حسابات اليوم التالي بعد طوفان الدم… هنية يفتح بازار التفاوض

لبنان الكبير / مانشيت

فوق دمار عظيم ومقتلة هائلة في غزة، وفي موازاة إنكسار بطعم الهزيمة للجيش الاسرائيلي، المتفوق عتاداً لكن شبه المنهار معنوياً، بدأت تظهر سحب الخطط المرسومة، أو قيد التحضير، لما يسمى “اليوم التالي”، أي ما بعد حرب غزة، و”ما بعد حماس” بالنسبة الى إسرائيل والولايات المتحدة وأطراف دولية واقليمية أخرى، فيما فتح رئيس المكتب السياسي لـ”حماس” اسماعيل هنية “بازار” التفاوض، بالتأكيد من منطلق انتصار “محور الممانعة”، عارضاً صفقة عنوانها إنساني وجوهرها سياسي لوراثة القضية الفلسطينية، إخوانياً، برعاية إيرانية ومواكبة تركية، مع دعوة طهران وأنقرة الى مؤتمر بحجة وقف اتساع الحرب.

وعلى وقع المجازر المتوالية بين المدنيين الفلسطينيين، وارتفاع قتلى الجيش الاسرائيلي على أرض غزة، أعلن هنية أمس أن “حماس” قدمت للوسطاء تصوراً شاملاً يشمل فتح المسار السياسي لاقامة دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس وحق تقرير المصير، لافتاً إلى أن التصور الذي قدمته الحركة يشمل صفقة لتبادل الأسرى وفتح المعابر ووقف إطلاق النار.

والتقى وزير خارجية تركيا هاكان فيدان نظيره الايراني حسين أمير عبد اللهيان امس في أنقرة، بعد يوم من اجتماع جمع عبد اللهيان بقيادات من “حماس” في الدوحة.

وأكد فيدان أن تركيا تضغط من أجل وقف فوري لاطلاق النار لأنه “ليس صعباً التنبؤ بأن دوامة العنف هذه سوف تكبر” من دون حل دائم للحرب. أضاف: “نحن قلقون للاتساع الجغرافي للنزاع. لقد ناقشنا هذا أيضاً مع شقيقنا الايراني الذي ذكر أن هناك مؤشرات قوية تفيد باحتمال تدخل عناصر مسلحة أخرى في المنطقة في النزاع إذا لم تتغير الظروف”.

ورأى عبد اللهيان أن عقد مؤتمر سلام يضم الدول “الاسلامية والعربية” يجب أن يتم “في أقرب وقت ممكن”.

في المقابل، قال المتحدث باسم مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض جون كيربي: “نعتقد أن حماس لا يمكن أن تمثل مستقبل الحكم في غزة. لا يستطيعون الاضطلاع بهذا… ليست لدينا كل الاجابات حتى الآن عما سيأتي بعد الصراع، لكننا نعمل مع شركائنا في المنطقة لاستكشاف الشكل الذي يُحتمل ويجب أن يكون عليه الحكم في غزة”.

وفي الوقت الذي تناقش فيه الولايات المتحدة وحلفاؤها وشركاؤها احتمالات ما بعد الحرب في غزة، اعتبر كيربي أن تولي “حماس” المسؤولية في القطاع سيمثل إشكالاً بعد الخسائر التي ألحقتها باسرائيل في السابع من تشرين الأول.

ينظر الفلسطينيون بقلق متزايد إلى تداعيات الحرب الاسرائيلية على قطاع غزة، وما يجري خلف الكواليس من مخططات إسرائيلية لمرحلة ما بعد الحرب، تقابلها من ناحية أخرى مخططات أميركية ربما تتعارض مع النوايا الاسرائيلية، لكنها لا ترضي الفلسطينيين أيضاً.

وألقت التعليقات التي أدلى بها وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن في جلسة استماع أمام مجلس الشيوخ، الثلاثاء الماضي، الضوء على الخيارات التي تبحثها الولايات المتحدة لمستقبل غزة بعد “حماس” وكأن سقوط الحركة بات مسألة وقت.

وقال بلينكن، بعدما أشار إلى أن وجود “حماس” لا يمكن أن يستمر وأن إسرائيل لا تريد كذلك إدارة القطاع الذي انسحبت منه في العام 2005: “هناك مجموعة متنوعة من البدائل المحتملة التي ندرسها بعناية الآن، كما تفعل دول أخرى”، مضيفاً: “الأمر الأكثر منطقية في مرحلة ما هو وجود سلطة فلسطينية نشطة وفاعلة تتولى حكم غزة، لكن السؤال المطروح هو ما إذا كان تحقيق ذلك ممكناً؟ إذا لم نتمكن من ذلك، فهناك ترتيبات مؤقتة غير ذلك قد تشمل عدداً من الدول الأخرى في المنطقة، وقد تشمل وكالات دولية تساعد في توفير الأمن والحكم”.

ويشير بلينكن في ما يبدو إلى أن السلطة الفلسطينية برئاسة محمود عباس غير فاعلة، وهو ما يفتح الباب أمام مزيد من التكهنات.

ووفق وثائق إسرائيلية جرى تسريبها في الأيام القليلة الماضية، كانت هناك خطة لنقل المدنيين من القطاع الذي يقطنه أكثر من مليوني نسمة إلى مخيمات في شبه جزيرة سيناء المصرية، على أن تتحول الخيام لاحقاً إلى مدن. وقالت مصر الشهر الماضي إنها “لن تقبل أبداً بدعوات تصفية القضية الفلسطينية على حساب أي دولة في المنطقة”.

