جواب تشرشل لا يصلح في جهنم!

عبدالله ملاعب

كانت بريطانيا تقاوم الألمان جاهدةً، وتحاول الصمود بصعوبة إبان الحرب العالمية الثانية، حين سُئِل رئيس وزرائها ونستون تشرشل عنها، وردّ: “إن بريطانيا بخير طالما قضاؤها بخير”. وكان تشرشل مستعدًا أن يرى بريطانيا مدمّرة بالكامل على أن تسيطر عليها العبودية.

ماذا لو سألنا رؤساءنا، نحن شباب “لبنان الكبير”، عن هذا الوطن، وهم بمعظمهم قرأوا مذكرات تشرشل؟ هل يتجرأون على ربط إجاباتهم بالقضاء أو بالعدالة؟ ماذا سيقولون والقضاء في لبنان يُنتهك كل يوم؟ أسئلة كثيرة نطرحها إن نظرنا إلى طريقة تعاطي شعوب العالم المتحضّر وحكوماته مع القضاء، وقارنّاها بواقع القضاء والعدالة في لبنان.

ماذا لو خصّصنا السؤال الذي طُرح على تشرشل لميشال عون تحديدًا؟ هل يقول لنا أنّ لبنان بخير طالما أنّ قضاءه بخير؟ أم سيقول لنا بصريح العبارة أنّنا في جهنم، وإنني سأبقى أتدخّل في القضاء خاطفًا التشكيلات القضائية التي طال انتظارها؟

واقع القضاء في لبنان يشبه لبنان الذي وصلنا إليه، بخرابه وضياعه ووجوه شبابه الشاحبة جراء سلب الطموحات والفرص والأحلام منه. إنّ هذا الواقع تُرجم بمعدلات الهجرة المسجلة في الآونة الأخيرة، لا سيما في صفوف الشباب. فغياب الأطر الحقيقية لإحقاق العدالة ومحاسبة مرتكبي الجرائم على اختلافها يُسهّل منطق الجريمة ويضع المجتمع في الحال التي وصلنا إليها اليوم، إذ لا ضوابط على أي عمل مهما كانت درجة خطورته على المجتمع أو الفرد. وهذا ما نستخلصه من المسار القضائي الحالي في ملف انفجار مرفأ بيروت، إذ صار في البلاد مئات المُحققين العدليين، وصار كل مواطن مُلماً بالقضاء ويتدخل به، وصارت القرارات والمُذكرات القضائية موزّعة بين مجموعات “الواتساب”، كأنها منشورات لشركة إعلانات. لذلك، تزايدت أعداد الشباب المغادرين ليس خوفًا على حياتهم، التي من الممكن أن تنتهي بلحظة بطلق ناري طائش، بل على تطلعاتهم التي ليس من الممكن أن تحظى بأرض خصبة لها في اللادولة هذه، حيث لا أطر قانونية للمحاسبة أو المحاكمة.

وسط هذا الدَرك، يصعب على الشباب تصديق أنّ في لبنان عدالة، ونحن في ذاكرتنا كنا في بيروت، نحتج ونعتصم ونصرخ لأجل العدالة وأخذ الثأر قضائيًا لشهداء ثورة الأرز، من رفيق الحريري إلى محمد شطح. لكن إلى أين وصلنا، وأي عدالة حصدنا وسط هذه الحفنة من المجرمين المحميين دوليًا؟ هل قدرنا أن نصل إلى زمن نتهدّد فيه مباشرة من رجل يَهزّ السبابة بوجهنا ويدخل بيتنا محاولاً إسكاتنا، وفي الوقت عينه ينطق باسم العدالة؟!

صحيح أنّ الأمر مُخزٍ جعْل اليأس يسيطر علينا جاعلاً العدالة من المستحيلات والإحباط قدرًا، لكن الأصح لنا أن نقرّ بأنّ في لبنان شخصيات نجحت في القضاء على القضاء. ومن الواجب الاعتراف بأنّ الضغط على المجلس النيابي لإقرار قانون استقلالية القضاء ضرورة، لكنه حتما لا يكفي. فالمطلوب يتخطّى النصوص والمواد الدستورية.

المطلوب قليل من “الشئمة” السياسية وكثير من المسؤولية والمواطنة القادرتين على وضع حدٍّ لتدخّل السياسيين في القضاء. “ومن هلق لوقتها”، لا تسألوا عن أحوال لبنان، بل اسألوا عن جديد “جهنم”…

شارك المقال