“روتين غزة” يحرّك “فوالق” لبنان والأردن ومصر وتركيا

لبنان الكبير / مانشيت

راوحت حرب غزة مكانها، وصارت اسرائيل تفتعل المشكلات في كل الاتجاهات، بينما اهتزت كل “الفوالق” السياسية، بل وحتى الكيانية، على مستوى المنطقة، مع حماوة تزيد كل يوم جنوب لبنان منذرة بمواجهة كبرى تتحكم فيها ايران التي حاولت أمس سرقة “طوفان الأقصى”، فيما لم تجد مصر والأردن سوى أن يشكيا همهما لبعض فالتقى زعيما البلدين ليعربا عن خوفهما من التهجير الفلسطيني، واستغلت تركيا “الفوضى” محاولة فتح “الجرح الكردي” المزمن منذ ما قبل الحربين العالميتين.

والاجرام الاسرائيلي يتصاعد في جنوب لبنان يوماً بعد يوم، وفي حين اعتبر الوزير الاسرائيلي بيني غانتس أن الوضع على الحدود الشمالية لاسرائيل “يجب أن يتغير” وأن “وقت الديبلوماسية ينفد”، استفاقت مدينة بنت جبيل أمس على منزل مدمر استهدفته اسرائيل ليلاً، ما أسفر عن مقتل لبناني أسترالي وزوجته وأخيه. فيما أعلن الجيش الاسرائيلي عن قصف مركز قيادة لـ “حزب الله” وصعّد من دائرة استهدافاته طول الحدود، بينما رد الحزب بأعنف قصف للمستعمرات الاسرائيلية بالصواريخ والمسيرات منذ بداية الحرب، وأعلن إطلاق 30 صاروخ كاتيوشا باتجاه كريات شمونة في ما يبدو أنه رد على جريمة بنت جبيل.

ويبدو أن الأجواء الفوضوية في المنطقة دفعت بلاعبين آخرين إلى استخدام الحسم العسكري في وجه “المزعجين” لأنظمتهم، فقد أعلنت وزارة الدفاع التركية عن شن أكثر من 70 هجوماً على مواقع حزب العمال الكردستاني في العراق وسوريا، فيما تعهد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بالانتقام لـ “الشهداء” الذين سقطوا في اشتباكات يومي الجمعة والسبت، ولسخرية القدر اتهمه رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو بارتكاب ابادة جماعية بالأكراد.

وفيما حوّل نتنياهو اليوم التالي بعد الحرب إلى لغز، وسط تلميحات المقربين منه الى تهجير الفلسطينيين من غزة، أعلن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي والعاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، رفضهما أي تحرك إسرائيلي لتهجير الفلسطينيين في غزة والضفة الغربية. وأشارا في بيان إلى أن المجتمع الدولي يتعين عليه الضغط على إسرائيل للموافقة على وقف فوري لاطلاق النار والسماح بدخول مساعدات كافية إلى غزة التي مزقتها الحرب لتخفيف المأساة الانسانية التي يعيشها أكثر من مليوني شخص تحت الحصار هناك.

وبعد يوم طويل من الجدل، تضمن نفياً “حمساوياً” وتبريرات ممانعة، تراجع المتحدث باسم الحرس الثوري الايراني العميد رمضان شريف، عن تصريحه بأن عملية “طوفان الأقصى” هي انتقام لمقتل قاسم سليماني، معتبراً أن تصريحاته خلال المؤتمر “نُقلت بشكل ناقص وأسيء فهمها”. وقال: “لم أطرح أن دافع طوفان الأقصى كان الثأر لدماء الجنرال قاسم سليماني الذي كان حامياً للقضية الفلسطينية، وله دور كبير في تطوير قدرات المقاومة الفلسطينية”.

أضاف المتحدث باسم الحرس الثوري الايراني: “خلال المؤتمر أشرت إلى تصريحات سابقة لرئيس المكتب السياسي ل‍حماس إسماعيل هنية حول الحاج قاسم، بحيث اعتبره شهيد القدس، وهنا صرحت بأن إحدى نتائج طوفان الأقصى كانت الثأر له”.

وكان الجيش الاسرائيلي كثف ضرباته أمس على قطاع غزة، وقال الناطق باسم الجيش دانيال هاغاري إن القوات الاسرائيلية “تقاتل في خان يونس” في الجنوب و”توسع” عملياتها في مخيمات اللاجئين في وسط القطاع.

وأصدر الجيش أمر إخلاء لسكان مخيم البريج ومحيطه. وكان بعض السكان فروا في وقت سابق إلى مدينة رفح الحدودية مع مصر.

أما في شمال القطاع، فقد دارت معارك عنيفة فجراً في حيّ الشيخ رضوان في مدينة غزة، وفي مدينة جباليا.

