شهوة الجنرالات… انقلاب في السودان

فؤاد حطيط
فؤاد حطيط

انقلاب في السودان. ولّى زمن على التقليد العربي المجيد. بيان رقم واحد. مارشات عسكرية. ضباط يسكرون بالنجوم على أكتافهم فيشتهون السلطة، كل السلطة، بلا مشاركة أو تناوب أو تداول: الأمر لي وحدي. حتى جنرال في بلد لا انقلابات في تاريخه استغلّ أعلى منصب مدني في الجمهورية لينقلب على الدستور، لأنّ صلاحيات الرئاسة لا تشبع نهمه للسلطة، فأدخل البلاد والعباد في أتون الجحيم.

الاستطراد اللبناني هنا لزوم إظهار عقلية الجنرالات في الدول العربية والإسلامية، الذين لا يخوضون حروباً حقيقية، لكنهم يحتفون بانتصارات وهمية ويكافئون أنفسهم بـ”خمرة السلطة”.

والسودان الذي يشغل الانقلاب حيزاً كبيراً من تاريخه الحديث بعد الاستقلال عن الإنكليز (خلال 64 عاماً، شهد ثلاثة انقلابات وثماني محاولات انقلاب فاشلة) ظلّ مؤهّلاً لتجربة أو مغامرة عسكرية جديدة، منذ حققت الثورة الشعبية “نصف انتصار” وأصيب العسكر بـ”نصف هزيمة”.

بهذين النصفين، نصراً وهزيمة، دخل السودان تجربة هجينة: التزاوج السلمي بين المكوّنين المدني والعسكري لفترة انتقالية.

ففي أواخر 2018، قادت قوى إعلان الحرية والتغيير احتجاجات شعبية مندّدة بتردّي الأوضاع الاقتصادية، مما دفع قيادة الجيش، في 11 نيسان من العام التالي، إلى عزل عمر البشير من الرئاسة بعدما حكم منذ العام 1989.

ومنذ 21 آب 2019، يعيش السودان فترة انتقالية تستمر 53 شهراً تنتهي بإجراء انتخابات مطلع 2024، يتقاسم خلالها السلطة كل من الجيش وقوى مدنية والحركات المسلحة الموقّعة على اتفاق السلام.

وتدير البلاد، خلال الفترة الانتقالية، حكومة مدنية ومجلس سيادة (بمثابة رئاسة) من 14 عضواً، هم: 5 عسكريين، و5 مدنيين اختارتهم قوى إعلان الحرية والتغيير، و3 من الحركات المسلحة الموقّعة على اتفاق سلام مع الحكومة في 3 تشرين الأول 2020، بالإضافة إلى عضو مدني توافق عليه العسكريون والمدنيون.

مبدئياً، كانت الأمور مقبولة مع خضّات بين حين وآخر ظلّ المكونان، العسكري والمدني، قادرين على احتوائها تجنّباً لصدام أثبتت الأيام أن لا مهرب منه.

لكن وبوتيرة مفاجئة ومتسارعة، تصاعدت توترات حادّة بين المكوّنين في السلطة إثر إعلان وزير الدفاع، في 21 أيلول الماضي، إحباط محاولة انقلاب.

الإعلان عن إحباط محاولة انقلاب كان أشبه بـ”البيان رقم واحد” للانقلاب الفعلي الذي نُفذ أمس، إذ وجّه مسؤولون عسكريون انتقادات واتهامات للمكوّن المدني وائتلاف قوى إعلان الحرية والتغيير.

وكان لافتاً أنّ المكون العسكري حمّل المكون المدني مسؤولية محاولة الانقلاب، فخرج نائب رئيس مجلس السيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي) قائلاً: “أسباب الانقلابات العسكرية هم السياسيون الذين أهملوا خدمات المواطن وانشغلوا بالكراسي وتقسيم السلطة”.

وردّ مسؤولون مدنيون وقيادات حزبية بأنّ اتهامات العسكر “تمهّد لانقلاب” قبل تسليم قيادة مجلس السيادة إلى المكوّن المدني، في تشرين الثاني المقبل.

توقيت الانقلاب، عشية انتقال رئاسة مجلس السيادة للمكوّن المدني، دالٌ بذاته على أنّ “الشراكة” مع العسكر دائماً ما تقف عند شهية السلطة لدى الجنرالات.

شارك المقال