إربيل: التطبيع مع إسرائيل لمواجهة التغوّل الإيراني

علي البغدادي

لجأ حلفاء إيران في العراق إلى تحويل مقررات مؤتمر إربيل الداعي للتطبيع مع إسرائيل وما أثاره من جدل داخلي إلى مادة دسمة تصدرت التنافس الانتخابي مع قرب الانتخابات التشريعية مطلع الشهر المقبل لكونها كسرت المحرمات وألقت حجراً ثقيلاً في بركة مياه راكدة.

وتبارت الأحزاب على اختلافها والفصائل المسلحة بهدف كسب الناخبين في استعراضات بلاغية وجمل رنانة تحت لافتة “التمسك بالمقاومة” ورفض “التطبيع” إلى جانب المواقف عينها الصادرة عن الحكومة وفاعليات سنية وكردية ترفض التطبيع مع إسرائيل كحال اغلب العراقيين.

وتريد الاحزاب والشخصيات المتحكمة بالعملية السياسية وإدارة الدولة في العراق ضمن منظومة تضم مختلف المكونات الاجتماعية والاتجاهات خلق رأي عام وهمي يهدف إلى توجيه عقلية العراقيين عن مشاكله في المجالات الأمنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية إلى التركيز على مسألة رفض التطبيع مع أن الموقف الشعبي ما زال متمسكاً بالقضية الفلسطينية ودعم حق الشعب الفلسطيني باستعادة حقوقه وبالتالي فإن الشخصيات والاحزاب التي باتت محل انتقاد وتذمر شعبي تسعى لإعادة إنتاج نفسها بشكل أو بآخر.

ووفقاً للمعلومات، فإن “مؤتمر السلام والاسترداد”، الذي انعقد الجمعة الماضي، برعاية منظمة أميركية في إقليم كردستان المتمتع بالحكم الفيدرالي، “دعا بحضور أكثر من 300 عراقي، بمن فيهم شيوخ عشائر من الطائفتين السنية والشيعية، إلى تطبيع العلاقات بين العراق وإسرائيل. وتم التحضير للمؤتمر مبكراً بهدف كسر حاجز الإحراج وعدم تقبل الكثيرين لمفردة التطبيع مع تهيئة الاجواء لاثارة قضية حساسة مع قرب الانتخابات التشريعية”.

وتفيد المعلومات بأن “تقويم مركز اتصالات السلام لعقد المؤتمر التمهيدي للسلام كان إيجابياً لكونه خطوة أولى للتقارب ونبذ المقاطعة ضد إسرائيل، لافتة إلى أن الجهود كافة تنصب من أجل عقد مؤتمر أكبر وأوسع للسلام سيضم ممثلين دوليين وحكوميين بغرض اتخاذ توصيات بشأن عملية السلام في الشرق الأوسط والموقف من اسرائيل”.

وقدم التعامل مع مؤتمر إربيل دليلاً جديداً على تحكم القوى المسلحة المدعومة من طهران بالواقع العراقي عندما لجأت الى التكتيك المعتمد عينه مع المناهضين لسياساتها وقادت حملة ترهيب واسعة النطاق للمشاركين إلى جانب استخدام حملات إعلامية صاخبة عبر شبكة القنوات الفضائية وحسابات التواصل الاجتماعي لتخويف المشاركين وتهديدهم بالقتل والاعتقال وممارسة ضغوط على الحكومة لاتخاذ مواقف شديدة تجاه المشاركين وهو ما اثمر فعلاً صدور أوامر بالقبض على المشاركين.

وتندرج الحملة المنظمة على المشاركين في مؤتمر أربيل ومن بينهم لواء سابق في الجيش وأحد قادة “الصحوة” (فصائل عشائرية قاتلت التنظيمات المتطرفة بدعم من واشنطن) ونجل ابن زعيم عشيرة الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، في اطار المزاج الايراني وتحكمه في القرار العراقي تجاه القضايا الحساسة ومن بينها الموقف من السلام مع اسرائيل وهو موقف يكاد يكون موحداً أساساً في رفض التطبيع ما لم يحصل الفلسطينيون على حقوقهم كاملة، وتالياً فإن موقف حلفاء ايران في العراق لا يخلو من الاستعراض وإطلاق رسائل اقليمية عن قوة النفوذ الايراني في العراق.

