تبدو “قضية” القاضي طارق البيطار أول لغم كبير ينفجر في حكومة الرئيس نجيب ميقاتي، او بالاحرى اللغم الذي انفجر قبل غيره، ما دام أن الاداء العام لا يزال كما كان قبل الآن بقليل وكثير .
بالتكافل والتضامن والتناسق، يتابع حزب ايران والثنائي ميشال عون وصهره جبران باسيل تقديم اداء قديم على واقع جديد. وكأن الامر مسألة وقت قبل ان يخضع الركب الوزاري لاول امتحان كبير وجدي… ويفشل! ولا يعدّل النتيجة او يخفف منها، واقع ان عون وباسيل يتمايزان عن راعيهما حزب ايران في قضية القاضي بيطار، علما ان هذا التمايز يطال الشكل وليس المضمون ويراعي عند كل طرف حسابات جمهوره الطائفي والمذهبي وحقيقة حاجة جبران الى المزايدة مسيحياً على اخصامه في هذا الملف كما في غيره.
الواقع المضاد يفيد بأن عون سبق حزب إيران إلى اعلان رفضه اي تحقيق دولي بانفجار المرفأ. وبقي ولا يزال على موقفه الاول الذي يتماهى مع موقف حزب ايران بالتمام والكمال والإكرام، بحيث ان الطرفين لا يريدان من التحقيق المحلي الوصول الى اي نتيجة واضحة ومحددة وحاسمة، ولها ما يليها من خطوات وتداعيات، بل انهما يتشاركان “العلم والخبر” في شأن كل حيثيات القضية في تفاصيل تفاصيلها: يعرفان وينكران… ويتناغمان في الخلاصة لكنهما يتجادلان علناً في بعض آليات التعامل مع سيرها وسيرتها، ومع الضغوط المحلية (قبل الدولية) للوصول الى “الحقيقة” والدخول في ما يسمى “معاقبة” الجناة! وهؤلاء في عُرف العامة كثر وإن تدرجت نسب المسؤولية وتنوعت وذهبت الى التركيز على التقصير قبل التدبير! وحصر الجدل والنقاش ونتف الشعر في خلل وظيفي وليس في الجرم الاول عينه! وكأن المطلوب تصعيد برّاني يغطّي على الاصل والاساس… اي على الجهة المعروفة التي جاءت بالنيترات المتفجرة واشتغلت بها على مدى سنوات، داخل سوريا بشار الاسد وخارجها!
بل اكثر من ذلك بقليل: يستند طرفا النزاع الاهلي الداخلي في هذه القضية (كلهم في خندق سياسي ممانع واحد!) على حقيقة ان الذهاب في التحقيق الى خواتيمه ليس أمرًا مرغوباً، لا اميركياً ولا اوروبياً! وان كثرة الضخ التهويلي الدولي هنا، لا تخرج عن حدود المناكفات الثقيلة مع ايران! ولا عن حدود التواطؤ على إبقاء الانفجار وأسبابه طي الغموض والكتمان الاكيدين!
تحت ذلك السقف، يتسلى حزب ايران وحليفه العوني باللبنانيين وبأهل الضحايا ويتابعان معا ذلك الاداء السياسي الذي دمّر الدولة ومؤسساتها وهتك حرماتها وزعزع كيانها وضرب هيبتها في كل مجال عموماً وفي الناحيتين الامنية والقضائية خصوصا. ولا يقدم او يؤخر في هذه الخلاصة ادعاء فريق عون الحرص على مواصلة التحقيق! وهو المتهم الأول بازدراء القضاء والتدخل في عمله من خلال تجميد التشكيلات القضائية التي وضعها أهل الاختصاص ورفضها علنًا وجهاراً نهاراً رئيس الجمهورية ومن دون ان يأخذ في الاعتبار، لا الدستور ونصوصه وأحكامه، ولا سلطة مجلس القضاء الاعلى، ولا مبدأ الفصل بين السلطات!
ولا يمكن احد ان يتغاضى او يتغافل عن حقيقة ان عون وصهره “يجتهدان” في استثمار كارثة انفجار المرفأ ضد اخصامهما مسيحيًا ووطنيًا ويحاولان توظيفها في سياق حسابات صغرى وكبرى، بعضها لهوي كيدي مع مفعول رجعي! وجلّها لأهداف مستقبلية تتصل بالانتخابات والرئاسيات.
حزب ايران من جهته يتصرف من ضمن مدونة سلوكه المعتادة لكنه ليس قلقا بالقدر الذي يظهره! يعرف حدود المسرح والمسرحية! ويعرف ان الخارج الدولي يناور فعلاً وان الحقيقة في مكان بعيد ولا احد يريد الذهاب اليه لاحضارها… لكنه حزب بدأ يتعب محليا اكثر مما هو متعب خارجيا: التفلت داخل بيئته نتيجة الانهيارات الكارثية في متطلبات العيش والخدمات الاساسية ليس عادياً ولا مسبوقاً. ثم يضاف إليه التفلت السياسي الذي خرج عن عادياته بين حلفائه في قضية المرفأ! وهو في ذلك لا يتحمل ان يصير التمايز اختلافا. ولا ان ينتج الاستثمار خسارة. ولا ان تذهب المناورات الى حدود تسجيل ضربات تحت الزنار! وان تهدد هذه بخلخلة إضافية لبيئته المذهبية… او ان تطغى حسابات بشار الاسد على حسابات ايران عند الثنائي عون وباسيل!
الطرفان المتحالفان وصلا الى نقطة افتراق حساسة: لا عون وباسيل يستطيعان التراجع في قضية بيطار في وقت يحصد سمير جعجع ثمار خطاياهما الكثيرة والمتراكمة، ولا حزب ايران يستطيع الإذعان لمنطق القضاء والقانون والعدالة! ولا القبول بلعب “غير نظيف” من اي فريق، حتى لو كان الجميع يلعب بإشرافه وتحت سقفه.
هذا لغم انفجر سريعا وباكرا في حكومة ميقاتي بعدما داس لاعب متهور عليه! لكن الغام هذه الحكومة كثيرة وبعضها سينفجر حكماً طالما ان السارحين في ملعبها هم ذاتهم الذين سرحوا على مدى السنوات الماضيات ولم يتركوا خلفهم سوى اليباب والخراب .
القصة كبيرة لكنها تكاد تكون “شأنا داخليا ممانعا” اكثر من كونها مأساة وطنية تضاف الى المآسي التي سببتها تلك المنظومة للبنان وأهله في الاجمال.