اجتماع “شد عصب” في بكركي… وعودة التصعيد جنوباً

لبنان الكبير / مانشيت

على خلفية شحن طائفي في قضية خفراء الجمارك وتعويض الدمار للجنوبيين، التقى ممثلون للأحزاب المسيحية، بغياب “المردة”ْ، ليضعوا إطاراً موحداً يمكنهم من شد العصب ضد الثنائي الشيعي باحتكاره قرار الحرب وخيار الرئاسة وسط استحقاقات كبيرة متوقعة يبدو فيها حتى الآن أن محور الممانعة سيقطف ثمارها. ويبدو أن البطريركية المارونية لم تعد تستطيع تحمل الشيعية السياسية الحاكمة بقوة الأمر الواقع في البلد، من تعطيل رئاسة الجمهورية إلى الاستفراد بقرار السلم والحرب، فاتجهت إلى محاولة جديدة لجمع المسيحيين بأسلوب جديد مستوحى من اتفاق معراب، مغلف بشعارات الدستور والطائف، وتطرح مسودة باسم “وثيقة وطنية” إلا أنها تقوقع طائفي ضمني رداً على الحكم الشيعي، بندها الأول هو الغياب المسيحي عن القطاع العام، وثم تنتقل الى ملفات أخرى مثل الاستحقاقات الدستورية وسيادة الدولة وحصر السلاح، ما ينذر بمستقبل قاتم للبلد عنوانه صراع شيعي – ماروني، يبدو أن تيار “المردة” فضّل الابتعاد عنه، بينما “التيار الوطني الحر” المتباعد عن حليفه الشيعي، يحاول إيجاد مقعد له في التقارب المسيحي – المسيحي برعاية المرجعية المارونية.

في هذه الأثناء، عاد التصعيد على الحدود الجنوبية بعد رتابة المواجهات التي اقتصرت على هجمات متفرقة من “حزب الله”، وردود كلاسيكية إسرائيلية، ما ينذر بفشل الوساطة الفرنسية الأخيرة، وتجميد المبادرة الأميركية عبر الموفد آموس هوكشتاين.

مسودة وثيقة بكركي

الاجتماع في بكركي ليس وحيداً، فقد سبقته مساعٍ قادها المطران أنطوان بو نجم بتكليف من البطريرك الماروني بشارة الراعي، الذي عمل طوال الأشهر الثلاثة الماضية مع الأحزاب في محاولة لايجاد قواسم مشتركة في ما بينها، وتابع جولته خلف الكواليس، وتم بنتيجتها تشكيل لجنة مصغرة، بدأت تضع نقاط التقاطع المشتركة مع القوى السياسية اللبنانية للوصول الى خريطة طريق أو تصور يوافق عليه كل اللبنانيين. ووفق المعطيات التي حصل عليها “لبنان الكبير” فان هذا اللقاء لا يرتبط بالشق الرئاسي اطلاقاً ولن يحمل أي أسماء، لأنه ليس بمبادرة رئاسية، وأجواؤه كانت ايجابية بين جميع الحاضرين، وستنتج عنه وثيقة وطنية لبنانية سيادية.

في السياق، رفضت مصادر نيابية حضرت اللقاء تسمية الوثيقة بـ “الوثيقة المسيحية”، مشددةً على أنها وثيقة وطنية. وأشارت الى أن “الاجتماعات مستمرة حتى الوصول الى وثيقة انقاذية وطنية لبنانية تُبحث بين أطراف منذ ثلاثة أشهر، وستُعرض بعد ذلك على جميع الفرقاء وهي ليست بمبادرة جديدة ترعاها بكركي لأنها ليست محددة بموضوع أو ملف معين”.

وأكدت المصادر في حديث عبر “لبنان الكبير” أن “هذه المبادرة ليست لها أي علاقة بالملف الرئاسي لا من قريب ولا من بعيد، ولن تدخل في أي تسميات أو طروح رئاسية”، نافيةً “أي معطى يتحدث عن أنها بمبادرة رئاسية، بل هي ستتركز على الدستور”.

اما بالنسبة الى طريقة تحريكها، فأوضحت المصادر أنها مرتبطة بالأسلوب الذي سيعتمده البطريرك الراعي”.

