fbpx

خريف جنبلاط أو خريف لبنان؟!

عبدالله ملاعب
تابعنا على الواتساب

بعد حادثة الطيونة الخميس الماضي، انتظر جمهور وليد جنبلاط قبل حلفائه مواقف مغايرة عن تلك التي أخذها ولا يزال. صورة جنبلاط الذي وقف ذات يوم بوجه النظام السوري وقاد انتفاضة 14 آذار هي التي يتوق إليها جمهوره والأكثر حضوراً في أذهان حلفائه وكل من آمن ذات يوم بثورة الأرز، قيادات وشعباً.

هي المواجهة التي كانت عنوان السياسة لجنبلاط طوال عقود طويلة. ذكَّر حسن نصرالله بمحطاتها الاولى في كلمته الاخيرة مساء الاثنين في معرض هجومه على سمير جعجع، إذ تحدث عن حرب الجبل التي كانت أولى المعارك التي خاضها جنبلاط ضد حليفه المسيحي اليوم، حتى إشعار آخر.

وفي الوقت عينه، صورة جنبلاط القيادي العسكري هي الحاضرة دائمًا في أذهان خصوم اليوم الذين لا ينسوا زعيم المختارة حينما رأس جيشًا شعبيًا بعديد وعتاد واجه بهما شخصيات حطمت لبنان ولا تزال. لكن جنبلاط اليوم ليس كما كان إبَّان الحرب الأهلية التي خرج منها في لحظة مَهَدَ لها الاقليم ودخل رحاب الدولة والمواطنة ودستور الطائف. وهو أيضًا ليس زعيم ثورة الأرز التي خرج منها حينما أدرك قوة الدعم الروسي للأسد وافتقار واشنطن إلى العزم اللازم لمواجهة روسيا بشأن سوريا ودورها في لبنان.

في المحطتين، قرأ وليد جنبلاط حركة الكواكب وطوى صفحات لا يريد العودة اليها. تماماً كرفضه العودة الى أيار 2008 حينما واجه “حزب الله” وانتصر عليه في الجبل.

جنبلاط تخلى عما أسماه يوم حادثة الطيونة “الأحلام القديمة” المتعلقة بالقضاء على السلاح غير الشرعي. ودعا جعجع لذلك مذكراً بالاستراتيجية الدفاعية القادرة على معالجة هذا الملف بهدوء إن ثمة من داعٍ لفتحه اليوم.

مصادر مقربة من رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي فسرت لـ”لبنان الكبير” مواقف جنبلاط الأخيرة “النابعة من خوف لديه من لعبة الدم” التي باتت معالمها واضحة. وذكرت المصادر “بخطورة هذا الامر الذي جرَّ البلاد الى حرب أهلية لخمسة عشر عاما” متوجهة بالقول لمن يريد تغيير المعادلة السياسية في البلاد وتبديل موازين القوى أن يقوم بذلك في السياسة لا في الميدان.

وفي معرض الاستفسار عن الفتنة التي حذر منها وليد جنبلاط في عين التينة ونسبها لدول خارجية، أشار المصدر الى سياسة رفع السقوف المتبعة من ايران التي لم تتراجع بأدائها لا باليمن ولا بسوريا ولا بلبنان، وذلك قبل العودة الى محادثات فيينا التي تجمع الايرانيين بالاميركيين. المصدر ذكر أن وليد جنبلاط كان من “أوائل المرحبين بمنطق الحوار لا سيما بين ايران والمملكة العربية السعودية. واليوم هذا الحوار بات واقعاً”، لذلك يُذكِّر جنبلاط بعض الافرقاء بالداخل عما يجري في الاقليم كي لا يكون لديهم حماسة مفرطة. فالكل اليوم على طاولة الحوار مع طهران ومؤشرات بدء ذوبان جليد العلاقات بين الرياض وطهران باتت اليوم واضحة.

وفي الإطار عينه، يستمر الاشتراكي في إصراره على ضرورة “معالجة الانكفاء العربي عن لبنان الذي وضع لبنان بعزلة”، كما أشار المصدر الذي تحدث عن العلاقة التاريخية بين السعودية والمختارة وركز على أهمية اعادة لبنان الى الخريطة العربية.

بات واضحاً اليوم ان جنبلاط الذي يرى الاولوية في معالجة القضايا الاجتماعية والاقتصادية والتربوية ودعم مقومات صمود مجتمعه كما ينقل عنه المقربون منه، لن يصطف مع جعجع ولا مع حزب الله فهو يرفض هذه المغامرة. وقد بان ذلك في كلامه الاثنين عندما أراد درء الفتنة من منبر يعزه ويحترمه، من عين التينة التي منها أخمد وليد جنبلاط النيران في أكثر من محطة من تاريخ هذا البلد ومع أُستاذها حافظ على التوازنات في هذا البلد الدقيق الذي لا يحتمل المزيد من الدماء والشهداء والميليشيات.

في عين التينة، كان جنبلاط واضحاً. فسَّر “الخلل الإجرائي” الكامن في إصدار مذكرة توقيف قبل إبلاغ المدعى عليه، ولم يبدل موقفه من القاضي بيطار الذي يدعوه لاستكمال تحقيقاته لتشمل الجميع مع الانفتاح على مخرج قانوني لا سياسي للازمة المستجدة لربما عبر إنشاء هيئة عدلية اتهامية تحت قاعدة ثابتة تُنقل عن الاشتراكي وهي: “إن أي حل سياسي يأتي على حساب القضاء، يضعف القضاء لا بل ينهيه”.

الأكيد أنَّنا اليوم في خريف لبنان الذي يموت شعبه إمَّا من الجوع او برصاصات طائشة كان الاجدر بأصحابها إطعام جائعٍ او ربما سدّ جوعهم. والأكيد أنَّ هذا الخريف سيطول ان اصطفت القوى خلف المتخاصمين وجرفت معها الاصلاحات والعمل الجدي لسحب اللبنانيين من الدرك المظلم.

إشترك بالقائمة البريدية

شارك المقال