الراعي إذ يحرّض ضد الضحايا الضعفاء

عالية منصور

ليست المرة الأولى التي يهاجم فيها غبطة البطريرك الماروني بشارة الراعي اللاجئين السوريين ويطالب بإعادتهم الى سوريا، المكان الذي هربوا منه بسبب حرب النظام السوري و”حزب الله” اللبناني عليهم، ويشترط ان لا تكون الاعادة طوعية، اي اعادتهم قسراً. وليست المرة الاولى كذلك التي يربط فيها الراعي موقفه من سوريا واهلها بانتمائهم المذهبي. لم يكتف بذلك، بل تفاخر هذه المرة بمقابلة أجراها مع إذاعة الفاتيكان نشرتها باللغة البولندية، إنه كتب رسالة للحبر الاعظم، ليغير موقفه من قضية انسانية كقضية اللاجئين يقول فيها: “أيها الأب الأقدس، هذه الكلمات تلحق بنا ضرراً كبيراً، لأن لدينا مسبقا لاجئين في لبنان، وبلدنا الذي يبلغ عدد سكانه 4 ملايين لا يستطيع تحمل عبء مليوني مهاجر، ثانياً: لبنان بلد يقوم نظامه السياسي على التركيبة السكانية، ومن هنا جاءت المساواة بين المسيحيين والمسلمين. وهؤلاء المليونا لاجئ هم من المسلمين السنة. يمكن التلاعب بهم سياسياً مثلما تم التلاعب باللاجئين الفلسطينيين في عام 1975، مما أدى إلى حرب أهلية بين المسيحيين والمسلمين”.

تجاهل الراعي ان اللاجىء السوري لا يملك سوى قوت يومه، وان من يملك السلاح هو حزب لبناني مصنف إرهابياً في أغلب دول العالم، وهو شريك النظام السوري بتهجير السوريين الذين يشتكي منهم غبطته، وهو المتهم مع النظام السوري بعشرات الاغتيالات في لبنان، من ضمنها اغتيالات لشخصيات مسيحية. تجاهل الراعي عن عمد انه وقبل كلامه بساعات كان قد صدر تحذير اممي عن عودة اللاجئين السوريين الى سوريا، حين حذرت لجنة التحقيق الدولية المستقلة الخاصة بسوريا من أن الوضع في البلاد غير مناسب من أجل عودة آمنة وكريمة للاجئين، مضيفةً أن حالات العنف في سوريا تزداد. كذلك تجاهل تحذير منظمة العفو الدولية “أمنستي” في تقرير بعنوان “أنت ذاهب إلى موتك” من إجبار اللاجئين السوريين على العودة إلى بلادهم، مضيفة أن العشرات منهم تعرضوا لانتهاكات متعددة منها الاعتقال التعسفي والتعذيب والاغتصاب، فور وصولهم سوريا.

عندما انطلقت الثورة السورية وكانت لا تزال سلمية مطالبة بالحرية والعدالة، كان لغبطته موقف سلبي منها. ففي زيارة رسمية قام بها الراعي في شهر ايلول 2011، اعتبر الراعي “أن المسيحيين سيدفعون الثمن إذا وصل الإخوان المسلمون الى السلطة في سوريا، وأن السنّة فيها سيتحالفون مع سنّة لبنان ما سيؤزم الوضع مع الشيعة”، ومن يقرأ كلامه يومها يعرف ان المقصود كان وصول السنة الى الحكم وليس الاخوان، يومها استدعى كلام الراعي رداً فرنسياً، حيث استغرب مصدر مسؤول فرنسي في تصريح لصحيفة “الحياة” تصريحات الراعي عن أنه يجب إعطاء فرصة للرئيس السوري الأسد “الذي يقمع ويقتل شعبه”. وأسف المصدر “لمثل هذا الكلام من رئيس الكنيسة المارونية بعد محادثات موسعة مع الرئيس نيكولا ساركوزي حول الموضوع”.

ووصلت ردة الفعل على كلامه آنذاك أبعد من الإليزيه، حيث نقلت يومها صحيفة “النهار” اللبنانية عن مسؤول اميركي بارز في واشنطن استغرابه واستياءه الشديد من تصريحات البطريرك الراعي المتعلقة بالانتفاضة الشعبية في سوريا وموقفه من سلاح “حزب الله”، واعتبرها “غير مبررة ومتهورة”، اضافة الى انها “تضر بسمعته وبمنصبه”.

وانتقد المسؤول في حوار مع “النهار” إشارات البطريرك الى ان الانتفاضة السورية ستؤدي الى سيطرة التيار الاسلامي السنّي المتطرف على سوريا، ورأى ان “هذه الادعاءات تمثل الدعاية النافرة للنظام السوري”، وان اي مراقب للاوضاع السورية يدرك ان “المشهد السوري يختلف عن هذه النظرة المبسطة وغير الواقعية”.

منذ ذلك الحين لم يترك الراعي مناسبة الا واعلن موقفا سلبيا من اللاجئين السوريين، حتى وحين ظن البعض ان موقفه من “حزب الله” قد تغير، كان موقفه من النظام السوري ثابتاً، كذلك موقفه من ضحايا هذه النظام.

وان حاول البعض اليوم تبرير تصريحات البطريرك مرة بان المقابلة لم تحصل، علما ان نص المقابلة لا يزال حتى كتابة هذه السطور موجود على رابط اذاعة الفاتيكان (التي لسبب ما لم تترجم المقابلة وتنشرها بلغات اخرى غير البولندية)، او بالقول ان مواقع تابعة للمعارضة السورية هي من فبركت هذه المقابلة ونسبتها للراعي، الا ان توضيحا لم يصدر عن بكركي، كون النفي امراً غير وارد اساسا.

اما التبريرات الاقبح لكلامه كانت اتهام كل من اعترض على ما ورد في مقابلة الراعي بأنه طائفي وموقفه نابع من موقف معاد للمسيحيين. واسأل هؤلاء: ألم تشاهدوا كيف رفع ثوار سوريا يوماً في سراقب صور الكاردينال مارنصرالله بطرس صفير موجهين له تحية لموقفه من نظام الاسد القاتل؟

غبطة البطريرك بشارة الراعي، سأنقل لك ما نقله صديق من العهد القديم “فَأَحِبُّوا الْغَرِيبَ لأَنَّكُمْ كُنْتُمْ غُرَبَاءَ فِي أَرْضِ مِصْرَ”، بل سأكون اقل طمعا منه بكرمك ولن اطلب منك ان تحب الضحايا الغرباء الضعفاء، ولكن أقله ألا تكون سببا من اسباب هلاكهم والتحريض عليهم لأن كسرة خبز تأتيهم كمساعدة من أمم لا تنظر للونهم ولا لدينهم ولا لجنسهم. غبطة البطريرك، اخطر ما تطالب به اليوم هو انه ان لم يصدر اصوات تطالب بعكسه ستكون انعكاساته السلبية لسنوات طويلة.

واخيرا لمن سيزعجه ما كتبت، اكرر عبارة ذكرتها في مقال سابق: “عندما قرر البطريرك الراعي التعاطي بالشأن السياسي وعدم الاكتفاء بإطلاق مواقف وطنية جامعة، فهو بذلك وضع منصبه الديني جانبا ودخل السجال السياسي، والرد عليه هو رد مشروع لأنه رد على مواقف سياسية يطلقها وليس رداً على أي شيء يتعلق بإيمانه ومعتقداته الدينية”.

شارك المقال