس بايدن “تركيزه منصب” على الوضع في البحر الأحمر، وذلك نظراً الى أهميته في ما يخص الشحن العالمي، وأن الفريق على اتصال مستمر مع شركات الشحن عبر المحيطات ودول المنطقة لضمان حرية الملاحة وتعزيز الأمن في المنطقة.

الى ذلك، أعلن الجيش الاسرائيلي امس مقتل أحد جنوده وإصابة آخر بجروح خطيرة نتيجة لقصف من لبنان. وقال في بيان إن الجندي قتل خلال “نشاط عملياتي” قرب الحدود مع لبنان حيث يسجل تصعيد على خلفية الحرب الدائرة في غزة.

وأعلن بعدها في بيان آخر أن طائرة قامت “بمهاجمة بنية تحتية ارهابية وموقع عسكري لحزب الله داخل لبنان”. وبحسب البيان “تم رصد إطلاق عدة قذائف من لبنان نحو إسرائيل. كما تم إطلاق عدة قذائف هاون من لبنان نحو بلدة المطلة. قوات جيش الدفاع ردت بقصف مدفعي استهدف مصادر النيران”.

وتبنى “حزب الله” أمس عدداً من الهجمات على مواقع للجيش الاسرائيلي، وأعلن أن اثنين من عناصره قتلا في قصف إسرائيلي.

شارك المقال