لقاء باريس بداية مسار طويل… وعود مقابل إصلاحات

المحرر السياسي

فرنسا لم تترك لبنان ولم تخذله، ولكن الطريق طويل وشاق والمهمة صعبة… قالها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون للبنان رئاسةً وحكومة ًوبرلماناً وشعباً، مؤكداً الاستمرار في دعم لبنان الذي يستحق أفضل مما هو عليه الآن.

بهذه الكلمات يلخّص اللقاء الذي جمع الرئيس الفرنسي مع رئيس مجلس الوزراء نجيب ميقاتي، الذي حمل تصور حكومته للمرحلة المقبلة من عمرها القصير حيث قد لا تكون قادرة على تحقيق بعض ما جاء في بيانها الوزاري، لأن العيون تتجه نحو الانتخابات النيابية 2022 وهي الهم الفرنسي الأكبر والتي يتطلع اليها كل المجتمع الدولي. وينبغي بحسب ماكرون أن يتمكن اللبنانيون من الإعراب عن إرادتهم من خلال انتخابات ديمقراطية و”نحنُ سنبقى واعين للغاية خلال هذه العملية إلى جانب شركائنا الأوروبيين “.

وبحسب مصادر مطلعة لموقع “لبنان الكبير”، فإن الأمم المتحدة ستراقب مسار هذا الأمر، وقد توفد مراقبين دوليين للإشراف على الانتخابات في حال تم العمل على عرقلة إجرائها في موعدها، علاوة على تقديم مساعدات لوجستية.

إذاً، زيارة معنوية بامتياز إلى قصر الإليزيه الذي شهدت أروقته جولة للرئيس ماكرون والرئيس ميقاتي قبل موعد غداء العمل، والذي كان خلوة ثنائية بحسب مصادر فرنسية لـ”لبنان الكبير” مشيرةً الى أنه على الرغم من انشغال ماكرون بأزماته نتيجة موضوع الغواصات أفرد وقتاً استثنائياً للأزمة اللبنانية ووعد بمساعدة لبنان بكل الوسائل مع إمكان إحداث خرق عربي للعودة إلى منح لبنان وشعبه فرصة وجرعة دعم عبر اتصالات سيجريها ماكرون مع عدد من الدول العربية والخليجية وأبرزها السعودية.

وكان سبق غداء العمل بحسب المصادر اجتماع موسع دام قرابة ربع ساعة، وحضره إلى ماكرون وميقاتي الفريق الرئاسي المولج متابعة الملف اللبناني لا سيما مستشار الرئيس الفرنسي باتريك دوريل والنائب نقولا نحاس، الذي يرافق الرئيس ميقاتي في هذه الزيارة.

تنفيذ الإصلاحات الضرورية في قطاع الطاقة ومكافحة الفساد وإصلاحات الادارة والبنى التحية والتغذية والنفط والغاز، ودعم الشعب اللبناني والاستجابة الى الاحتياجات قصيرة الأمد، أبرز المواضيع التي نوقشت وألحّ عليها لأن المجتمع الدولي لن يقدم أي مساعدات من دون البدء والالتزام بها، والتي تعهد ميقاتي بتنفيذها في أسرع وقت لاستعادة الثقة وبث نفحة أمل جديدة وتخفيف معاناة الشعب اللبناني كما قال. وقد أبدى الرئيس الفرنسي استعداد بلاده لإعادة إعمار مرفأ بيروت عبر شركات فرنسية أو أوروبية وفق مبدأ BOT.

ومن الأولويات التي طرحت خلال اللقاء المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، نظرا للعلاقات الجيدة لفرنسا مع الصندوق وإمكانية دعمها للمفاوضات وللتأثير على الدول المانحة والمجتمع الدولي في هذا المجال. وهذا ما أكده ماكرون خلال المؤتمر الصحافي المشترك والذي كسر خلاله البروتوكول مشدداً أن فرنسا ستستمر بتجنيد المجتمع الدولي للاستجابة لكل الطلبات والحاجات المُلحّة. داعياً الى إضفاء شفافية أكثر للحوكمة لكي تصل المساعدة الدولية مباشرة إلى المواطنين وإلى نتائج حسية.

وفيما غاب ملف مؤتمر “سيدر” لعدم القدرة على إحيائه حالياً، لم يغب موضوع العقوبات عن لقاء ميقاتي وماكرون الذي أكد معاقبة أو إدانة المسؤولين عن تأخير في ولادة الحكومة، فيما جرى التشديد على ضرورة إصلاح القضاء من بوابة انفجار مرفأ بيروت وأهمية تحقيق العدالة، وأن باريس ستستمر في مساندة العمل القضائي لأن الشعب اللبناني يستحق الحقيقة وله الحق في الوصول إلى أجوبة عمّا حصل. كما سأل الرئيس ماكرون عن صحة الحملات التي يتعرض لها المحقق العدلي القاضي طارق البيطار وليس عن التهديدات وإذا ما كان بيطار مسيساً فجاءه الجواب من ميقاتي بأن اللبنانيين بمعظمهم مسيسون.

لم يضيع الرئيس ميقاتي وقته قبل لقاء الإليزيه، ولدى وصوله الى باريس أجرى سلسلة اتصالات مع جهات دولية، كما التقى بحسب مصادر متابعة عدداً من سفراء الدول العربية والأجنبية. أما الأبرز فكانت لقاءاته مع عدد من ممثلي المنظمات الدولية وأهمها ممثل البنك الدولي في باريس، وذلك بطلب خاص من الرئيس الفرنسي، حيث تم البحث في كيفية مساعدة لبنان وإعادة تفعيل القروض الميسرة والتي كان البنك الدولي قد منحها للبنان منذ سنوات من أجل مشاريع متعددة في مجالات الطاقة والاستشفاء والطرقات والنقل، ولم تُستخدم والبالغة قيمتها حوالى 870 مليون دولار أميركي. وبحسب المصادر، فإن موفدين أوروبيين ومن البنك الدولي وصندوق النقد الدولي قد يزورون لبنان خلال الأيام العشرة المقبلة للبدء في دراسة حاجات لبنان والاتفاق على آلية للتفاوض.

زيارة ميقاتي الأولى منذ تسلمه رئاسة الحكومة، وقبل أي اجتماع لمجلس الوزراء تؤكد أن مفاعيل المبادرة الفرنسية بدأت ترجمتها فعلياً بعد سنة وثلاثة أشهر ضاعت من عمر لبنان واللبنانيين فرصاً نحو التعافي، وذلك بسبب تعنت بعض القوى التي لم تر سوى مصالحها، مما جعل لبنان واقتصاده في أزمة سيصعب الخروج منها سريعاً، فيما المجتمع الدولي سيكون بالمرصاد ولن يكتفي بالوعود بل سينتظر أفعالاً ملموسة لإنقاذ لبنان من المستنقع الذي وقع فيه.

فهل سينجح الرئيس ميقاتي في مهمته وينفذ وعوده بما أمكن في العام 2021 بعد أن كانت مهمته صعبة أيضاً في العام 2005 وسط تغييرات إقليمية ودولية تطغى على محيط لبنان وعلى داخله ووسط إبتعاد عربي وخليجي تحديداً يرخي بظلاله على لبنان، كما وسط ألغام متعددة من ترسيم الحدود البحرية الى الأزمة الإقتصادية والمالية والاجتماعية التي تحتاج الى معجزات.

شارك المقال