التفاهم السني ـــ الشيعي

فؤاد حطيط
فؤاد حطيط

لنتخيّل:

بعد كلام إيجابي عن الرغبة المتبادلة بتطبيع العلاقات، تسرّع السعودية وايران خطى المفاوضات بينهما، بعد الجولة الثالثة في ضيافة بغداد، لتدخلا في التوافق على كل التفاصيل في مفاوضات سارية في ضيافة مسقط، التي تعتبر مخبز كل الاتفاقات غير المتوقعة في المنطقة.

جولة، جولتان، وينتهي الطرفان من كل التفاصيل وخلال أيام قليلة يتبادلان السفراء، ويشهد خط الرياض – طهران زحمة وفود، في محاولة لتعويض ما خسراه خلال عقود من التنابذ والعداء في منطقة يشكلان فيها ركنين حاسمين للسلام والازدهار، أو للحرب والخراب كما هو حاصل اليوم.

تحفّز الرغبة المتبادلة بالتقارب والتوافق ادراكا يتسع بفعل تجارب عديدة وحديثة، أن أي غطاء دولي للاعب إقليمي لا يصمد أمام مصالح متغيرة. ولعل السياسة الأميركية منذ باراك أوباما عبورا بدونالد ترامب وصولا الى جو بايدن، أكدت أن الحلفاء هم أكبر الخاسرين ان انكفأت الولايات المتحدة في مكان أو إن طحشت زيادة في مكان آخر.

ثمة الكثير ليُقال عن احتمالات العلاقات السعودية – الإيرانية، وعن “الساحات” العربية الحساسة المرتبطة بهذه الاحتمالات التي سارت في العقدين الأخيرين بما لا يتوافق مع المصالح العربية وسط ضياع “بيضة القبان” المثلثة: السعودية – مصر – سوريا، أيام الصراع العربي الإسرائيلي الذي بات خارج الأولويات الحامية الا حين تحمى الرؤوس فجأة بالدعوات لسلام حتى من دون مقابل الأرض.

المهم… العلاقات السعودية – الإيرانية عسل. وغير السياسة والاقتصاد و”الساحات” فإن هذا المتغير النوعي سينعكس بالضرورة على “فالق” مذهبي يثقل الحياة اليومية للمنطقة بالدم المفتوح دائما، بين “جهاد” من هنا و”ولاية فقيه” من هناك… بالعربي المشبرح: سنّة شيعة.

السنُة والشيعة في المنطقة، وبالضرورة وبفعل التعاسل السعودي – الإيراني، أصحاب وأكثر.

فلنتخيل:

لبنان الآن… ميشال عون وتياره الغرائبي وبحجة حقوق المسيحيين يسعى بكل ما أوتي من حقد على الطائف وراعيه الرئيس الشهيد رفيق الحريري، لإخراج السنّة، الذين جددوا النسيج اللبناني في 14 آذار 2005، من الحكم وبالتالي اخراجهم من المعادلة بأمل مسوّس لاحياء تحالف الأقليات.

المسعى الأعمى ضد السنّة، الذين دفعت قياداتهم أثمانا غالية دفاعا عن المناصفة حين راجت الدعوة للمثالثة بما هي “حق ديموغرافي على تماس مباشر مع الديموقراطية”، أدخل جنرال القصف العشوائي في معمعة القصف من دون تمييز، فصار هدفه المسلمون.

المسلمون، من دون تمييز بين السنة والشيعة لضرورات المناصفة لا المثالثة، هم المتهمون بتفجير المرفأ. هكذا أراد الجنرال أن تكون القضية ما دامت المذكرات والاستدعاءات والتوقيفات يمكن في مكان معتم وفي زمن غير بعيد، أن يخدم غايات انتخابية وغايات عائلية بتبييض صفحة صهره وولي عهده المصون بالأزمات والنكبات.

السنّة والشيعة مستاؤون من المسار القضائي للتحقيق في انفجار المرفأ. وهذا ليس تطورا عارضا، خصوصا انهما بالكاد قد تحللا من تبعات التحقيق الدولي في اغتيال الحريري. والاستياء من الطرفين من مسار الأمور جاء بلسان قيادات عليا من الطرفين.

قد يغالي عون في الرهان على مدى صلاحية “التفاهم” و”سلفة” الوقوف من “حزب الله” في حرب تموز، فيما تتبدّى إشارات كثيرة على ضيق الحزب من سلوكيات “الحليف المسيحي” المتمركزة على ديمومة البقاء بالسلطة بالتمديد أو بالصهر المعاقب دوليا، وهو ما يدرك الحزب أن أكلافه أفدح بكثير مما يمكن تحمله.

حين قصف الجنرال “الغربية” لم يفرق بين سكانها وشوارعها. وهو اليوم كرئيس لا يبدو في وارد التمييز بين المسلمين. كلهم متهمون ولا “صفا” معهما الا وفقا لحساباته التي أوصلت البلد الى الخراب.

فلنتخيل:
تفاهم سني – شيعي… فماذا يبقى للآخرين؟

شارك المقال