بلا ضوابط!

علي نون
علي نون

يكاد الحكي يصير مثل عدمه في لبنان… بلد منكوب بطوله وعرضه ويواجه مشاكل عويصة كثيرة وكبيرة ومريرة ولا قدرة لاهله ولا لساكنيه من غيرهم، على مواصلة تحمل تبعاتها، ولا الركون إلى آمال مشتهاة للخروج المبكر منها، ومع ذلك فإن بعض صناع القرار فيه يتصرف وفق أجندة ايران وينفذ كل ما تريده، وفي احيان ما لا تريده! باعتبار ان اجتهاد ذلك البعض عندنا، يجعله اعلم منها بمصلحتها في “قضايا” محددة! وازاء أطراف سياسيين محليين وإقليميين ودوليين كثيرين وكبيرين وخطيرين.

ولا يقتصر الامر على الضنى المباشر المتأتي من تلاشي الخدمات والبدهيات الاولية، ولا من ضمور القدرات على مواجهتها في ضوء اندحار قيمة العملة الوطنية واخذها معها في تدرّجها الهابط الى الارض وما تحتها، كرامات الناس وعزة نفوسها، بل يمتد الانكسار ليصل الى العجز التام عن استيعاب وهضم كل ذلك التهتّك الذي ضرب منظومة الصح والغلط من اساسها وجذورها، واخطر ما في ذلك استسهال الافتراض بان البيئة الحاضنة تقبل بأي شيء يفعله الحزب الايراني في لبنان. واي شيء يقوله. واي منطق يكسره. واي معادلة يركّبها بحسب هواه وحساباته !

يتصرف ذلك الحزب مرة اخرى وفق مدونة سلوك لم تتغير مع تغير الأحوال والأزمان، ولم يقدم معتمدها اشارة واضحة، لا بسيطة ولا معقدة، على إيثاره مصلحة لبنان واللبنانيين في زمن المحل والقحط واليأس، على مصلحة أربابه في الجمهورية الايرانية! بل المفارقة انه يقارب كل شأن بصخب زلزالي لا اول له ولا آخِر… ثم عندما يريد استدراك الغلو يقيم احتفالًا علنيًا من دون ضوابط ولا اعتذارات! ومن دون تقديم واجب الاحترام والتقدير لعقول العامة ولناسه قبل غيرهم، واضعا الافتراض السعيد في مكانه المعهود بأن من هم معه سيبقون معه، وفي الجيب، ويأخذون باي كلام، حتى لو قال لهم ان مياه البحر تصلح للشرب! وان سمير جعجع كان يستعد في الرابع عشر من تشرين الاول، لاجتياح الضاحية الجنوبية وانزال قواته المجوقلة في البقاع الشمالي وارسال وحداته النخبوية الخاصة الى الجنوب لإخضاعه من صيدا حتى مرجعيون!

لا يعدّل خطواته ولا خطابه… ويبني قناعاته على ارضية استنفارية مذهبية اولا وأساسًا ومُحكمة الإغلاق على الذات، وعندما تترجم هذه على الارض، كارثة تلو كارثة، وبلاء تلو بلاء، يروح الى تعميم تبريرات لا تحترم احداً. ولا تقيم وزناً للسامعين والقاشعين ولا حاجزا بين المتخيل والواقعي ولا بين الحقيقة والتحريف ولا بين العقل والغريزة! بل يفعل ذلك بهمة المتيقن بان الأسطورة عند المؤمن التابع هي بديهة لا تجادل ولا تناقش!

لا يعرف ربما خطورة تعويد الناس على الإذعان الاعمى. ولا على تغييب المنطق في ابسط احكامه. ولا خطورة ضخ ذاتي مفعم بالغيبيات والمعجزات في عالم واسع تصدم أحكامه وحقائقه ووقائعه ذلك الضخ بجملته، في كل يوم وساعة وكل قضية ومعركة وكل مشكلة ومصيبة !

وكأن صاحب الخطاب لا يستطيع الافتراض بان الناس اليوم تعيش في الجغرافيا وليس في التاريخ. وفي المدن وليس في الثكنات العقيدية والعسكرية. وعلى الارض وتضاريسها وليس في سماء طوباوية مشتهاة. وفي زمن مفتوح وليس في شرنقة مقفلة. وليست في سوادها الاعظم ملتحفة رداءً دينيا بل تلبس وتمشي وتعيش ملتحفة رداءً مدنياً حداثوياً في شكله وموجباته! وانها في الاجمال تسمع وترى وتتلقف ظواهر الغير وتعبيراته تلقائيا وعاديا! وان ذلك في محصلته يوجب تغليب الحجة الراسخة على الصوت العالي. والواقعة على المفبركة. والحقيقة على التزوير. والذكاء على الانفعال. واذا امكن بعد ذلك، قول الحق ثم الاعتذار بشجاعة عن إيثار الجور عليه تبعا لمصلحة سياسية خاصة ومعروفة!

شارك المقال