الانتخابات النيابية: إعادة بلا فائدة

محمد علي فرحات

الانتخابات النيابية حتمية. يطلبها المجتمع الدولي مشترطاً شفافيتها ويطلبها أهل النظام مستندين إلى مصائب ثلاث تحلّ على كاهل المواطنين: الجمود السياسي الأشبه بعقم سياسي، وكورونا الضارب في عصب الحياة اليومية، والمجاعة المقنّعة التي تحيل المواطنين على مطلب وحيد هو الطعام.

والكلام على الانتخابات ليس أولوية المواطنين بالطبع، إنه أولوية أهل النظام الذين طالما كانوا يأنسون بانعدام وجود البديل المنافس، فنراهم يتلهّون بصراعاتهم التي هي صدى لصراعات خارج الحدود.

وقليل من اللبنانيين يتذكر مهارة أهل النظام في التحايل على أي حل دائم لأزمات الوطن. والمهارة الأولى والأساسية هي التحايل على اتفاق الطائف بإهمال مادتين منه تحملان حلاً لأزمات الحكم المتلاحقة في لبنان. وتتضمن المادتان الالتزام ببرلمان خارج القيد الطائفي، وأن تكون ضمانات الطوائف من اختصاص مجلس الشيوخ. هاتان المادتان أُهملتا، بما يعني ضربة قاتلة لاتفاق الطائف الذي لم يبق منه سوى تراجع ما كان يسمّى التأثير المسيحي لمصلحة تأثير إسلامي موهوم. ولم يبق ايضاً سوى برلمانات طائفية تشكل احتياطاً استراتيجياً للاستخدام ضد التيارات السياسية المدنية.

انتخابات آمنة وشفّافة. من يراقبها حقاً؟ وإذا حضر مندوبون أجانب فسوف يراقبون مواطنين يدخلون إلى مراكز الاقتراع ويخرجون منها مثقلي الجيوب بمئات ليرات لبنانية لا تسمن ولا تغني عن جوع. إنه الثمن الذي كان يدفعه تقليدياً مرشحون للبرلمان اللبناني منذ عقود، ويصل معظمه إلى زعماء اللوائح وقليله إلى الناخبين البؤساء. والحال إن ما يمكن تسميته معركة انتخابية حقاً يحصل في معظم محافظة جبل لبنان وفي بعض الشمال والبقاع والجنوب وبيروت أيضاً. أما سكان المساحة الباقية من الوطن فيمارسون تكرار أنفسهم لأنهم مرهونون للقوى المسيطرة بدعوى الدفاع عن الوطن أو عن الطائفة ضد ما يروّجون أنه مؤامرة دائمة من الأعداء. وباسم هذا الدفاع الوطني سيدخل إلى البرلمان أشخاص على شاكلة الذين سبقوهم: صمّ، عميٌ، بكمٌ، لا يفقهون. أو أنهم يتظاهرون بهذه العاهات ليحصلوا على ما تبقّى من مال الشعب الذي نهب السابقون معظمه.

يطلب مجلس الأمن الدولي انتخابات شفافة في لبنان، لكن غالبية الشعب في كوكب آخر لأنهم مهجوسون بتأمين لقمة العيش لهم والدفء لبيوتهم وإمكانية الوصول إلى مقر العمل والعودة منه، إذا بقي هناك عمل. ولا تترك الجماعات السياسية المتناحرة المواطنين لهمومهم الحقيقية، بل هي تطلب منهم الاصطفاف السياسي او الطائفي والاستعداد لصراع تقول إنه يتعلّق بوجودهم. صراع وجود؟ من قال ذلك؟ إنه حرب إقليمية دولية تلبس لبوس اللبنانيين وتتكلّم بلهجتهم، وترفع شعارات حروبهم الأهلية القديمة التي انطوت ولم تترك سوى مشاعر الندم.

ولأن الصراعات الأهلية يقوم معظمها على خرافة تمجيد الذات وشيطنة الآخر، نلاحظ عملية الترويج لشائعات سياسية تُقدّم للناس على أنها حقائق دامغة. ومن أبرز هذه الإشاعات أن تحالف النظامين الإيراني والسوري و”حزب الله” ستكون له الغلبة في المشرق العربي بالتعاون مع “حماس” الفلسطينية. وينظر إلى الاتصالات العربية – الإيرانية التي لا تزال في بداياتها كأنها عملية استسلام لطهران لا عملية اتفاق سياسي معها ومع غيرها على صورة مستقبلية للمنطقة، لا بد من أن تحظى بالضرورة بموافقة قوى إقليمية مثل مصر والسعودية وتركيا وعلى رضى أقطاب دوليين مثل روسيا والولايات المتحدة وبريطانيا والإتحاد الأوروبي.

شائعات تروّج وبيع أوهام لا تحظى بقناعة مواطنين يبحثون عن الرزق وعن حدٍ أدنى من الأمان الصحي والاجتماعي والسياسي. ومن الشائعات والأوهام هذه يحاول أهل النظام أن ينسبوا إلى مرشحيهم معنى وأفقاً مستقبلياً، في حين أن الانتخابات الآتية هي في معظمها تكرار للماضي البائس وورقة حسن سلوك يتقدّم بها أهل النظام إلى العالم. هذا العالم الذي لم يجد أي معنى للاضطراب اللبناني المصطنع وللصراعات السياسية الفارغة، في حين يتركز المعنى اللبناني اليوم في جريمة تفجير مرفأ بيروت وفي نهب المال العام وفي تضييع المال الخاص في متاهات البنوك.

شارك المقال