ماذا يخفي “حزب الله” للانتخابات النيابية؟

جورج حايك
جورج حايك

لا مانع لدى “حزب الله” من اجراء الانتخابات النيابية ظاهرياً، لكن لا يختلف اثنان على ان الحزب غير مطمئن لهذا الاستحقاق الدستوري الذي قد يسمح لخصومه بنزع الأكثرية النيابية منه ديموقراطياً و”من دون ضربة كف”.

الوضع الحالي الذي يعيشه “الحزب” يُعتبر مثالياً لأنه يسيطر على القرار الرسمي للدولة اللبنانية ويتحكّم بكل مفاصلها، فلماذا يسمح بتغيير هذا الوضع وهو لطالما ضرب عرض الحائط كل الاستحقاقات الدستورية التي كان يضع شروطاً لتطبيقها حتى تكون لمصلحته؟ ألم يعطل انتخاب رئيس للجمهورية طوال عامين ونصف العام حتى اقتنع الجميع بانتخاب مرشحه “رئيس التيار الوطني الحر” ميشال عون آنذاك؟ وهل تغيّرت عقليّة الحزب وأسلوبه في التعاطي مع الاستحقاقات الدستورية وأهمها الانتخابات النيابية المقبلة؟

في موضوع الانتخابات النيابية، لم يلعب “الحزب” كل أوراقه بعد، وهو ليس وحده إنما لديه حلفاء وازنين مثل “حركة أمل” و”التيار الوطني الحر”، وبالتالي لا يزال ممسكاً بمفاتيح اللعبة جيداً. صحيح أنه لا يُعارض اجراء الانتخابات النيابية، لكنه يحرّض على أن تكون نتائجها مضمونة لمصلحته، وإلا “فلتخرب البصرة” وليؤجَّل الاستحقاق الانتخابي وليمدَّد للمجلس النيابي الحالي الذي من المحتّم أنه سينتخب رئيساً للجمهورية تابعاً لمحور ايران و”حزب الله”.

قد لا تكون هذه الخيارات سهلة ليمررها “الحزب” تحت انظار مجتمع دولي ضاغط لمصلحة اجراء الانتخابات وحكومة من صلب أهدافها تنفيذ هذا الاستحقاق، وشعب ينتظر بفارغ الصبر محاسبة السلطة في صناديق الاقتراع، إلا أن “حزب الله” هو الطرف الأقوى في المعادلة اللبنانية، ويمكنه فعل الكثير ليضمن فوزه أو على الأقل إبعاد كأس الخسارة المرّ عنه.

لا شك أن “الحزب” ليس بعيداً عن طرح الرئيس نبيه بري لقانون لبنان دائرة واحدة مع النسبية، فهذا الطرح يبدو استراتيجياً له، إلا أن أولى الضربات التي تلقاها الثنائي الشيعي كانت معارضة مسيحية شرسة لهذا القانون من “التيار الوطني الحر” و”القوات اللبنانية” على الرغم من اختلافاتهما، وبالتالي خسرت “حركة أمل” وتراجعت لمصلحة تطبيق القانون الحالي. لذلك يستحضر “الحزب” الأدوات اللازمة لتطويق القوى السياسية التي تسعى إلى النيل من أكثريته، وتظهر توجهات “الحزب” من خلال الأمور التالية:

أولاً، يعرف “الحزب” أن الأرض تغيّرت منذ انتخابات عام 2018، وحليفه المسيحي اي “التيار” تراجعت شعبيته على نحو ملحوظ مسيحياً، مع تقدّم خصمه اللدود “القوات اللبنانية” وقوى تغييرية من قلب الثورة وهي ممثلة بشخصيات ومجموعات مدنية تتكتّل للاستحواذ على أكبر قدر من المقاعد وهي عابرة للطوائف نسبياً، و”الحزب” يُجري استطلاعات للرأي ويُدرك ذلك حتماً.

ثانياً، يعيش “الحزب” على الرغم من تأمينه المازوت عبر البواخر الايرانية، حالة تململ في شعبيته التي تعاني من الضيقة الاقتصادية والاجتماعية نتيجة الأزمات المتلاحقة وتُحمّله مسؤولية ذلك، وقد يحتاج إلى وقت لإرضائها وإعادة لمّ شمله في مجتمعه الذي أصيب بالتصدّع، مما قد يهدد تماسكه انتخابياً وفوز بعض المستقلين من الذين برزوا في ثورة 17 تشرين. وهذا سبب آخر قد يدفعه إلى تأجيل الانتخابات.

ثالثاً، يحاول “الحزب” سحب الأوراق الرابحة من يد المعارضة وهي الغاء اقتراع المغتربين بذريعة تصنيف الغرب له تنظيماً إرهابيّاً، وبما قاله من وجود ضغوط على مناصريه في بلاد الاغتراب، لكن هذه حجّة ساقطة، والسبب أنّه في الانتخابات الأخيرة عام 2018 اقترع المغتربون، ونال الحزب نحو 4 آلاف صوت. ومن الواضح ان تحكّم الحزب بأصوات المغتربين مستحيل، واكثريتهم يرفضون سياسة الحزب ونتائجها الوخيمة على لبنان من فقر وعزلة وجوع وحروب وموت، وسيصوتون لمصلحة الفريق الآخر الذي يطالب بحياد لبنان وسيادة الدولة واستعادتها لقرارها. صحيح أن “التيار الوطني الحر” يبدو ظاهرياً ضد توجّه “حزب الله”، إلا أنه لا يمكنه السير عكسه والتجارب تدلّ على أن “التيار” غير مبدئي ويراعي دائماً مصلحة “الحزب” وقد يصوّت لمصلحة الغاء اقتراع المغتربين، إضافة إلى ذلك فإن موضوع تخصيص 6 مقاعد للمغتربين يفترض تعديلاً في مجلس النواب لقانون الانتخاب يقضي بتعليق مفعول المادة 112، وهذا قد يؤدي إلى خلاف “يُطيّر” الانتخابات.

رابعاً، لن يخاطر “حزب الله” باحتمال خسارة أكثريته التي باتت من أهداف عواصم القرار، وخصوصاً الولايات المتحدة التي ستضع “ثقلها” لدعم المرشحين المستقلين وبعض ممثلي المجتمع المدني لتكوين أكثرية مناهضة لـ”الحزب”، وبالتالي قد يفعل كل شيء لعرقلة هذه الانتخابات، وهو ممسك باللعبة الأمنية ويمكنه “هزّ” الأرض بأي حادث أمني يزعزع الاستقرار ويحول دون تنظيم الانتخابات.

منطقياً، ما يفضّله “الحزب” هو أن يبقى مجلس النواب الحالي المنتخب عام 2018 لكي يقترع لانتخاب رئيس جديد للجمهورية بدلاً من الذهاب إلى انتخابات نيابية ترسم جغرافيا جديدة للمجلس المقبل. فإن كان هناك احتمال، ولو واحد في المئة، أن تكون النتائج في غير مصلحة “الحزب”، سيعمل على عرقلة الانتخابات النيابية، وهذا ما سنراه في المستقبل القريب.

شارك المقال