خمسة شروط لموقف أميركي “واقعي” في سوريا

حسناء بو حرفوش

هل تتوافق سياسات الولايات المتحدة في سوريا مع الحقائق على الأرض؟ هذا ما ينفيه تحليل في موقع “war on the rocks” الإلكتروني الأميركي الذي يدعو واشنطن “لتقبل حقيقة تغيّر الوضع منذ العام 2011 و​تعديل سياساتها في ضوء الحقائق السياسية والعسكرية المستعصية على الأرض”. ووفقاً للتحليل، “على الرغم من مرارة خطوة كهذه للذين عولوا على رحيل الرئيس السوري بشار الأسد، إلا أنها ستصب في نهاية المطاف لمصلحة الولايات المتحدة. وينبغي أن لا تحمل التطورات أي مفاجأة لأن الحقائق واضحة وأهمها التدخل الروسي أواخر 2015 (…) وفشل الإجراءات الأميركية، بما في ذلك نظام العقوبات الموسع، في تغيير سلوك النظام. ومع ذلك، يشترط تغيّر الموقف الأميركي خمسة شروط” نذكرها في ما يلي:

“(…) على الرغم من اختلاف المواقف حول الغايات والوسائل الأميركية في سوريا (…) حملت الحرب عواقب جمّة، إذ تضاءلت هيبة الولايات المتحدة وزاد نفوذ روسيا وإيران ووجود داعش وتفاقمت أزمة اللاجئين كما ظهرت القومية اليمينية في أوروبا. لكن طالما أن الضرر قد حدث بالفعل في الماضي، يجب الإشارة إلى أن سوريا اليوم لا تهم مصالح الأمن القومي الأميركي. والآن، تتعرض الولايات المتحدة للحصار فيها بسبب “زواج مصلحة” روسي – إيراني – تركي، وكذلك من دول المنطقة، بما في ذلك اليونان و(إسرائيل) والعديد من الدول العربية، التي تقبّلت الحقيقة القاسية بأن الأسد لن يذهب إلى أي مكان. وبينما يتمحور النقاش بشكل كبير اليوم حول التطبيع العربي مع نظام الأسد، وتحديداً في ضوء الدعوة العلنية التي أطلقتها المملكة الأردنية (…) يستلزم تقارب الدول العربية مع الأسد قبوله كمنتصر في الحرب الأهلية في سوريا (…) ويجادل المدافعون عن سياسة أميركية أكثر حزماً تجاه سوريا بأن الضغط الديبلوماسي الدولي سيجلب الأسد وداعميه إلى طاولة المفاوضات. ومع ذلك، لم يغير الضغط الأميركي في العقد الأخير في سلوك النظام السوري (…) لكن لا يمكن اتهام إدارة جو بايدن بأنها لم تحقق شيئا في سوريا. فقد دعمت على الجبهة الديبلوماسية بعثة الأمم المتحدة الأميركية والعدالة والمساءلة وعملت على ضمان استمرار تمرير المساعدات الإنسانية عبر الحدود، بمواجهة “الفيتو” الروسي. إضافة إلى قانون قيصر، تحتاج واشنطن إلى نظام عقوبات فعال بحلول الوقت الذي ينتهي به العمل بهذا القانون أي عام 2025، يمنع نظام الأسد من توفير شريان حياة من تجارة المخدرات بالتزامن مع إلقاء اللوم على العقوبات وإلصاقها بمعاناة الشعب السوري، أو من إنشاء مؤسسات وترتيبات مالية دولية بديلة بجهود صينية، تجعل الدولار الأميركي والعقوبات الأميركية، أقل مركزية (…) أما الخيار الذي تواجهه الولايات المتحدة في سوريا فليس خياراً بين التطبيع أو الوضع الراهن، لأن التطبيع مع الدول العربية والإقليمية سيستمر بغض النظر عن المعارضة الأميركية. فكيف تبدو السياسة الأكثر واقعية؟

شروط خمسة

ويمكن لواشنطن المساومة على الانسحاب التدريجي للقوات الأميركية من سوريا، وتخفيف العقوبات على مستوى القطاعات واعتماد سياسة أكثر استباقية تجاه حتمية التقارب العربي مع دمشق مقابل خمسة تنازلات من النظام وداعميه:

أولاً، إطلاق سراح الناجين الأميركيين المفقودين أو المحتجزين قسراً في سوريا وإعادتهم بأمان (…)، فضلاً عن المواطنين السوريين الأميركيين.