وعبّر أغلب شيوخ العشائر الحاضرين في الاجتماع عن اعتذارهم وتراجعهم عن دعوات التطبيع، “بعد عاصفة ردود الافعال الشعبية والرسمية ومن بينها الحكومة العراقية التي أكدت رفضها القاطع للاجتماعات التي وصفتها بأنها غير قانونية الى جانب ما صدر عن إقليم كردستان من موقف لفت الى أن الاجتماع عُقد من دون علم وموافقة ومشاركة حكومة الإقليم، وأنه لا يعبّر بأي شكل من الأشكال عن موقف حكومة إقليم كردستان”، لكن الإقليم بالمجمل يتخذ موقفاً حيال إسرائيل يختلف عن ذلك الذي تتبناه الحكومة العراقية الرافضة للتطبيع في موقف موروث من جميع الحكومات في الانظمة العراقية المتعاقبة سواء في العهد الملكي أو الجمهوري وبالاخص في عهد حكم حزب البعث (1968-2003) الذي كان له موقف صارم برفض العلاقة مع اسرائيل.

ويحمل توقيت عقد المؤتمر قبيل الانتخابات العراقية عدة رسائل منها تلويح رؤساء العشائر في المحافظات السنية ومنها مناطق طوق بغداد التي تضررت بفعل المعارك مع الجماعات الارهابية وفي مقدمها “داعش” بضرورة تغيير الحكومة الحالية لتعاملها معهم وأهمية الحد من سيطرة المليشيات المسلحة والمدعومة من ايران على محافظاتهم وإبعادهم عن مصادر صنع القرار بمدنهم.

ومع أن البعض يرى في مؤتمر اربيل “زوبعة في فنجان” او “بالون اختبار” لجس نبض الشارع العراقي بشأن عقد السلام مع اسرائيل لكون اي قرار بهذا الخصوص يعدّ من صلاحية الحكومة والبرلمان ومن المستبعد حصوله، لكن من المؤكد أنه كسر حاجز الحرج وقد يكون مدخلاً في ظل الصخب الحالي والتضييق الايراني على المدن السنية لتنفيذ المشروع القديم للرئيس الاميركي جو بايدن بتقسيم العراق فيدرالياً الى ثلاثة اقاليم بخاصة أن سكان المدن ذات الاغلبية السنية باتوا مهيئين لتقبل اي حل يمنحهم طوق نجاة من الاعتقالات والتهميش والطائفية .

ومن المؤكد ان اسرائيل باتت الرابح الاكبر من وراء كل ما جرى من جدل وصخب عندما تسللت الى بعض المجتمعات العربية التي كانت محصنة حتى وقت قريب، وهو ما عبّر عنه صراحة وزير الخارجية الإسرائيلي يائير لبيد، الذي قال إن “الحدث يبعث بالأمل في أماكن لم نفكر فيها من قبل، نحن والعراق لدينا تاريخ وجذور مشتركة في المجتمع اليهودي”. لكن الوزير الاسرائيلي تناسى اعتزاز العراقيين بانتمائهم العروبي وبمقابر جنود الجيش العراقي في مدينة نابلس والمعارك التي خاضوها على الأراضي الفلسطينية او استذكارهم الدائم للصواريخ التسعة والثلاثين التي أطلقت على اسرائيل في حرب الخليج الثانية الى جانب تاريخ طويل من النضال العراقي في سبيل القضية الفلسطينية وهو تاريخ سعت ايران الى تقزيمه الى مجرد فصائل أطلقت عليها مسمى “المقاومة” لتجني باسم فلسطين مكاسب سياسية وتدفع الناقمين عليها الى تقبل وجود إسرائيل من أجل مواجهة التغوّل الإيراني.

شارك المقال