العقوبات الأميركية و”الضحك ع الدقون”!

عالية منصور

عندما يتوقف قلب الإنسان بشكل مفاجئ، فإن التدخل الطبي العاجل والفوري حاسم لإنقاذ حياته، وهذا يكون عادة بإرسال صدمة كهربائية لإنعاش القلب العليل واستعادة نبضه.

‎هذه المعلومة تصلح في الطب وباتت تصلح أكثر في السياسة، فالأسد مات عام 2012 عندما فقد أطرافه بفقدان أغلب مناطق سوريا خارج العاصمة، لكن تدخل إيران العاجل والكثيف عبر جزارها قاسم سليماني وأذنابه في لبنان والعراق، ساهم في إنعاش الأسد وإبقائه على قيد الحياة إلى عام 2013 عندما قدم باراك اوباما قبلة الحياة له عبر تفاهم الكيماوي.

‎الأسد يعاني الآن في قلب المنطقة التي يسيطر عليها، وبات الخطر الأكبر عليه ليس من معارضته بل من مواليه وحاضنته التي باتت تئن تحت وطأة الفقر ونقصان الموارد، الأمر الذي يهدد بانقلاب المنطقة التي يسيطر عليها إلى حالة كاملة من الفوضى بدأت ملامحها تظهر عبر تحول الميليشيا والشبيحة الذين قاتلوا من أجل الأسد إلى عصابات سلب ونهب وخطف تحت بصر الأسد العاجز والمشلول، وبايدن الذي كان نائبا لأوباما عندما تم إنقاذ الأسد عام 2013، يبدو أنه بات يعشق دور المسعف، فها هو الآن يقدم للأسد الكهرباء لإنعاش قلب الأسد، وهنا الكهرباء ليست مجازية بل حقيقية من خلال السماح للأردن بتزويد لبنان بكهرباء تمر عبر الأسد، هذا القرار الأميركي الذي تجاوز قانون “قيصر” يعتبر طوق نجاة للأسد، ليس بسبب مردوده الاقتصادي أو المالي كما يظن البعض وهو مردود قليل بكل الأحوال، بل إن نجاة الأسد تكمن عبر إيصال رسالة لمؤيديه وحاضنته التي تتململ، بأن أميركا راضية عن الأسد وأنها مستعدة لاحقا للتعامل معه وهي سمحت بفتح الأبواب العربية أمامه.

‎وبايدن لا يكتفي بأخذ دور الطبيب الجاد والمسعف الحازم للأسد بل هو أيضا قادر على إضحاكنا عبر قرارات “مهضومة”، وفعلا لم أجد مصطلحا أكثر تعبيرا عن قرارات الادارة الأميركية التي تناقض بعضها البعض بشكل مضحك وغير “مهضومة”.

ففي الوقت الذي أعلن وزير الطاقة والمياه اللبناني وليد فياض “ان الأميركيين أعطوا الضوء الأخضر لمشروع نقل الكهرباء إلى لبنان”.

وبعدما جاءت الموافقة الأميركية على استجرار الكهرباء الى لبنان من سوريا متغاضين ومتجاهلين قانون قيصر، والعقوبات التي فرضوها هم على نظام بشار الاسد بسبب الجرائم التي ارتكبها بحق السوريين، في الوقت عينه، أعلنت الولايات المتحدة عينها فرض عقوبات على سياسيين ورجال اعمال لبنانيين بتهم الفساد او التعامل مع حزب الله، نعم بتهمة التعامل مع حزب الله الذي يقاتل من أجل بقاء الأسد.

‎نعم ادارة الرئيس الاميركي جو بايدن “مهضومة”، تتغاضى عن العقوبات عن القاتل بشار الاسد وتفاوض وتقدم التنازلات للجمهورية الاسلامية في ايران وتفرض عقوبات على شخصيات لها علاقة مع حزب الله، او شخصيات “استفادت من تفشي الفساد والمحسوبية في لبنان”. وفق ما نقِل عن الخزانة الاميركية التي فرضت العقوبات على النائب جميل السيد ورجلي الأعمال اللبنانيين جهاد العرب وداني خوري.

‎وذكرت مديرة مكتب مراقبة الأصول الأجنبية في الوزارة ان “وزارة الخزانة لن تتردد في استخدام أدواتها لمعالجة الإفلات من العقاب في لبنان”. كذلك، ذكرت تفاصيل العقوبات على كل من الشخصيات المذكورة، فمثلا جهاد العرب “حصل عام 2016 على 288 مليون دولار بدل عقد مع مجلس الإنماء والإعمار لتأهيل مكب للنفايات لكن أزمة النفايات عادت منذ العام 2019″، وطبعا ذكرت المسؤولة الاميركية تفاصيل اعمال العرب غير المشروعة والمحسوبيات التي استفاد منها في زيادة ثروته”. أما النائب اللواء جميل السيد فوفقا للمسؤولة فقد تمت مساعدته “من قبل مسؤول رفيع في الحكومة على تحويل ١٢٠ مليون دولار أميركي خارج لبنان لاستثمارها لكي يغتني هو وشركاؤه”. وعن خوري، لفتت الى انه مقرب من النائب جبران باسيل “وحصل على عقود كبيرة في مجال الخدمات العامة نتيجة علاقته القريبة بباسيل والتي تسببت في هدر ملايين الدولارات نظرا لعدم التزامه بشروط العقود”.

‎بكل تأكيد يستحقون العقوبات بل والمحاسبة والملاحقة والسجن ايضا، لكن “في اهضم” ممن يحاسب فاسدا ومرتشيا ويتغاضى عن قاتل؟ هل هو انفصام اخلاقي تعاني منه ادارة بايدن، أم ان الشعبوية التي اعتدناها من دول مثل كوبا وكوريا الشمالية عرفت طريقها الى البيت الابيض؟ نعم لمحاكمة جهاد العرب بسبب ملف النفايات، ونعم لعدم تطبيق العقوبات على بشار الاسد الذي قتل آلاف السوريين بالسلاح الكيماوي. نعم لفرض عقوبات على جميل السيد بسبب تحويل اموال الى الخارج (وبكل تأكيد يستحقها لأسباب غير التي تم ذكرها في القرار الاميركي)، وفي الوقت عينه نعم للتغاضي عمن قتل عشرات آلاف البشر تحت التعذيب في سجونه. هل يعلم بايدن لماذا سمي القانون بقانون قيصر؟ ام ان ذاكرته الهرمة كما يقال لم تعد تسعفه؟

‎فليذكّره أحد أنه يوما ما كانت الولايات المتحدة قوة عظمى ليس لأنها كانت تلاحق ملف نفايات أو تحويل أموال. وشخصيا لست ضد ملاحقة أي فاسد، ولكن ما تقوم به إدارة بايدن أقل ما يقال عنه “ضحك ع الدقون”.

شارك المقال