بعاصيري لـ”لبنان الكبير”: نجاحنا مع صندوق النقد يقودنا نحو التعافي

فدى مكداشي
فدى مكداشي

بانتظار لبنان مرحلة صعبة يخوض خلالها عبر وفده أصعب مفاوضات في تاريخه، إذ يذهب لبنان لمفاوضة صندوق النقد الدولي طمعاً بالحصول على برنامج من الدعم والمساعدة يسمح للبنان بالخروج من أزمته المالية والنقدية والاقتصادية غير المسبوقة. وطبعاً يتوقف هذا الأمر على الرؤية وخطّة التعافي المالي التي سيتقدّم بها الوفد اللبناني على أمل أن لا يحصل ما حصل خلال جولة المفاوضات السابقة حين كان الوفد اللبناني مكوّناً من ثلاثة وفود كل يحمل رؤية مختلفة عن الآخر. إن وحدة الخطة المالية تؤسس لنجاح المفاوضات في حال تضمنت هذه الخطة أرقاماً واقعية وتوزيعاً عادلاً للخسائر.

للمزيد من الاستيضاح حول هذا الموضوع، كان لموقع “لبنان الكبير” حديث مع النائب السابق لحاكم مصرف لبنان الدكتور محمد بعاصيري في الشأن المالي والنقدي، فهذا المصرفي المخضرم ومنذ عودته من الولايات المتحدة الأميركية أواخر الثمانينيات بات يعرف كل الخبايا والسياسات النقدية والمالية، فقد شغل منصب نائب حاكم مصرف لبنان مابين 2009 و2019، وقبل انتهاء ولايته شغل بعاصيري أيضاً في المصرف المركزي منصب رئيس لجنة الرقابة على المصارف وأمين عام “هيئة التحقيق الخاصّة” لمكافحة تبييض الأموال ما بين 2001 و2009 وتبوأ مناصب هامّة عدّة فهو رئيس مبادرة حوار القطاع الخاص بين الولايات المتحدة والشرق الأوسط وشمال أفريقيا منذ 2006 وكان مستشاراً مقيماً في صندوق النقد الدولي عامي 2000 و2001، كما جرى تداول اسمه لرئاسة الحكومة في فترة سابقة.

خطة التعافي

وعن الآلية التي يجب أن يعتمدها لبنان خلال مفاوضاته مع صندوق النقد الدولي، يرى بعاصيري أنه “يجب أن يكون هناك رؤية موحّدة تُعرض على صندوق النقد الدولي، لافتاً الى أن ما حدث في حكومة حسان دياب كان خاطئاً عندما أعلن عن خطة للتعافي من دون مناقشتها مع الأفرقاء المعنيين أي مصرف لبنان والقطاع المصرفي وخصوصاً أن خطة التعافي تشمل تحديد الخسائر وتوزيعها، مما سبب مشاكل عدة وانقسامات في الرؤية بين مصرف لبنان والحكومة ومجلس النواب، وبالتالي سقطت خطة التعافي في ظل تشتت المواقف، مؤكداً حاجة لبنان لرؤية موحدة تتضمن خريطة طريق تُترجم رؤية الحكومة من ناحية تحديد الأولويات مع صندوق النقد ومنها استقطاب المساعدات”.

الإصلاحات الشرط الأول

ويشير بعاصيري الى أنه “على الرغم من أن هذه المساعدات تبلغ قيمتها بحدود ملياري أو ٣ مليارات دولار أميركي على سنوات طويلة الأمد، إلا أنها ليست تقديمات نقديّة بل على شكل مشاريع ويجب أن تترافق مع خطوات إصلاحية تقوم بها الحكومة لتستحقها تدريجياً، معتبراً أن أهمية صندوق النقد الدولي هو بمثابة جواز مرور للتفاوض مع الدول المانحة ويكتسب لبنان منها صدقية وتظهر الحكومة بصورتها الجدّية. طبعاً تحديد الأولويات شيء أساسي ويجب أن يشمل إعادة هيكلة القطاع المصرفي، إلا أن هناك خلافاً في الحكومة حول إصلاح المصارف وإعادة هيكلة القطاع، لكن على الرّغم من كل ذلك يبقى الهم الأكبر هو أن يكون القطاع سليماً ومتعافياً لأنه لا يمكن للاقتصاد أن ينهض من دون قطاع مصرفي قوي”.

