عبد اللهيان “يتشاطر” لتشريع النفوذ عبر الحكومة

وليد شقير
وليد شقير

أنهى وزير خارجية إيران حسين أمير عبد اللهيان زيارته إلى منبر بيروت السياسي والإعلامي، بعد ساعات مما يفترضه إغراءات وعروض واستعدادات لتنفيذ مشاريع كبرى في لبنان.

في مطلع زيارته تحدث عبد اللهيان عن “التشاطر” مع لبنان في العديد من المواقف، قاصدا “التشارك” في التوجهات السياسية، طالما أن طهران استطاعت أن تفرض نفوذها على السلطة السياسية في البلد منذ نجاح “حزب الله” في إيصال العماد ميشال عون إلى رئاسة الجمهورية في العام ٢٠١٦.

إلا أن عبد اللهيان حاول أن “يتشاطر” على اللبنانيين لأنه يعلم أن أكثريتهم لا تتشارك أو تتشاطر معه المواقف والتوجهات السياسية.

قضى الاستعراض السياسي الإعلامي الذي قام به الوزير الإيراني كعادة المسؤولين الإيرانيين، بأن يأخذ اللبنانيين وقواهم السياسية كلهم على أنهم مثل “حزب الله” الذي يتعاطى مع طهران على أنها قبلته السياسية.

مع الاندفاعة الإيرانية المُحدثة في اتجاه لبنان. زار عبد اللهيان بيروت على “صهوة” بواخر المازوت، وعلى ظهر التفاهم الفرنسي الإيراني حول إنهاء الفراغ الحكومي ووسط التباس المواقف الأميركية من أبعاد الإعفاءات للبنان ومصر والأردن وسوريا من عقوبات قانون قيصر على تمرير الكهرباء الأردنية والغاز المصري إلى لبنان عبر الأراضي السورية.

الوزير الإيراني نفى أن تكون الحكومة ولدت نتيجة التواصل بين الرئيسين الفرنسي والإيراني، وبدا أنه لا يريد حتى أن يتشاطر مع باريس قيام الحكومة الجديدة، معتقداً أن باستطاعته إيهام اللبنانيين بأن بلدهم مستقل وذو سيادة، متجنباً الاعتراف بأن القيادة الإيرانية اختارت الوقت المناسب لها من أجل الإفراج عن حكومة لبنان. فضلاً عن تفاديه الإيحاء بالتدخل لدى “حزب الله” ليطلب من حليفه عون تسهيل ولادتها. هو رمى رفض الوصاية الخارجية على اللبنانيين، بعد أن وقعت الواقعة وفرض التدخل الإيراني من الخلف، وعبر حليف طهران الموثوق والمطيع، الفريق الرئاسي و”التيار الوطني الحر” فراغاً حكومياً دام ١٣ شهراً أوقع البلد بمزيد من العوز والفقر والعتمة، بحيث بات موضوع تنافس على انتشاله من الحفرة، يمكن لطهران أن تصبح شريكاً فيه.

بعد أن سعت طهران إلى الشراكة في إدارة شؤون البلد، عبر معادلة الجيش والشعب والمقاومة، أضاف عبد اللهيان إلى تلك المعادلة ركناً رابعاً هو: الحكومة. إذ أن طموحها لأن تقتحم المنافسة على دور اقتصادي في لبنان، من خلال المشاريع التي اقترح تنفيذها في بناء محطتي كهرباء في بيروت والجنوب، وإعادة إعمار المرفأ، وبيع المحروقات، والاتجار بالمواد الغذائية وبالأدوية و”المستحضرات الطبية”، يحتاج إلى موافقة الحكومة. تسعى طهران إلى تشريع انتقالها إلى لعب دور اقتصادي عن طريق الحكومة، إذا كانت تنوي ترسيخ نفوذها السياسي على المسرح اللبناني الذي تعارضه أكثرية اللبنانيين ومعظم طوائفهم، وهذا غير ممكن أن يتم عن طريق المعابر غير الشرعية، انطلاقاً من مرفأ بانياس كما هي الحال بالنسبة إلى المازوت والبنزين.

يسابق عبد اللهيان مفاوضات فيينا، التي أعلن قبل زيارته بيروت وأثناءها أن بلاده ستعود إليها، باستعراض نفوذ بلاده في الدول التي سيطرح الجانب الأميركي ومعه سائر الدول الأوروبية مطلب وقف تدخلاتها فيها، والتي يعتبر المجتمع الدولي أنها تدخلات تزعزع الاستقرار الإقليمي. وليس صدفة أن يسعى لاقتحام مجال المنافسة على الدور الاقتصادي في لبنان قبل ساعات من انتقاله إلى سوريا. فطهران سعت إلى ترسيخ نفوذها في بلاد الشام، الذي تتنازع مع روسيا عليه، ليس عبر وجودها العسكري فحسب بل عبر حضورها الاقتصادي والتجاري والعقاري أيضاً حيث استحوذت على العديد من المساحات في دمشق العاصمة وريفها وصولاً إلى الحدود مع لبنان، وفي الجنوب السوري. وهي في لبنان لا تزاحم الدول الغربية القديمة الجذور في البلد فقط، بل تزاحم أيضاً المساعي الروسية، لأن موسكو سبقتها إلى سوق استخراج النفط لشراكتها عبر “نوفاتك” مع “توتال” الفرنسية و”إيني” الإيطالية، في الحصول على ترخيص التنقيب عن النفط في المياه اللبنانية، فضلاً عن إبدائها الاستعداد للمساهمة في إعادة إعمار المرفأ الذي بات قضية سياسية وأمنية على الصعيد الدولي، وليس استثماراً اقتصادياً. بات جموح الدول نحو تقاسم النفوذ في لبنان امتداداً للتزاحم على سوريا انسجاماً مع وحدة المسار والمصير في الدولتين حيث اضمحلت الدولة فيهما لصالح التفكك والاهتراء.

يستثمر عبد اللهيان في العتمة السياسية اللبنانية التي تنتج العتمة في إنارة حياة اللبنانيين، لكن مفعول استعراضاته ورسائله من المنبر اللبناني لن تظهر قريباً سواء سلباً أو إيجاباً.

شارك المقال