بين بولندا وبيلاروسيا… مأساة يعيشها لبنانيون!

احمد ترو
احمد ترو

بات يفضل المواطن اللبناني مواجهة الموت والذل في البلاد الأوروبية على أن يعيش مذلول الكرامة في وطنه. عائلات لبنانية وشباب يهربون من واقع مرير نحو واقع أكثر مرارة، غير أن الأمل في فرصة حياة أفضل يبقى دائماً المحفز لهم ليدخلوا مغامرة السفر غير الشرعي.

في السابع والعشرين من أيلول الماضي، حجز العشرات من اللبنانيين تذاكر سفر إلى بيلاروسيا، طامعين بالدخول إلى الأراضي البولندية لكي يعبروا منها إلى أوروبا، لكن محاولتهم باءت بالفشل، وذلك بسبب إعلان بولندا وليتوانيا حالة الطوارئ على الحدود مع بيلاروسيا، لمنع تدفق اللاجئين نحو دول الاتحاد الأوروبي. وما زال المهاجرون اللبنانيون حتى الآن عالقين بين الحدودين. فيما انتشرت العديد من مقاطع الفيديو تظهر مأساة حقيقية يعيشها هؤلاء، بالإضافة إلى أشخاص من سوريا والعراق وفلسطين وآخرين من جنسيات عدة.

تسجيلات صوتية

وفي تسجيل نشره موقع “الشمال عاصمة طرابلس” طالبت فتاة بالعون من أحد مكاتب السفر في لبنان: “أرجوك إفعلي شيئا… أقسم بأنني أكاد أموت، وأهلي لا يعلمون مكاني… لا أريد أن أموت هنا، ومستعدة لدفع أي مبلغ تطليبنه مقابل إنقاذي”.

كما انتشر مقطع فيديو لامرأة من الجنسية السورية تدعى بشرى المعلم تقول فيه: “جاءت الشرطة البولندية إلينا وقالوا لنا، إننا هنا بطريقة غير شرعية. أخذونا إلى الحدود (مع بيلاروسيا)، ثم بدأوا يتقاذفوننا مثل كرة القدم لمدة 20 يوما، إذهبوا… إذهبوا. لم نتوقع أن يحدث هذا الأمر لنا”.

حجة اخترعها القنصل

تقول شقيقة الشاب محمد علاوي وهو أحد العالقين بين الحدودين لـ”لبنان الكبير”: “ذهب أخي برفقة مجموعة من اللبنانيين إلى بيلاروسيا في محاولة للدخول إلى أوروبا، لكن بسبب إعلان بولندا حال الطوارئ على حدودها لمنع تدفق اللاجئين إلى دول الإتحاد الأوروبي، هم الآن ممنوعون من الدخول إلى بولندا وكذلك إلى بيلاروسيا، كما أنهم ممنوعون من العودة إلى لبنان على الرغم من دخولهم بطريقة شرعية إلى بيلاروسيا، وجوازات سفرهم بحوزتهم، وبالتالي هم أعربوا للشرطة وللمعنيين في بيلاروسيا عن رغبتهم بالعودة إلى الأراضي اللبنانية لكنهم جوبهوا بالرفض، أما بالنسبة للطعام والشراب، فتقدم لهم وجبات من البطاطا بين فترات متفاوتة بشكل كبير”.

وتضيف: “تواصلنا مع وزارة الخارجية اللبنانية، ومع السلطات المختصة، ومع القنصل اللبناني في بيلاروسيا غيفارا سليم، الذي أفادنا بأنه قام بعمليات بحث على الحدود لكنه لم يجد أحدا، وبصراحة أنا ارى أن هذه حجة اخترعها القنصل ولم اصدقها ابدا. فكيف لم يجد احدا في الوقت الذي يوجد فيه آلاف المهاجرين على الحدود”.

العالقون يرفضون العودة!

مصادر خاصة أفادت “لبنان الكبير” بأن “سفير لبنان في موسكو شوقي بونصار تابع الوضع بشكل مباشر مع القنصل الفخري للبنان الموجود في بيلاروسيا غيفارا سليم الذي عرض على المهاجرين اللبنانيين العودة إلى لبنان لكنهم رفضوا، معنى ذلك أن موضوع العودة إلى لبنان ليس من أولوياتهم، فهم هربوا من لبنان وتكبدوا مشقات الطريق والتكاليف ليس ليعودوا إليه مجددا”.

