المحقق العدلي “سوبرمان”… والثُغر القانونية تُعالج دولياً!

محمد شمس الدين

أخيراً، استدعى مجلس القضاء الأعلى المحقق العدلي طارق البيطار للاستماع إليه، وصدر بعد اللقاء بيان يشدّد على وجوب إنجاز التحقيق بملف انفجار مرفأ بيروت وتحديد المسؤوليات بحق المرتكبين، مما يعني أن المجلس الأعلى يقول إنه لا يمتلك صلاحية بتّ أي ارتياب في موضوع القاضي بيطار، فمن يملك هذه الصلاحية إذاً؟!

تعليقاً على بيان مجلس القضاء الأعلى، أشارت مصادر مطّلعة لموقع “لبنان الكبير” إلى أن البيان هو للإعلام فقط، ويندرج تحت مبدأ بيان العلاقات العامة، لكن من المؤكد أنه اتُفق سراً على حل يرضي الجميع، ولا سيما بتزامُن الاجتماع مع استدعاء رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع، وإنجاز التحقيق في ملف أحداث الطيونة وتحويله إلى القاضي فادي صوان.

ثُغر قانونية بصلاحيات المحقق العدلي

اعتبر المحامي والأستاذ الجامعي الدكتور ربيع بركات أن هناك ثغراً في القانون اللبناني لناحية منح المحقق العدلي صلاحيات مطلقة تجعل منه “سوبرمان”، وتتمثل أهم هذه الثُغر بعدم وجود نص قانوني وطني سواء في أصول المحاكمات الجزائية أو المدنية يسمح بإمكان ردّ المحقّق العدلي، أو يحدد مرجعا قضائيا ما لاستئناف قراراته وتمييزها عند الحاجة، مثل الشك بارتكابه أخطاء قانونية، أو بانحيازه وتخلّيه عن موضوعيته”.

وأضاف: “خلافاً لما هو معمول به مع سلطات التحقيق الأخرى، تنص المادة 362 من أصول المحاكمات الجزائية أن للمحقق العدلي ان يصدر جميع المذكرات التي يقتضيها التحقيق من دون طلب إذن من النيابة العامة، وأن قراراته في هذا الخصوص لا تقبل اي طريق من طرق المراجعة”.

وتابع: “هذه الصلاحيات المطلقة هي نقيض العدالة، وهي مخالفة واضحة وصريحة لمبدأ تعدّد درجات المحاكمة المنصوص عليه في المادة 14 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، المعاهدة الدولية التي صادق عليها لبنان والتي أصبحت بالتالي جزءاً من التشريعات الوطنية وأعلى من القانون المحلي، وفقا لمبدأ سمو القوانين”.

وأوضح بركات: “الصلاحيات المطلقة هذه تتعارض مع القاعدة الأساسية في القوانين الدولية، التي تنص على أنه لضمان المحاكمة العادلة، يجب أن يكون هناك تعدّد درجات المحاكمة، حيث أنه إذا كان لأحد الاعتراض على أداء قاض أو على قراراته، يحق له مراجعة هذه القرارات في محكمة أخرى، علما أن كل السلطات في لبنان تخضع لسلطة أعلى منها، حتى أنه بالتعديل القانوني الجديد أصبح هناك إمكانية لمراجعة قرارات المجلس العدلي (المادة 366 أصول محاكمات جزائية)، ويُبقي فقط، وبشكل غريب وغير منطقي، صلاحيات مطلقة للمحقق العدلي”.

الحل بالاحتكام للمعاهدات الدولية

بالنسبة إلى مجلس القضاء الأعلى، فـ”علاقته مع القضاة هي بالمعنى التسلسلي، وفقاً لبركات، وهو أيضاً يؤلف المجلس التأديبي للقضاة، لكن لا صلاحية له على بيطار وقراراته وإذا أراد استقباله بالمعنى التأديبي فهذا يدخل عادة في البعد السياسي والشخصاني، ولا يكون موضوعياً، لذلك من الأفضل الاحتكام إلى المادتين الثانية والرابعة من قانون أصول المحاكمات المدنية، فالمادة الثانية تنص على أن على المحاكم ان تتقيد بمبدأ تسلسل القواعد، وعند تعارض احكام المعاهدات الدولية مع احكام القانون العادي، تتقدم في مجال التطبيق الاولى على الثانية. ولا يجوز للمحاكم ان تعلن بطلان أعمال السلطة الاشتراعية لعدم انطباق القوانين العادية على الدستور او المعاهدات الدولية. أما المادة الرابعة فتنص على أنه لا يجوز للقاضي تحت طائلة اعتباره مستنكفاً عن احقاق الحق:

1 – أن يمتنع عن الحكم بحجة غموض النص او انتفائه.

2 – أن يتأخر بغير سبب عن إصدار الحكم. وعند غموض النص يفسره القاضي بالمعنى الذى يحدث معه أثراً يكون متوافقاً مع الغرض منه ومؤمّناً التناسق بينه وبين النصوص الاخرى. وعند انتفاء النص يعتمد القاضي المبادئ العامة والعرف والانصاف”.

وختم بركات: “بسبب وجود مشكلة قانونية اليوم في ظل إعلان ثلاث محاكم عدم اختصاصها برد المحقق العدلي، اسمها عدم الاختصاص السلبي، فمن غير المقبول في دولة القانون عدم وجود جهة قضائية متخصصة للنظر بهذه القضايا، ولذلك، يجب الاحتكام إلى المعاهدة الدولية وإعمال الفقرة الخامسة من المادة 14 من العهد الدولي وضرورة سد هذه الثغرة القانونية”.

تساؤلات كبيرة عن القضاء اللبناني بشكل عام، وعن المحقق العدلي بشكل خاص، هل فعلا مثلما يسوّق المتخاصمون في لبنان أن القضاء مستقل؟ أم أنه مسيّس؟ وكيف يكون مستقلاً أحياناً وأخرى مسيّساً؟ ولماذا لا يقوم المشرّع بسد الثُغر القانونية؟ تحديداً لجهة صلاحيات المحقق العدلي، فلا يجوز أن يكون هناك مسؤول ليس فوقه رقابة، وإذا غابت النصوص ليحتكم إلى المواثيق والمعاهدات الدولية، وإلا عند كل حادث يدخل البلد في دوامة قضائية – سياسية لا تنتهي.

شارك المقال