قرداحي يصنع أزمة… وسفير “الطائف” يواجه فتنة الطيونة

محمد نمر
محمد نمر

كان المشهد مختلفاً حتى مساء أمس، حتى الكلمات كانت مقتصرة على قراءة في جولة سفير المملكة العربية السعودية وليد بخاري بعد عودته إلى بيروت. إلى أن دقت أبواب لبنان وحكومة الرئيس نجيب ميقاتي أزمة ديبلوماسية مع المملكة العربية السعودية، وحطّت علينا نسخة ثانية شبيهة من “شربل وهبة”، لكن هذه المرة بطلها وزير الإعلام جورج قرداحي.

ففي برنامج “برلمان الشعب” في النسخة الثانية منه، أطلّ قرداحي بتصريحات كافية ووافية لتولّد أزمة مع المملكة والإمارات وحتى مع الحكومة اليمنية. تصريحات لا تقل حجماً وتأثيراً عن الاستهدافات التي تتعرض لها المملكة.

بلسان “حزب الله” تحدث قرداحي عن ملف اليمن، داعماً الحوثيين وموجّهاً الاتهامات إلى السعودية والإمارات، وغابت عنه المسيّرات الإرهابية التي تستهدف أمن المملكة، وغاب عنه المشروع الإيراني الذي صدّر الجرائم والقتل والميليشيات إلى المنطقة العربية.

الوزير الداعم لمن قتل نصف مليون إنسان في سوريا خفق قلبه على الحوثيين في اليمن، وبات إنسانياً بعيداً من الحقائق.

في كل الأحوال، حتى لو كانت الحلقة مسجّلة فإن تصريحات معاليه باتت محسوبة عليه وعلى حكومته، والمعلومات تشير إلى أزمة ديبلوماسية مع لبنان… فهل تنتهي كما انتهت مع شربل وهبة بالاستقالة؟ وربما أقل ما يمكن أن يقوم به قرداحي الاستقالة. ولهذا الحديث تتمة…

بالعودة إلى جولة بخاري، ففي وقت كان فيه ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان يفتتح قمة “مبادرة الشرق الأوسط الأخضر” ويخطف أنظار العالم إلى خطوة فيها الكثير من التحدي وتدعم البيئة والمناخ في المنطقة والعالم، كان سفير المملكة في لبنان وليد بخاري يستعد لجولة على المرجعيات الروحية، تثبّت “المناخ المعتدل” الذي انتهجته المملكة تجاه كل الطوائف والشرائح اللبنانية، خصوصاً بعد عاصفة أمنية في الطيونة وضعت لبنان على صفيح ساخن، وأعادت صور الحرب الأهلية التي أنهاها “اتفاق الطائف”.

إذاً، تزامناً مع جولة بكركية لتبريد الأجواء، انطلقت جولة بخاري من دار الفتوى، “المرجعية الدينية والوطنية المعتدلة”، ورافقه بالزي السعودي السكرتير الثاني ومسؤول الشؤون السياسية والإعلامية فارس عمودي ومسؤول الشؤون الإسلامية عبدالرحمن العتيبي. وكانت الرسالة واضحة لمن وضعوا السعودية ضمن خانة “كانت تعلم” بما سيحصل في الطيونة. جاء الرد على خطاب “حزب الله” الذي لا يترك فرصة إلا ويصوّب فيها على المملكة “كذباً وتزويراً” ويصنع إسقاطات ساقطة. فقالها السفير: “المملكة حريصة على أمن واستقرار لبنان ومؤسساته، وعلى العيش المشترك الإسلامي – المسيحي وتعزيزه”، رافضاً كل أوجه الفتن في لبنان ومشاريعها، بقوله: “لا شرعية لمشروع وخطاب الفتنة، ولا شرعية لمشروع يقفز فوق هوية لبنان العربي”. مواقف استكملها من دار الطائفة الدرزية حيث التقى شيخ العقل المنتخب الشيخ الدكتور سامي أبي المنى، قائلاً: “نتطلع إلى صون رسالة لبنان بدعم الشرعية والعيش المشترك”.

أمن واستقرار، مؤسسات، عيش مشترك بين المسلمين والمسيحيين، لا للفتنة ولا لتغيير هوية لبنان العربية، وصون رسالة لبنان، كلها مصطلحات تعبّر بمعناها عن استحضار لـ”الطائف” في مواجهة كل المشاريع العبثية والإرهابية التي تهدد لبنان. جولة بخاري ستستكمل لتحطّ في بكركي، ولن تخلو من لقاءات واستقبالات مرجعيات أخرى تشكّل فسيفساء المجتمع اللبناني الواحد.

ماذا عن السياسة وجولتها؟ وهل تبدّل الموقف من الحكومة؟

كُلّف الرئيس ميقاتي وشكّل حكومته، ولم تنَل مباركة سعودية، وما إن نالت الثقة حتى دخلت في مروحة تعطيلية، أثبتت وجهة نظر المملكة: “السعودية لن تدعم حكومة لا تملك قرارها السياسي، وهي أشبه باستكمال لحكومة العام 2011، هي حكومة طوق النجاة”. وعلى الرغم من هذا الموقف، أعطت المملكة ثلاثة اشهر فرصة لها وللحكومة، لتراقب أداء المجلس الجديد، ويمكن القول إن النتيجة للشهر الأول: “سلبية”.

وزاد أمس قرداحي الطين بلة. وعلى الرغم من سلبية المناخ الحكومي، فإن السبخات الجافة في صحراء المملكة التي ستتحول إلى بحيرات وتعيد الجزيرة العربية واحات وأنهاراً، ستعدّل في درجة الحرارة تجاه الحكومة اللبنانية من دون أن تنهي المنخفض الجوي البارد معها، عبر مشاركة حكومية في قمة عالمية على أرض المملكة، لن تحدث أي خرق بالرؤية السعودية تجاه لبنان، بل ستكون مشابهة لزيارتين حكوميتين سابقتين أيام مقاطعة حكومة الرئيس حسان دياب (زيارة وزير الخارجية السابق ناصيف حتي وزيارة وزير السياحة والشؤون الاجتماعية السابق رمزي مشرفية). وهي ايضاً باتت مهددة بفعل تصريحات قرداحي.

وبعد الجولة على المراجع الروحية، فإن المعطيات ترجّح جولة سياسية “في مناخ معتدل سياسياً” سيقوم بها السفير بخاري في بيروت، لا تخلو من لقاءات بروتوكولية ولو “على مضض”. فيما الأنظار ستكون حامية تجاه منزل السفير في اليرزة، بمبادرة تحمل رسائل عربية، في بلد باعته دول كبيرة لمنافع خاصة وسيطرت على قراره أجندات غير عربية خبيثة، فيما بقيت المملكة على موقفها: لا مقايضة على مصالح الشعب اللبناني.

شارك المقال