ثانياً، تحسين التعاون في إطار مكافحة الإرهاب مع روسيا للقضاء على الفروع المحتملة لداعش.

ثالثاً، تقديم ضمانات قابلة للتحقيق تسمح بإعادة اللاجئين السوريين إلى الوطن بشكل يتماشى مع القانون الدولي.

رابعاً، المساعدة الإنسانية دون عوائق.

خامساً، نشر نحو 900 جندي أميركي شمال شرق سوريا يبقى تحدياً عسكرياً وموضع خلاف في الكونغرس، نظراً إلى الأسئلة الدستورية المحيطة بالوجود الأميركي بعد هزيمة “داعش”.

ثم إن للولايات المتحدة خيارات لمواصلة محاربة داعش من خلال التمركز في الأردن مثلاً، علاوة على استمرار عمليات مكافحة الإرهاب واستهداف القاعدة. وبالتالي، إذا اختارت هذه الإدارة أو أي إدارة مستقبلية إنهاء العمليات شمال شرق سوريا، عليها ضمان مساعدة موسكو وأنقرة للحفاظ على استقرار المنطقة، ومساعدة قوات سوريا الديموقراطية في المحادثات مع دمشق لإعادة دمج المنطقة الخاضعة لسيطرتها في الدولة السورية مع الحفاظ على درجة معينة من الحكم الذاتي. وهذا من شأنه معالجة مخاوف الأكراد السوريين بشأن التهديدات من تركيا والرغبة في اللامركزية والمخاوف من عودة الدولة الأمنية السورية (…) وقد يشترط الانسحاب التدريجي بسحب بعض الأصول الإيرانية في البلاد والتأكيدات الروسية في ما يتعلق بأمن إسرائيل وأمن شمال شرق سوريا.

أما في إدلب، فلن تقبل الولايات المتحدة أو تركيا أو الاتحاد الأوروبي أو السوريون المقيمون هناك بالاستسلام للنظام في ظل الظروف الحالية. وبالتالي، يمكن تركيا الحفاظ على وجودها العسكري لتجنب نزوح ملايين اللاجئين والحفاظ على المساعدات الدولية ووجود الأمم المتحدة. وتعاني سوريا من حاجة ماسة للمساعدات الإنسانية والتحفيز الاقتصادي، لذلك لا يستطيع النظام وداعموه منع وصول المزيد من المساعدات عبر المناطق التي يسيطران عليها، فضلاً عن المساعدات عبر الخطوط إلى الشمال الغربي، مقابل تنازلات مرحلية مرتبطة بالتهديدات لسلطة النظام (…) كما تتطلب عودة اللاجئين الحماية من المصادرة الرسمية للأراضي والممتلكات (…) أما بالنسبة إلى العقوبات، فيمكن واشنطن وحلفاءها الأوروبيين كحد أدنى، إنشاء آلية مشتركة لفرض عقوبات تنفي دعاية الأسد الذي يدّعي أن بؤس السوريين نتاج العقوبات الغربية، وتؤكد على مسؤولية نظام الأسد بشكل أساسي عن التدمير الاقتصادي للبلاد (…) وينبغي لواشنطن أن تستمر بمعاقبة نظام الأسد وعناصره وكذلك الجماعات المتمردة، على جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، بعيداً من أوهام إسقاط النظام من خلال ضغط العقوبات.

أخيراً، لن يكتسب الأسد شرعية بالنسبة إلى معظم السوريين، على الرغم من انتصاره الذي كلف باهظاً وستظل سوريا الأسد مصدراً لعدم الاستقرار بالنسبة إلى الولايات المتحدة وجيران سوريا. ومع ذلك، في عودة للواقع، على صانعي السياسة الأميركيين إدراك الحدود المؤلمة للتدخل في سوريا.

في المحصلة النهائية، لا يشكل الأسد تهديداً مباشراً لواشنطن أو حلفائها وشركائها، وهم قادرون على احتواء سلوكه أو سلوك إيران الأكثر زعزعة للاستقرار من دون وجود قوات على الأرض شمال سوريا. هذا هو الواقع الذي لا يريده السوريون وكل من دعموا نضالهم بعد 10 سنوات من الحسرة والمجازر، لكن هذا ما يتقبله كثيرون في سوريا وفي الشتات بصمت وألم. لعل الوقت قد حان ليتقاطع الموقف الأميركي ولو لمرة، مع موقف هؤلاء”.

شارك المقال