من بين التعليقات والمواقف الكثيرة المستهجنة كلام وزير الإعلام جورج قرداحي، تأييداً للحوثيين، كان الموقف الإماراتي الذي تميز بإشارة لافتة اذ قال: يزداد لبنان ابتعاداً عن أشقائه العرب. وفي هذا القول أسف وأسى من “الأشقاء” على مآل لبنان.
عروبة لبنان منصوص عليها في الدستور: “لبنان عربي الهوية والانتماء وهو عضو مؤسس في جامعة الدولة العربية” (مقدمة الدستور بموجب القانون الدستوري الصادر في 21 أيلول 1990). وكان هذا من المتغيرات الأساسية التي فرضها اتفاق الطائف، اذ كان لا بد من أن يترافق الترتيب الجديد للسلطات مع تأطير جديد لهوية لبنان بما يتوافق مع المتغيرات، السياسية والاقتصادية والكيانية، التي أطاحت “الميثاق الوطني” بما نص عليه: “لبنان ذو وجه عربي ولغة عربية، وهو جزء من العالم العربي، ذو طابع خاص…” (من الخطاب الوزاري لرياض الصلح بعد انتخابات 1943 التي فاز فيها بشارة الخوري).
الدساتير في دول “هجينة” مختلطة بالجماعات والثقافات والتواريخ، تتغير وفقاً لايقاع ميزان القوى بين هذه الجماعات، وإذ قام “الميثاق الوطني” على ثنائية عرجاء مارونية – سنية في “لبنان الكبير”، فإن “الطائف” أبقى هذه الثنائية بعد تعديل العرج فيها، مع احباط ماروني وزهو سني وتربص شيعي.
هذا “الإحباط” الماروني وهذا “التربص” الشيعي أوصلا الى “تفاهم مار مخايل” في 6 شباط 2006 بين “حزب الله” الوكيل الشرعي لجمهورية ولاية الفقيه الايرانية وبين “التيار الوطني الحر” بزعامة الجنرال ميشال عون وكيل تفليسة المارونية السياسية بفعل حروبه الداخلية التدميرية.
أعطى “حزب الله” الكثير لعون ليعوض “القشور” في خسائر السلطة التي كرسها الطائف فيما أخذ الحزب الكثير من الجنرال ليمسك فعلاً بـ”لب” السلطة بل بالاتساق الكياني، فيتلاعب بالجميع حيناً بالمثالثة وأحياناً بالمؤتمر التأسيسي، لإعادة صيغة لبنان من جديد وفق معادلة: “انتقام” ماروني و”انكسار” سني و”فائض قوة” شيعي.
وهكذا صار لبنان غريبا ًعن صورته، وابتعد كثيراً عن “أشقائه العرب” وصار “نصفه” مكوناً ناشطاً في “المحور الإيراني” وبقي النصف الآخر في “نوستالجيا” لسويسرا الشرق وللعروبة المربحة اقتصادياً.
تغيرت أحوال العرب كثيرا وليس لبنان فقط. فابتعد “الأشقاء” كثيرا وأخذ “النصف الإيراني” البلد الى محل يصبح فيه خطأ قرداحي وقبله شربل وهبه “منطقياً” في سياق “جمهورية الانقلاب العوني” بعباءة المرشد الشيعي.
هذا “الخطأ المنطقي” القرداحي أخذ مداه في بيان “حزب الله” المدافع عن “وزير المليون” والمهاجم بعنف للمملكة ودول الخليج العربي، والذي أراد إفهام الجميع انه هو لا رئيس الحكومة ولا وزير الخارجية، من يرسم السياسات الداخلية والخارجية لهذا البلد البائس.
بلد بائس ابتعد عن أشقائه الذين تركوه وحيداً.