التأرجح بين الدولة واللادولة!

رامي الريّس

تتفرّع المشاكل اللبنانيّة المتعددة عن مشكلة أساسيّة ومركزيّة طالما لم تتم مقاربتها ومعالجتها، ستبقى الأزمات تستولدُ بعضها بعضاً. المشكلة هي عدم قيام الدولة، وإصرار بعض الأطراف والقوى على اختطاف قرارها ودورها ووظائفها الأساسيّة. الباقي تفاصيل لهذا العنوان الإشكالي الكبير.

لقد تعرّض مشروع الدولة في لبنان إلى انتكاساتٍ كبرى، مارستها عن وعي أو غير وعي قوى وأحزاب ومرجعيّات داخليّة مدعومة من جهات خارجيّة لا هدف لها سوى الانقضاض على التجربة اللبنانيّة في التعدديّة والتنوع، في الانفتاح والثقافة، في العلم والمعرفة، وفي سائر نواحي الميزات التفاضليّة التي فقدتها البلاد الواحدة تلو الأخرى.

لقد إصطدمت كل محاولات السطو على القرار الوطني اللبناني والاستفراد به لمصلحة مشروع يتناقض مع الأسس الرئيسيّة لما يُسمّى “الصيغة اللبنانيّة”، اصطدمت بحواجز هائلة تمظهرت في موازين قوى حالت دون نفاذ تلك المشاريع الفئويّة ولكن كانت تكلفتها باهظة ومرتفعة على البلاد وعلى المواطنين الذين دفعوا أثمان خيارات لا ذنب لهم فيها.

وغالباً ما أدّت محاولات الاستفراد البائسة تلك إلى اندلاع دوراتٍ من العنف لن تُخمد إلا بتوافق داخلي هش برعاية خارجيّة تعثّر عند المنعطفات الكبرى وعاد ليبرز الانقسام المجتمعي والسياسي العميق في لبنان.

من أولى وظائف الدولة السياديّة الدفاع عن الأرض والحدود، وتحديد العدو والصديق، وصياغة سياسة خارجيّة تراعي تعرجات التاريخ ومقتضيات الجغرافيا. فكيف هي الحال في لبنان؟ الوظائف السياديّة مصادرة، صلاحيّة الدفاع عن الأرض والحدود مصادرة، صياغة سياسة خارجيّة موحدة تراعي مرتكزات لبنان التاريخيّة مصادرة.

لقد أدّى هذا الاختطاف الجماعي للبنانيين إلى عقاب جماعي لهم. هم أصبحوا الآن فقراء، يغادرون وطنهم بالآلاف، يلتقطون أي فرصة للخروج من “جهنم”، ويسعون جاهدين لتأمين بدائل لأولادهم ومستقبل أفضل تتوافر فيه ظروف الطمأنينة والاستقرار والأمن الاجتماعي.

لبنان أمام جلجلة جديدة، تعكسها التصاريح التي تطلقها الرؤوس الحامية من هنا وهناك التي لا تدرك تاريخ لبنان وتراثه العربي وعمقه الطبيعي ورسالته المصادرة.

الأحداث المتلاحقة التي تتكرّس من خلال توترات أمنيّة متنقلة تؤكد أن لا مجال لاستمرار التأرجح بين الدولة واللادولة، وأن لا مجال للعيش في منزلةٍ بين المنزلتين.

أما آن أوان إعادة فتح النقاش العاقل الهادىء الموضوعي بالخطة الدفاعيّة؟

شارك المقال