7 أيار يوقظ ذاكرة مترددين وهوية الحكم تفرضها الحرب الباردة

وليد شقير
وليد شقير

تقول القاعدة في “عِلم” الانتخابات النيابية في لبنان، إن الأسبوعين الأخيرين من التجييش الانتخابي هما الفاصلان في تحويل اتجاهات الرأي العام قبل فتح صناديق الاقتراع لأنهما يشهدان ذروة زخم الدعاية الانتخابية التي يمكنها أن تعبئ الناخبين وتحمّسهم للتوجه إليها، لا سيما إذا كانت نسبة المترددين بينهم عالية. وهذا يؤدي إلى تعديل توقعات الكثير من استطلاعات الرأي التي تكون بنت حساباتها على وقائع متغيرة وعلى مزاج شعبي مستنكف وغير مبالٍ لاسيما حيال قناعة لدى الكثير من اللبنانيين، بأن لا شيء سيتغير وبالتالي لا أمل في إمكان تغيير الطبقة السياسية التي يرون أنها وراء مأساة انهيار اقتصادهم وعملتهم وبالتالي أوضاعهم المعيشية على الأصعدة كافة.

بين هذه الفئة من اللبنانيين من يعتقد أنه مهما استطاع الناخب أن يغيّر الأكثرية الحالية التي يسيطر عليها “حزب الله”، فإن الأخير قادر بسلاحه وسطوته على فرض سياسته وتعطيل الحلول للأزمة الاقتصادية المالية التي يعيشها البلد، لأن التاريخ مليء بالتجارب التي تثبت هذا الاستنتاج.

وإذا كان الحزب الذي يقود الطائفة الشيعية يستند إلى تحالفات في الطوائف الأخرى تمكنه، سواء حصل على الأكثرية أم لم يحصل عليها، من أن يقود فريقاً عابراً للطوائف ويسعى إلى تعزيز مواقعه في الطوائف الأخرى من أجل تكريس أرجحيته في قرارات السلطة بتعطيل القرارات المركزية ونظام الحكم، فإن هذه العلة باتت تتقدم على غيرها من العلل الأخرى من الفساد والزبائنية والهدر التي تتصدر الشكوى منها شعارات المعارضين وعامة اللبنانيين. فالحملة على هيمنة الحزب واستتباعه الدولة اللبنانية عبر رئاسة الجمهورية تخطت حاجزي الخوف والصمت في الأشهر الأخيرة وفرضت نفسها جزءاً من الخطاب السياسي، الذي يعين خصوم الحزب على استنفار الناخبين من جهة، والذي يكرّس لغة سياسية ستستمر بعد الانتخابات النيابية سواء انتصر الحزب فيها أو انتصر خصومه من جهة أخرى.

الذكرى الرابعة عشرة لاجتياح الحزب بيروت وجزءاً من الجبل في السابع من أيار عام 2008، التي حلت أمس، لم تكن لتمر من دون أن يتذكرها الخصوم، لتوقظ ذاكرة الرأي العام، في الطوائف كافة، حيال الخطيئة التي ارتكبها الحزب في ذلك النهار، الذي اعتبره الأمين العام السيد حسن نصر الله “يوماً مجيداً”. والأرجح أن تزامنها مع اقتراع المغتربين في 6 و8 أيار، واقترابها من يوم الاقتراع العام داخل لبنان، في 15 أيار سيترك آثاره على الناخبين، بحيث يتوجه بعض المترددين وغير المبالين إلى الصناديق، ليغادر المسيّسون منهم النظرية القائلة: فلنترك “حزب الله” وحلفاءه يحكمون ويتحملون مسؤولية تفاقم الأزمة التي حوّلت لبنان إلى دولة فاشلة، أو الاستنتاج القائل بأنه من الأفضل عدم المشاركة في الانتخابات حتى لا نؤمن غطاء للحزب في السنوات الأربع المقبلة.