في المقابل، أشارت أوساط نيابية من تكتل “لبنان القوي” الى أن “هذه الوثيقة ستتحدث في سلاح حزب الله، ولهذا السبب لم يحضر تيار المردة هذا اللقاء”، معتبرةً أن “هذا ليس موضوع البحث وهناك أمور أساسية أكثر مسيحياً اليوم لتسهيل الحوار، ونحن لسنا مع فكرة البحث في السلاح غير الشرعي بشكل فج كما يجري طرحه، وبالنسبة الينا اليوم هناك ظرف استثنائي يمر به البلد وانتخاب رئيس له أطره الدستورية التي يجب تطبيقها للوصول الى انتخاب رئيس، والموضوع الرئيسي ضرب الشراكة الذي يحدث مع وجود حكومة تصريف للأعمال”.

عودة التصعيد في الجنوب

بعد رتابة في المواجهات التي اقتصرت على هجمات متفرقة من “حزب الله” وردود كلاسيكية إسرائيلية، عاد التصعيد الى الجبهة الجنوبية، وتصاعدت وتيرة العمليات العسكرية منذ ليل الأربعاء، على أثر ضربات إسرائيلية في العمق اللبناني أدت إلى مقتل عنصر في حركة “أمل” في بلدة القنطرة، التي تبعد مسافة 7 كيلومترات بالحد الأدنى عن أقرب نقطة حدودية. وأعلن “حزب الله”، ليل الأربعاء، في بيانات متعاقبة أنه نفذ 4 عمليات عسكرية استهدفت 3 منها تجمعات لجنود إسرائيليين، وتركزت في القطاع الشرقي، قبل أن يستمر التصعيد، يوم أمس بحيث أعلن الحزب أنه استهدف قوة استخبارات عسكرية في المطلة، وأوقع أفرادها بين “قتيل وجريح”، واستهداف “موقع المالكية بالقذائف المدفعية، وأصابه إصابة مباشرة”.

وقال الجيش الاسرائيلي إنه استهدف مركزاً للحزب في بلدة الضهيرة، لكن وسائل إعلام لبنانية أفادت بأن الغارة استهدفت منزلاً غير مأهول، ما أدى إلى تدميره، وتضرر شبكة الكهرباء. ونقلت فرق الدفاع المدني عدداً من المواطنين، من الضهيرة، إلى مستشفيات صور، نتيجة إصابتهم بضيق في التنفس والاختناق، بعد غارة استهدفت البلدة.

وكثّفت إسرائيل القصف الجوي، وشن الطيران غارتين بالصواريخ استهدفتا بلدة عيتا الشعب، وثالثة استهدفت بلدة يارون، كما طالت غارتان منازل في بلدة ميس الجبل.

تناقض بين المفاوضات وغزو رفح

وبينما أعلن مكتب رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو في بيان أن ديفيد برنياع رئيس جهاز المخابرات الاسرائيلي (الموساد) سيتوجه إلى قطر اليوم الجمعة للقاء وسطاء، في محاولة للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في غزة يشمل الإفراج عن رهائن، أكد وزير الشؤون الاستراتيجية في إسرائيل رون ديرمر، أن الجيش الاسرائيلي سوف يغزو مدينة رفح الفلسطينية جنوب قطاع غزة، في نهاية المطاف، ويلحق الهزيمة بـ”حماس”، “حتى لو صار العالم كله ضد إسرائيل، بما في ذلك الولايات المتحدة”.

وقال في برنامج “بودكاست أميركي”: “سوف ندخل ونُنهي هذه المهمة، وأي شخص لا يفهم ذلك، لا يفهم أنه جرى الضغط على العصب الوجودي لليهود بهجوم 7 تشرين الأول عندما قتل مسلّحو حماس 1200 شخص، واختطفوا 250 آخرين”.

مشروع أميركي لوقف النار

وتأتي هذه التصريحات غداة كشف وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن عن مشروع قرار أميركي في مجلس الأمن يدعو إلى “وقف فوري لإطلاق النار مرتبط بالإفراج عن الرهائن” في قطاع غزة، وهي من المرات النادرة التي يصل بها الخلاف الأميركي إلى حسم الأمر في مجلس الأمن، بل قد تكون المرة الأولى في التاريخ التي تقدم أميركا مشروعاً مباشرة منها ضد اسرائيل.

شارك المقال