مقاعد المغتربين الستة… لتعويض الخسارة في الداخل

محمد شمس الدين

“التيار الوطني الحر” لم يتسلم وزارة إلا وسيطر على كل مفاصلها وعاث فيها فساداً، وزارات أصبحت تحتاج إلى عقود لاجتثاث العبث البرتقالي بإدارتها، عدا عن الفساد المشرعن فيها. ومن هذه الوزارات، وزارة الخارجية، التي سيطر عليها الصهر المدلل لسنوات طوال.

هذا التيار الذي أصبح يُضرب المثل بفساده عالمياً، يطالب اليوم بإقرار الدائرة الـ16 في الانتخابات النيابية المقبلة، أي أن يكون هناك 6 نواب للمغتربين في المجلس النيابي المقبل، فهل يثق التيار بقواعده الشعبية في الخارج؟ أم هناك قطبة ما مخفية؟!

تلاعب في انتخابات المغتربين

لأول مرة في تاريخ لبنان أُدخل مفهوم النسبية في الانتخابات النيابية الماضية عام 2018، كما أنها أول مرة اقترع فيها المغتربون اللبنانيون، لكن سجلت هذه الانتخابات العديد من الشكاوى من المواطنين والمراقبين، لجهة التلاعب بنتائجها، وتحديداً انتخابات المغتربين، إذ أشارت مصادر حزبية واغترابية لموقع “لبنان الكبير” إلى أن التلاعب حصل عبر العملية الانتخابية، لأن التيار عبر نفوذه في الخارجية حرص على عرقلة الانتخابات لغير تياره، ولفتت المصادر إلى أن التجاوزات لا تُعد ولا تُحصى، على سبيل المثال:

– التفاوت بأعداد مراكز الاقتراع بين دولة وأخرى، على الرغم من أن أعداد الناخبين متقاربة جداً، مثلاً تم اعتماد 19 مركز اقتراع في فرنسا، بينما في ألمانيا اعتمدت ثمانية فقط، على الرغم من أن الفارق بين أعداد الناخبين هو 100 صوت فقط، ولا بد من الإشارة إلى التفاوت الدائم في الأرقام الرسمية حول أعداد الناخبين المسجلين، التي كانت تختلف وتتغير باستمرار.

– اختفاء عدد كبير من أسماء المواطنين الذين تسجلوا للمشاركة في الانتخابات عبر الموقع الالكتروني الخاص، على الرغم من حصولهم على الموافقة الالكترونية مرفقة بالباركود، وهم لا تنطبق عليهم أياً من التبريرات التي أعلن عنها مثل الأحكام العدلية أو عدم كفاية المستندات أو غيرها من الحجج الواهية، ببساطة مُسحت الأسماء من قوائم الناخبين.

– عدم إصدار أعداد كبيرة من جوازات السفر الخاصة بالعملية الانتخابية، وتأخر وصول ما تم إصداره منها إلى البعثات الديبلوماسية، منها ما وصل قبل يومين من عملية الاقتراع ومنها ما وصل بعد عملية الاقتراع، مما حرم عدداً كبيراً من المواطنين من المشاركة بالعملية الانتخابية، علماً أن العديد منهم تكبد عناء التوجه إلى مراكز الاقتراع على أمل تسلم جوازات سفرهم من رؤساء تلك المراكز بحسب الآلية المعتمدة، لكنهم فوجئوا بأن جوازاتهم لم تصدر، ولم ترسل إلى مراكز الاقتراع.

– التوزيع الجائر والعشوائي لأعداد كبيرة من المواطنين المسجلين، إذ تم إدراج أسمائهم في مراكز اقتراع تبعد مئات الكيلومترات عن أماكن سكنهم، فمثلاً في ألمانيا وصلت بعض المسافات إلى 800 كلم، وهذا حصل على الرغم من كل المراجعات والمساعي لتصحيح الأخطاء في توزيع الناخبين.

– الاختلاف الكلي بين البيانات التي أُدرجت على الرابط الالكتروني الخاص (أين أقترع) وبين البيانات الحقيقية لقوائم الناخبين التي اعتمدت في مراكز الاقتراع، إذ كان يتوجه المواطن إلى المركز الذي عليه التوجه إليه بناء على الموقع، ليُفاجأ بأنه عليه التوجه إلى مركز اقتراع آخر يبعد مئات الكيلومترات.

– عدم إتاحة أو نشر قوائم الناخبين النهائية للجمهور إلا صبيحة يوم الانتخابات، مع ما تضمنته من اختلاف في البيانات بين القوائم التي كانت في حوزة رؤساء الأقلام وتلك التي نُشرت على مداخل المراكز وسُلمت إلى المندوبين في الماكينات الانتخابية، إذ كان يرد الاسم في القائمة التي بحوزة رئيس القلم، ولا يرد في تلك التي سُلمت إلى المندوب أو نُشرت على مداخل المراكز، مما أدى إلى مغادرة العديد من المواطنين لأنهم لم يجدوا أسماءهم في الخارج.

وفوق كل هذه التجاوزات، استخدم رئيس التيار جبران باسيل وزارة الخارجية كمكتب لحملته الانتخابية، إذ جال العالم تحت عنوان مؤتمرات الطاقة الاغترابية، وهذا وحده يُسقط شرعية العملية الانتخابية، لأنه في الديموقراطيات ممنوع استعمال النفوذ للتأثير في اقتراع الناخب، وإذا اطّلعنا على نتائج انتخابات المغتربين نجد أن أرقام التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية أعلى بكثير من باقي الأحزاب، بل إن نتائج أحدهما هي ضعف أرقام الثنائي الشيعي، مما يدل على خلل في العملية الديموقراطية بمكان ما.

مقاعد المغتربين بعد خسارة المقيمين

رأت مصادر سياسية أن إصرار باسيل على إعطاء 6 نواب للمغتربين، هو محاولة لكسب 3 أو 4 نواب جدد للتيار الوطني الحر، تحديداً بعد الضربة التي تعرض لها التيار وعهده القوي اثر اشتعال تظاهرات 17 تشرين، وخسارة التيار لمقاعد عديدة من المقيمين، عدا عن خسارته حلفاء كثراً، ولأنه يسيطر على مفاصل الديبلوماسية الخارجية اللبنانية. وستتجاوز المخالفات المقبلة التجاوزات التي حصلت في الانتخابات الماضية.

إذاً، التيار الوطني الحر ليس حريصاً على المغتربين أكثر من الأحزاب الباقية في لبنان، وكل همه هو تحصيل مقاعد جديدة بعد الانتكاسة الشعبية التي يعانيها. وإن كان لا بد من التذكير، فإن أول المطالبين بحق اقتراع المغتربين، ومنذ عقود، هو الرئيس نبيه بري، الذي أوجد وزارة للمغتربين بينما أفرقاء آخرون ألغوها، وحينها صرح بري: “هناك من يقول أن لبنان بجناحيه المسلم والمسيحي، وأنا أضيف لبنان بجناحيه المقيم والمغترب”.

لذلك، لن تمر مسرحيات باسيل وتياره على أحد، وكل هذه الإشكالات التي يخلقها هدفها فقط تحصيل مقاعد انتخابية، ليحاول من جديد السيطرة على القرار اللبناني عبر مبدأ اخترعه هو وعمه الوفي بتحويل الحياة السياسية اللبنانية إلى جهنم، تحت مبدأ “القوي بطائفته”، بدلاً من أن تسود المصلحة الوطنية وإلغاء الطائفية السياسية، كما ينص الدستور واتفاق الطائف، الذي يتم خرقه كل يوم في عهدهما.

شارك المقال