وبحسب وثيقة مختلفة، فإن الخيار الأوروبي هو تشكيل تحالف دولي يدير غزة بالتعاون مع الأمم المتحدة بعد أن تضع الحرب أوزارها. وتقود ألمانيا هذا التوجه، وفقاً للوثيقة، وسيكون من مهام التحالف المقترح هدم الأنفاق ووقف تهريب الأسلحة إلى غزة.

وتحدثت تقارير صحافية عن خيارات مطروحة في الغرب، أحدها تشكيل قوة متعددة الجنسيات تشرف عليها عدة دول تدير القطاع بصورة مؤقتة بدعم من قوات أميركية وبريطانية وألمانية وفرنسية، أو إنشاء قوة لحفظ السلام مثل النموذج الذي يعمل في شبه جزيرة سيناء منذ اتفاقية السلام بين مصر واسرائيل.

ومما لا شك فيه، أن السلطة الفلسطينية هي الطرف الأضعف في المعادلة بعد أن عمل الائتلاف الحكومي المتطرف برئاسة بنيامين نتنياهو على ضربها عبر تكثيف حرب الاستيطان في الضفة الغربية، ولا يسعها سوى ترداد مقولة قديمة: لا دولة في غزة ولا دولة من دون غزة، مراهنة على القمة العربية في 11 الشهر الجاري لإحياء حل سياسي على أساس قرارات الشرعية الدولية المتمثلة في إقامة دولة فلسطينية على حدود العام 1967 تشمل الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس الشرقية.

وفي التطورات أمس، اعتبرت المفوضية العليا للأمم المتحدة لحقوق الانسان أن القصف الإسرائيلي لمخيم جباليا للاجئين الفلسطينيين في قطاع غزة “قد يرقى إلى جرائم حرب”. وكان القصف استهدف المخيم مرّتين خلال اليومين الأخيرين ما أسفر عن سقوط مئات الضحايا.

وجاء في منشور للمفوضية على منصة “إكس”: “نظراً الى العدد الكبير من الضحايا المدنيين وحجم الدمار بعد الضربات الجوية الاسرائيلية على مخيم جباليا للاجئين، لدينا مخاوف جديّة من أن هذه هجمات غير متناسبة يمكن أن ترقى إلى جرائم حرب”.

وأعرب الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش عن “صدمته” من القصف الاسرائيلي لمخيم جباليا، وفق ما أعلن الناطق باسمه. وقال ستيفان دوجاريك: “يشعر الأمين العام بالقلق من تصاعد العنف في غزة، بما في ذلك مقتل فلسطينيين، بمن فيهم نساء وأطفال، في القصف الإسرائيلي على مناطق مأهولة في مخيم جباليا للاجئين المكتظ”.

وفي اليوم السادس والعشرين للحرب، لم تلق بعد الدعوات الى “هدنة إنسانية” أي صدى، فيما ارتفعت حصيلة القتلى في قطاع غزة نتيجة القصف الاسرائيلي الى 8796، وفق وزارة الصحة التابعة لـ”حماس”. وبين القتلى 3648 طفلاً، فيما لا يزال أكثر من 2000 شخص في عداد المفقودين تحت الأنقاض، بحسب المصدر نفسه.

وقتل ما لا يقل عن 1400 شخص في إسرائيل منذ بداية الحرب، غالبيتهم مدنيون قضوا في اليوم الأول لهجمات “حماس” غير المسبوقة منذ قيام إسرائيل في العام 1948، على أراض إسرائيلية. وتعهد نتنياهو “بالانتصار” على”حماس”، على الرغم من “الخسائر المؤلمة”.

وقال وزير الدفاع الاسرائيلي يوآف غالانت أمس، إن أمام “حماس” الاختيار بين “الموت أو الاستسلام من دون شروط”.

وللمرة الأولى منذ بداية الحرب أجلي 76 جريحاً فلسطينياً و335 مواطناً من الأجانب ومزدوجي الجنسية من قطاع غزة إلى مصر عبر معبر رفح، وفق مسؤول مصري. وتم فتح المعبر بعد اتفاق بين مصر وإسرائيل و”حماس” بوساطة قطرية وبالتنسيق مع الولايات المتحدة.

ويخضع القطاع منذ التاسع من تشرين الأول لحصار كامل من اسرائيل، يشمل الحرمان من إمدادات المياه والغذاء والكهرباء، فيما يتخذ الوضع الانساني أبعاداً كارثية بالنسبة الى السكان البالغ عددهم 2,4 مليون نسمة.

ودخل المفوض العام لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين (أونروا) فيليب لازاريني القطاع على هامش عملية الإجلاء، وهو مسؤول الأمم المتحدة الأعلى مستوى الذي يزور غزة منذ اندلاع الحرب. وقال لصحافيين: “صدمت بحقيقة أن الجميع هنا يطلبون الطعام والمياه”. وأكد أنه لم يسبق له “على الاطلاق” أن رأى وضعاً كهذا بعد أي نزاع في غزة.

وبدأت إسرائيل منذ 27 تشرين الأول إرسال عدد متزايد من الدبابات والقوات إلى شمال القطاع حيث تدور معارك عنيفة مع مقاتلي “حماس” والفصائل الفلسطينية. وأعلن الجيش الاسرائيلي مقتل 16 من عناصره منذ الثلاثاء في قطاع غزة ومحيطه، ليرتفع العدد الاجمالي الى 331 قتيلاً عسكرياً منذ بدء الحرب.

شارك المقال