وقال رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس في مقابلة تلفزيونية: “ما جرى على الأرض الفلسطينية هذه الأيام أكثر من كارثة وأكثر من حرب إبادة. لم يشهد شعبنا مثل هذه الحرب حتى في نكبة 1948. ما يحصل الآن هو أبشع بكثير”. واعتبر أن مخطط نتنياهو وحكومته “هو التخلص من الفلسطينيين والسلطة الفلسطينية”.

إلى ذلك، تجري مصر محادثات مع حركتي “حماس” و”الجهاد الاسلامي” في محاولة للتوصل الى وقف دائم لاطلاق النار في الحرب مع إسرائيل في قطاع غزة. وأوضح مصدران أمنيان مصريان أن مصر تقترح أن تتخلى “حماس” و”الجهاد” عن السلطة في قطاع غزة مقابل وقف دائم لاطلاق النار. وأشارا الى أن مسؤولي “حماس” و”الجهاد” رفضوا مثل هذا المقترح. فيما نفى مسؤولون من الحركتين علناً ما قاله المصدران. وتصر قيادات الحركتين على أن مستقبل قطاع غزة بعد الحرب يجب أن يقرره الفلسطينيون أنفسهم وليس وفقاً لاملاءات خارجية.

ولفت المصدران إلى أن القاهرة تقترح وقفاً لاطلاق النار على عدة مراحل على أن تكون المرحلة الأولية مؤقتة لمدة أسبوع أو أسبوعين. ومن الممكن تجديد وقف إطلاق النار المؤقت.

ووفقاً لمسؤولين فلسطينيين، فإن وقف إطلاق النار سيكون من ثلاث مراحل، خلال أول عشرة أيام من هدنة إنسانية تطلق “حماس” سراح كل النساء والأطفال والمسنين المحتجزين لديها، وفي المقابل، تفرج إسرائيل عن عدد متفق عليه من السجناء الفلسطينيين وتوقف كل العمليات القتالية وتسحب الدبابات من القطاع وتسمح بإيصال المساعدات الغذائية والطبية والوقود وغاز الطهي، وتسمح كذلك بعودة السكان إلى شمال قطاع غزة.

أما المرحلة الثانية فتتضمن إطلاق “حماس” سراح كل المجندات الاسرائيليات المحتجزات لديها. في المقابل تطلق إسرائيل مجموعة أخرى من الفلسطينيين من سجونها. كما يتبادل الجانبان جثثاً محتجزة لكل طرف لدى الآخر منذ السابع من تشرين الأول.

وقد تستمر المرحلة الثالثة لمدة شهر وبناء على ما ستسفر عنه المفاوضات ستشهد إطلاق سراح كل المحتجزين لدى “حماس” مقابل عدد متفق عليه من السجناء الفلسطينيين. وتسحب إسرائيل الدبابات من قطاع غزة ويوقف الجانبان كل الأنشطة القتالية.

وأعلن مصدر مصري أن فكرة إدارة غزة في مرحلة ما بعد الحرب طرحت. وذكر مسؤولون فلسطينيون أن الفكرة ليست جزءاً أو شرطاً لمقترح وقف إطلاق النار.

وتدعم مصر محادثات لتشكيل حكومة تكنوقراط تتولى إدارة مساعدات الاغاثة وإعادة إعمار غزة وإجراء انتخابات تشريعية.

وستشهد المرحلة الأخيرة من المقترح انسحاب القوات الاسرائيلية من غزة والسماح للنازحين بالعودة.

ووسط تهديد اسرائيلي مستمر بتغيير الوضع على الجبهة الشمالية، أعلن الجيش أنه قصف بنى تحتية ومواقع عسكرية لـ “حزب الله” في جنوب لبنان بعد إطلاق مقذوفات باتجاه مناطق في شمال إسرائيل خلال الساعات الماضية. وأشار في بيان الى أنه رصد إطلاق ثلاث طائرات معادية من لبنان سقطت في منطقة بمزارع شبعا.

وفي وقت لاحق، أعلن “حزب الله” إطلاقه 30 صاروخ كاتيوشا على بلدة كريات شمونة في شمال إسرائيل رداً على ما قال إنه استهداف إسرائيلي لمنازل المدنيين في بلدة بنت جبيل جنوب لبنان. وكان الحزب استهدف “خيمة ‏لقوة خاصة في جيش العدو الاسرائيلي جنوب موقع الضهيرة بالصواريخ الموجّهة”، وأعلن في بيان استهداف مواقع حدب البستان وخربة ماعر، وأنه “نفذ هجوماً ‏مشتركاً بالمسيرات الهجومية الانقضاضية والأسلحة الصاروخية والمدفعية على تجمعات جنود ‏العدو الاسرائيلي المستحدثة وآلياته خلف مواقعه في مزارع شبعا اللبنانية المحتلة وأوقع فيها ‏إصابات مؤكدة”.‏ واستهدف أيضاً “تموضعاً قيادياً مستحدثاً للعدو الاسرائيلي في محيط الموقع البحري بالأسلحة المناسبة”.

شارك المقال