“17 تشرين”… والوقوع رهينة المشروع الفارسي!

يارا عرجة
يارا عرجة

يستذكر اللبنانيون اليوم مأساة 17 تشرين أو وهم التحرّكات الاحتجاجية التي أطلقنا عليها اسم “ثورة”، والتي رافقتها شعارات توحي ببقائنا في الشارع حتى تحقيق المطالب، فكانت تلك الاحتجاجات مجرّد فوضى، “همروجة صغيرة”، كانت كلّ شيء وأيّ شيء، إلاّ ثورة. يُقال إن “من يصنع نصف ثورة يحفر قبره بيده”، وهي حالنا اليوم، إذ أثبت الزمن أنّ نيران 17 تشرين خبّأت تحتها جمراً هبّت عليه رياح الشرق، فأحرق الدولة بمؤسساتها واقتصادها، لكن لم يتمكّن من نظامها.

من المعروف تاريخياً تقلّب الثورات بين المدّ والجزر مثلما حصل مع الثورة الفرنسية مثلاً. ومن المعروف أيضاً أنّه بحسب لينين، دائماً ما تكون القضية المركزية في أيّ ثورة قضيّة سلطة. إلاّ أنّ احتجاجاتنا من الشمال إلى الجنوب لم تُطِح الرؤوس التي ثارت عليها ولم تُنصف المواطن معيشياً في ظلّ أكبر أزمة اقتصادية في العالم، على الرغم من إطلاق شعارات محاربة الفساد. ولعلّ اصطدام تلك التحرّكات بالعديد من العراقيل كالثورة المُضادة (أي ثورة المُتحزبين للدفاع عن زعيمهم)، وتعددّ الرايات والأولويات والولاءات، أدّت إلى سقوطها لأنّها لم تقدم بديلاً سياسياً مقنعاً ولم توفّر الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي. فشلت لأنّها لم تمسّ بالمقامات ولم تتخطَّ الخطوط الحمر. وفشلت لأنّها استثنت وتقيّدت وتحزّبت. وفشلت لأنّها مُبعثرة، مُشتتة، مُفككة، مُبرمجة على مزاج حزبي وتوقيت متقطّع. فكانت ضريبة هذا الفشل التنظيمي والتكتيك الهش، وقوع لبنان رهينة المشروع الفارسي العسكري والاقتصادي الذي يعيش اليوم لحظاته الأخيرة في المنطقة. 

نبذة عن المشروع الإيراني

وُلد المشروع الإيراني منذ مئات السنين في بلاد فارس، وهو يقضي بإعطاء الفرس حقّ الزعامة على المسلمين باعتقادهم أجدر من العرب والترك بذلك. إلاّ أنّه يرتكز إلى أهداف إيديولوجية تقضي بتجنيد أتباع الطائفة الشيعية في العالم العربي والمنطقة لخدمة طهران ومصالحها الأمنية والسياسية، تطبيقاً “لنظرية أمّ القرى” المشابهة للصهيونية، والتي تعتبر إسرائيل “أرض الميعاد” ليهود العالم، مما يجعل أتباعها مجبورين على خدمتها وحمايتها. وترى إيران أنّها تحتاج إلى سلاح نوعي يضمن استقرار نظامها وتوسعه في المنطقة لترهيب الدول المعادية لمشروعها، فابتكرت السلاح النووي وما زالت تتمسك به للأسباب عينها. 

أسباب فشل المشروع الإيراني في لبنان

1- تململ اللبنانيون من تشكيلة وأداء الحكومات اللبنانية المتوالية الأخيرة المُكّلفة تنفيذ الأجندة الإيرانية في لبنان، فكانت التحرّكات الشعبية رداً على فشل النظام الإيراني.

2- استمرار الاحتجاجات والمواجهات بوجه “حزب الله” والأحزاب الموالية له ورموز النظام في لبنان التي يحميها الحزب بسلاحه.

3- انهيار الاقتصاد اللبناني وفشل الحلول البديلة التي يقدمّها “حزب الله” كالمحروقات الإيرانيّة مثلاً التي تبيّن أنّها تضرّ المحرّكات. هذا إضافة إلى تردّي الخدمات الاجتماعية ولا سيّما الصحية والتعليمية منها، مما يشير إلى الدمار الذي ألحقه النظام الإيراني بمؤسسات الدولة.

4- شدّ العصب الطائفي والتهديد بنشوب حرب أهليّة كلّما كان “حزب الله” في خطر. في هذا الإطار لا بدّ من التطرّق لحادثة خلدة والجميّزة وأخيراً معركة الطيونة وعين الرمانة التي تكشف نوايا الحزب. 

معركة الطيونة وعين الرمانة

لا يختلف المشروع الإيراني الشمولي عن النازية في تبنّيه للرغبة التوسعية والعنصرية واستخفافه بالمجتمع الدولي، وبالأخص بالعنف والقتل. ففيما تتجه أصابع الاتهام نحو حزب الله فيما يخص تفجير المرفأ، يلجأ هذا الأخير كعادته، للعبة القتل والدم لتشتيت الانتباه وصرف النظر عن الحقيقة. فكانت الطيونة هي الهدف هذه المرّة لإبعاد الشبهات وتغيير المعادلات.

للتوضيح، لا يخشى “حزب الله” المحاكمة، لا بل يخشى الأعظم بعدما خسر في 4 آب حرب الصورة، لأنّ معركته مع أهالي الضحايا قد تغيّرت وتحوّلت إلى معركة بين مجرم وضحية. بمعنى آخر، يخاف “حزب الله” أن يخسر صورته في البيئة الشيعية التي بدأت تختنق جراء الأزمة الاقتصادية، لأنّه حزب إيديولوجي يستثمر في دم الشهداء وملحمة الحسن والحسين التاريخية. لذلك، كان “حزب الله” بحاجة لتقديم بعض الشهداء في الطيونة للاستثمار من جديد، فتتحوّل بالتالي المعركة من معركة بين جلاد وضحية إلى معركة بين ضحايا المرفأ من جهة وضحايا “التظاهرة السلمية” من جهة أخرى. وهنا أيضاً، يتّضح تململ الطائفة الشيعية من مواقف الحزب، مما يشير إلى تقلّص النفوذ الإيراني في لبنان.

إنّ تحرّكات 17 تشرين، وعلى الرغم من هشاشتها وثُغرِها، تواجه أكبر وأخطر احتلال في تاريخ لبنان. احتلال لن يزول إلاّ مع نزع السلاح غير الشرعي، ومحاكمة فعلية لمن خطط ودبّر ونفّذ كلّ الاغتيالات التي شهدها لبنان مروراً بتفجير المرفأ. المجرم هو نفسه، والحقيقة، حتى لو لم تُسدل الستارة عليها يوماً، فهي معروفة. وما هذه الهيستيريا إلاّ دليل على تورّط “حزب الله” بالجريمة، فضلاً عن تهديده لابراهيم حطيط.

شارك المقال