ومرة أخرى، سواء حاز الحزب على الأكثرية أم فشل في ذلك، فثمة عامل آخر يفرض نفسه على المرحلة المقبلة، هو العودة العربية ولا سيما الخليجية إلى البلد، والتي أسست لها المبادرة الكويتية وبنودها الـ12 منذ 22 كانون الثاني الماضي، وتمت صياغتها بتفاهم مع السعودية وتنسيق مع فرنسا، وبعلم الولايات المتحدة الأميركية، والتي تشكل خارطة طريق تفرض نفسها قبل الانتخابات وبعدها، ومهما كان ميزان القوى الذي ستفرزه. وخلاصتها تحرّر الدولة اللبنانية من هيمنة الحزب على قرارها وإخراجه من دائرة النفوذ الإيراني وإعادته إلى الحاضنة العربية. فهي تنشئ مساراً سياسياً يصعب معه التقليل من أهمية هذه العودة العربية. وربما هذا ما يخشاه الحزب في إصراره على تحصين وضعه وبالتالي وضع إيران في المرحلة المقبلة. فلبنان سيكون خاضعاً لمقتضيات عوامل جديدة في الصراع الدولي الإقليمي بعد محطة الانتخابات، على الرغم من انغماسه بها الآن.

ولا يقتصر انشغال اللبنانيين بالانتخابات النيابية عما يدور حولهم في العالم الذي تغير منذ 24 شباط الماضي تاريخ دخول القوات الروسية إلى أوكرانيا، بل هم منشغلون بمشكلاتهم الحياتية اليومية الصعبة إلى درجة استحالة تأمين أساسيات الحياة العادية مثل الكهرباء التي باتت متعذرة لشرائح واسعة منهم جراء كلفتها العالية من المولدات الخاصة التي ارتفعت أسعارها بفعل غلاء المحروقات، هذا فضلاً عن الارتفاع الجنوني في أسعار المواد الغذائية.

إلا أن تداعيات الحرب في أوكرانيا ستتحكم بدورها بحياتهم بعد إنتاج البرلمان الجديد، الذي يأمل بعضهم أن ينقل البلد إلى مرحلة جديدة لعلها تأتيهم بالحلول لأزمتهم العميقة التي غيّرت حياتهم.

باتت تداعيات حرب أوكرانيا تتحكم بحياة معظم شعوب العالم في مجالات كثيرة لسنوات مقبلة. يكفي ارتفاع أسعار النفط وصراع الغرب والدول التي تنتمي إلى ما يسمى بالعالم الحر، مع روسيا على استيراد الغاز منها، وعلى شروط موسكو على دول أوروبا، دفع ثمنه بالروبل الروسي، بدلاً من الدولار الأميركي أو اليورو… وإذا كان الفرقاء كافة وسائر اللبنانيين يتلهون عما يدور في العالم بضجيج الحملات الانتخابية العالية النبرة وبفعل التراشق الذي يلجأ اليه بعض الأحزاب والمرشحين لشد العصب الطائفي والمذهبي والمناطقي، ثم تشغلهم بعد الانتخابات النتائج وتأثيراتها على تشكيل الحكومة المقبلة، وعلى انتخابات الرئاسة الأولى، فإن الانقسام الدولي هو الآخر سيفرض نفسه عليهم، وسيكون على قواهم السياسية أن تختار إذا كانت ستتجاوب مع النهج الجديد الذي بات يتحكم بسياسات الغرب: لا مجال للرمادية بعد الآن فإما الوقوف مع أوروبا وأميركا أو الوقوف مع روسيا. ولكل خيار تداعياته على صعيد العلاقات المالية والتجارية والمساعدات، ليس الاقتصادية وحسب، بل الإنسانية أيضاً. وهذا يشمل من يتم اختيارهم لتولي السلطة، سواء في الحكومة أو في الرئاسة، ما سيزيد تعقيدات الوضع السياسي اللبناني، لأنه سيخضع لتجاذبات الحرب الاقتصادية، والحرب الباردة إذا تصاعدت.

شارك المقال