وأكد بعاصيري “أهمية أن نعي أن صندوق النقد ليس جمعية خيرية فالدولة اللبنانية تستدين الأموال منه وهو عليه أن يراقب كيف ستصرف وكيف تُسترد، لذا يجب أن يكون هناك خطة واضحة. غالباً ما تكون شروط صندوق النقد الدولي قاسية لكنها قابلة للتفاوض. علينا أن نعترف بأن لبنان في حال صعبة جداً وعلينا أن نكون واقعيين مع مشاكلنا وموضوعيين بالنقاش مع الأخذ بالاعتبار أننا بحاجة للصندوق وليس العكس”.

بالنسبة إلى شروط التفاوض، يشرح بعاصيري أنها ستكون متمحورة حول الخطوات الإصلاحية. ويقول: “على سبيل المثال ملف الكهرباء، إذ يجب أن تُرفع الخطة من الجانب اللبناني ومن ثم التفاوض وبعدها التنفيذ مع تحديد الفترة الزمنية، ومن ثم يعطي الصندوق قرضاً لتمويل الخطة على الأمد الطويل، وبالتالي يتم تحديد الأموال بحسب نجاح كل مرحلة ومن ثم الانتقال التدريجي للمراحل الأخرى. لذا الدفعات تتلازم مع قبول الخطة الإنقاذية مع الصندوق النقد الدولي وتصرف الأموال بحسب مرحلة التنفيذ ورقابة الصندوق”.

وعن مدى جديّة لبنان بتوحيد أرقام الخسائر خلال مفاوضاته مع الصندوق، يؤكد بعاصيري على “ضرورة توحيد الأرقام بشكل شفاف وواضح وهي مسؤولية وزارة المال ولكن طبعا بالتعاون مع مصرف لبنان، معتبراً ان الشيء الإيجابي في الموضوع هو أن وزير المال الجديد يوسف خليل كان مديراً تنفيذياً في مصرف لبنان لمدة 40 سنة أي منذ 1981”.

فخّ المستشارين وسقوط خطة التعافي

بالنسبة إلى الخطة التي وضعت أيام حكومة دياب، يرى بعاصيري أنه “لا شك أن الخطة الموضوعة كانت سيئة جداً لأنه لم تكن ثمّة مشاركة من الأفرقاء المعنيين إذ إن جزءاً من الخسائر تحمّلتها المصارف ومصرف لبنان ومن غير المنطقي أن تعتمد الحكومة على مستشارين يقررون مصير خمسة ملايين لبناني ولا نعلم حتى ما هي خلفيّاتهم وتضارب المصالح لديهم، وتالياً حكومة دياب فشلت فشلاً ذريعاً والدليل على ذلك سقوط خطة التعافي، مما يعني أن الأسس القائمة عليها غير صحيحة. عدا عن ذلك، فشلت حكومة دياب فشلاً ذريعاً عندما توقفت أولاً عن سداد اليوروبوندز وقد اتخذت هذا القرار من دون معرفة الدائنين ولا حتى تفاوضت معهم لإيجاد حلول. والمشكلة الثانية هي سياسة برنامج الدعم الفاشلة والظالمة إذ ذهب نحو 8 مليارات دولار أميركي إهداراً، وهنا لا يلام فقط رئيس الحكومة السابق بل أيضاً وزير الاقتصاد السابق راوول نعمة، فبدلاً من أن يتم دعم الشعب الفقير دعمت البضائع وكل بضاعة كانت قابلة للتهريب، وهذه المليارات كنا أصلحنا فيها قطاع الكهرباء”.

