لبنان ونبع الحنان

الراجح
الراجح

بسبب روابطها التقليدية بلبنان تشعر فرنسا أنها معنية بالوضع اللبناني أكثر من غيرها من الدول. فهي مَن أرسلت جنودها إلى لبنان عام 1860 لحماية المسيحيين إثر الحرب الأهلية التي اندلعت في جبل لبنان، وكانت تلك الحرب من هم الأسباب لإعلان دولة لبنان الكبير واعتراف سوريا بالكيان اللبناني “وبحدوده” وذلك من خلال مفاوضاتها مع الكتلة الوطنية في العام 1936.

كان الفرنسيون يعتبرون لبنان الامتداد الثقافي لـ”الفرنكوفونية” وأساس الوجود الفرنسي في الشرق الاوسط.

بالرغم من تراجع النفوذ الفرنسي في لبنان اثناء عهدي بشارة الخوري وكميل شمعون لمصلحة النفوذ البريطاني، وبعدها لمصلحة الولايات المتحدة الاميركية بعد حرب السويس 1956، إلا انها حافظت في عهد الرئيس شارل ديغول على علاقاتها المميزة بلبنان.

والجدير بالذكر ان فرنسا وبعد خروجها من الجزائر عام 1962 أعادت النظر في سياستها العربية، فانفتحت على مصر الناصرية وعلى الدول العربية في الخليج واخذت مواقف صارمة خلال حرب حزيران 1976 حيث اوقف الرئيس ديغول مبيعات الاسلحة الى إسرائيل، كما اتخذ الموقف نفسه على إثر الغارة الاسرائيلية على “مطار بيروت الدولي” عام 1968 وتكرر الموقف الفرنسي بالحظر الشامل على مبيعات الاسلحة لاسرائيل عقب الاعتداء على لبنان في ايار 1970 وفي ذلك الحين اعلن المندوب الفرنسي في الامم المتحدة جاك موريز ان بلاده “لا يمكنها ان تقف مكتوفة اليدين تجاه ما يمس لبنان واستقلاله وسيادته ووحدة اراضيه”.

أثناء الحرب الاهلية التي اندلعت عام 1975 وضعت فرنسا لبنان أمام ثلاثة خيارات لوقف الحرب وحل الأزمة:

  • صيغة وفاق وطني.

  • تدويل الأزمة اللبنانية وإعلان حياد لبنان بموافقة جميع اللبنانيين.

  • إرسال جنودها الى لبنان لحفظ السلام.

ولأن الولايات المتحدة الاميركية كانت تحتكر لنفسها حل أزمة الشرق الأوسط، اضطرت فرنسا لجعل مبادرتها الديبلوماسية لحل ازمة لبنان جزءاً من الدور الأميركي، وذلك كي لا تمس بمصالح اميركا في الشرق الأوسط. وهذا ما عبّر عنه الرئيس فاليري جيسكار ديستان في تشرين الاول 1976 بالقول: “لم يكن ولن يكون هناك مجال لتدخل فرنسي في لبنان” متراجعاً وبالكامل عن الخيار الثالث في المبادرة الفرنسية.

أردت من خلال هذا العرض الاشارة الى ان الموقف الفرنسي التاريخي في لبنان كان دائماً إما الشراكة مع الولايات المتحدة الاميركية في التوجهات والحلول، وإما التراجع لمصلحة اميركا. وعليه ليس غريباً ما حصل مع المبادرة الفرنسية التي تقدم بها الرئيس ماكرون، والهادفة الى اقامة حكومة مستقلين كلياً وفعلياً عن احزاب السلطة لتقوم بالاصلاحات الجذرية المطلوبة لإنقاذ لبنان واقتصاده وحياة مواطنيه، وما انتهت اليه من تفاهم مع ايران اعترافاً بسلطتها ومصالحها ما أنتج هذا الشكل لحكومة ستجعلنا نترحم على حكومات الوحدة الوطنية في الليل والنهار.

شارك المقال