وفي السياق عينه، تقول المصادر: “صار هذا الممر معروفا لأكثر من جنسية من ضمنهم اللبنانيون الذين ما زالوا الأقلية، وبات هذا المعبر منفذاً لكل من يرغب في السفر بطريقة غير شرعية. فهم يذهبون إلى بيلاروسيا، طمعا بالدخول إلى بولندا، ومن هناك إلى أوروبا، وتحديدا ألمانيا”. وتضيف: “يصل المهاجرون إلى الحدود البيلاروسية – البولندية، وهناك تردهم الشرطة البولندية إلى بيلاروسيا، وإذا كانت معهم جوازات سفرهم يترك لهم الخيار بالعودة إلى لبنان ولا يتم اعتقالهم. فبسبب الأوضاع الصعبة في لبنان يرفض هؤلاء العودة، ويصمدون لحين إيجاد طريقة ما يدخلون من خلالها إلى أوروبا”.

وتستطرد: “تواصلت وزارة الداخلية مع الأشخاص العالقين، لكنهم أبدوا رفضهم لفكرة العودة، وأطلقوا شكواهم من سوء الحال في لبنان، أملا منهم أن يكملوا مسيرتهم نحو أوروبا، لكونهم لا يريدون خسارة قضيتهم. السفارة تساعدهم في حال كانت أوراقهم الرسمية غير كاملة وترسل لهم جوازات سفر. أما بالنسبة إلى هؤلاء فأوراقهم كاملة، إذا تكمن المشكلة في أنهم متمسكون بالدخول إلى أوروبا عسى أن يتحقق مسعاهم”.

وتتابع المصادر: “السفارة اللبنانية لا تستطيع أن تؤمن لهم الدخول إلى أوروبا، فيما يتم التساهل معهم من السلطات في بيلاروسيا وحتى الآن لم يجبروا على العودة إلى لبنان. كما أن السلطات البولندية أو الطرف الأوروبي لم يستقبلهم، حينها سيكون أمامهم إما البقاء في بيلاروسيا لأن وجودهم شرعي هناك، او العودة إلى لبنان”.

نصيحة من القنصلية

تواصل “لبنان الكبير” مع القنصل اللبناني في بيلاروسيا غيفارا سليم، من أجل تفاصيل أكثر حول ما يجري، فقال: “حدود بيلاروسيا بعيدة من المدينة التي يوجد فيها القنصل نحو 400 كيلومتر حيث يوجد 3 لبنانيين فقط وخمسة آلاف مهاجر من جنسيات مختلفة، يريدون العبور إلى أوروبا بطريقة غير شرعية، والقنصلية خاطبت وزارة الخارجية البيلاروسية، وطلبت منها أن تزودها بالتفاصيل حول اللبنانيين العالقين على الحدود”.

ويضيف: “اتصل بنا الأشخاص العالقون منذ نحو أسبوعين، وبعدها انقطعت إتصالاتهم، وطلبوا من القنصلية أن يكملوا رحلتهم نحو أوروبا أو يعودوا إلى لبنان، وردت القنصلية بأنها لا تستطيع أن تساعدهم على السفر بطريقة غير شرعية”.

تداول كلام غير دقيق

ونفى القنصل كل ما يتم تداوله عبر شبكة “الإنترنت” ومواقع التواصل الإجتماعي، من أخبار تفيد بأن المهاجرين محرومون من الطعام ويتعرضون لسوء المعاملة، إذ أكد أن “السلطات في بيلاروسيا، تقسمهم مجموعات وتمنعهم من الدخول وحدهم إلى الغابة التي تبلغ مساحتها نصف مساحة لبنان. والكلام على أنهم مرضى ويتعرضون للعنف غير دقيق، ونشر أخبار كهذه في مواقع التواصل الإجتماعي مرات عدة، دفعت حرس الحدود للتأكد من الأمر، وبعد التأكد تبيّن أن كل هذا كان مجرد شائعات”.

وفي سياق متصل، يقول سليم: “هناك بعض الأشخاص يقيمون في مدينة مينسك وهي ليست على الحدود ويأكلون في المطاعم، وينشرون في مواقع التواصل بأنهم محرومون من الطعام وبلا مأوى، ومنذ فترة أخبرنا بعض العالقين عن تعرضهم لإطلاق النار من البيلاروسيين، لكنهم كانوا يكذبون، وكلامهم غير دقيق”.

ويختم القنصل: “نحن قمنا بواجبنا وتواصلنا مع السفارة بموسكو، ووزارة الخارجية بلبنان وكذلك وزارة الخارجية في بيلاروسيا، وطلبنا منها إخبارنا عن احتمال وجود لبنانيين محتجزين لديهم، لكننا تأكدنا من عدم إحتجاز أي منهم، هذا يعني أن معظم ما يتم تداوله غير دقيق، فيما لا يتم إجبار أحد على العودة إلى لبنان، لكن إن أرادوا ذلك فيمكنهم شراء تذاكر سفر، ونحن بدورنا نتواصل مع حرس الحدود الذي أبدى استعداداً لنقلهم إلى أي مكان يريدونه”.

شارك المقال