تحديات وزارة الاقتصاد

وأمام وزارة الإقتصاد مسؤوليات جمّة خصوصاً أنها ستكون المعنيّة الأولى بالتفاوض مع صندوق النقد الدولي. وفي هذا الإطار، يؤكد بعاصيري أن “على وزارة الاقتصاد أن تكون معنيّة برسم سياسة اقتصادية للبنان وتحديد نوعية الاقتصاد اللبناني، هل هو خدماتي فقط أم خدماتي وصناعي أم اقتصاد المعرفة؟ لذا يجب تحديد رؤية واضحة لشكل الاقتصاد الذي يناسب لبنان، مع الأخذ بالاعتبار أن هذا الاقتصاد قائم على عوامل عدة أهمّها الميزة التنافسية التي تتجسد بالعنصر البشري وموقع لبنان الجغرافي ومناخه وموارده الطبيعية، وهي قيمة مضافة للبنان في المنطقة. وأن يكون هناك تركيز أيضا على الموارد اللبنانية الاغترابية وإيجاد طرق جديدة لتفعيل مساهمتهم في رفع الاقتصاد الوطني وهذا يشكل تحديًا كبيراً خصوصاً مع فقدان الثقة جراء احتجاز جزء كبير من أموالهم في المصارف وتدني قيمتها. وتالياً كما قال الرئيس نجيب ميقاتي إن الأولوية الأولى لهذه الحكومة هي كيفية استعادة الثقة”.

ويشير بعاصيري إلى أن “السياسة الاقتصادية عليها أن تأخد بالاعتبار الميزة التنافسية للبنان المبنية على الطاقة البشرية وعلى موقع لبنان الجغرافي وعلى طبيعة لبنان، علاوة على الطاقة الاغترابية بخاصة أن وزارة الاقتصاد لديها دور متقدّم في المفاوضات مع صندوق النقد. وبالتالي، على الوزارة المعنيّة رسم سياسة اقتصادية ليست فقط مبنية على حماية المستهلك والتي هي جزء من عملها اليومي، لكن عليها أن تؤدي دوراً إضافياً في وضع تصور واضح لإعادة إحياء وتطوير قطاع التأمين والضمان وكيف يجب أن يكون مساهماً بشكل فاعل أكثر في الاقتصاد اللبناني من طريق التشريعات وتشجيع شركات التأمين ودورها في بناء الاقتصاد”.

وبالنسبة إلى كيفية استعادة الثقة، يقول بعاصيري: “هناك عنصران مهمان لاستعادة الثقة: أولاً الميزة التنافسية الداخلية، وثانياً العالم الاغترابي اللبناني وعلى أساسه يمكننا أن نحدد هويّة لبنان الاقتصادية خصوصاً أن لبنان لطالما تغنّى بهويته القائمة على الخدمات لكن لا يمكننا الاعتماد على ذلك فقط خصوصاً أن لبنان يقع في صلب قضايا منطقة الشرق الأوسط التي تشهد حروباً دائمة تهدد استمرارية هذا النوع من الاقتصاد. لذا علينا أن نجد أفكاراً متنوعة لكن برأيي يبقى اقتصاد المعرفة الأهم للبنانيين المتعلمين والمثقفين الذي يمكنهم من خلال التكنولوجيا من تفعيل التجارة مع الخارج. علينا أيضاً إعطاء أولوية للثقافة والاقتصاد الجامعي لأن لبنان كان يخرّج كل الطاقات البشرية وليس اللبنانية بل أيضاً العربية وحتى الأجنبية إلى حد ما. لذا لدينا هذه الميزة التنافسية لكن يجب أن يكون الاقتصاد مستداماً خصوصاً أن لبنان معرّض لخضّات وهزّات وحروب أهليّة وعلينا أن نأخذ هذا الأمر بالاعتبار”.

ويختم بعاصيري: “علينا ألا ننسى أهمية إعادة لبنان الى حضنه العربي الطبيعي. كما يجب أن لا ننسى أبداً الحفاظ على وجود مئات آلاف اللبنانيين في بلاد الاغتراب ولا سيما الموجودين في الخليج العربي”.

شارك المقال