التلاعب باستقالة قرداحي يثبّت تحويل لبنان مرتعاً لطهران

وليد شقير
وليد شقير

بات الأمر أقرب إلى التلاعب غير السوي بأوضاع البلد ومصيره. فالتأخر في معالجة الأزمة مع المملكة العربية السعودية والدول الخليجية بحجج من هنا وأخرى من هناك، يدل إلى وجود قصور في استيعاب البعض لفداحة الأزمة وخلفياتها.

التعاطي بكثير من القصور والتلكؤ مع الغضب السعودي والخليجي حيال انحياز مسؤول لبناني إلى الحوثيين، وتالياً إلى إيران في الحرب التي تخوضها بالواسطة في اليمن وتواجه فيها الرياض والعديد من الدول العربية والغربية، تسبب بتصعيد الإجراءات الخليجية في شكل أدى إلى وضع مصير الحكومة على بساط البحث.

كان يمكن منذ اللحظة الأولى لبث كلام وزير الإعلام جورج قرداحي عبر يوتيوب، أن يعاجل الاستياء العارم الذي ظهر بالاعتذار، والتأكيد أن ما قاله يتراجع عنه، وأمامه المعطيات كافة التي تبرر له أن يأخذ هذا الموقف ليجنب البلد ما يمر فيه حالياً من تأزم داخلي، وفي علاقاته مع الدول العربية، وفي الإحراجات التي يتسببها في علاقاته مع الدول التي يمكن أن تكون في موقع الوسيط.

كان يمكن قرداحي من باب حديثه عن أنه حريص على مصلحة المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة، أن يقرن اعتذاره باستنكار ما تعرضت له المملكة من قصف بالمسيّرات والصواريخ البعيدة المدى التي قصف بها الحوثيون الأراضي السعودية ومواقع مدنية فيها، في اليوم نفسه لبث المقابلة التي أجريت معه قبل تعيينه وزيراً. وهو قصف نشرت أخباره وسائل الإعلام اللبنانية.

بات الجميع في الداخل والخارج على قناعة بأن تلكؤ قرداحي وتأخره رفع الثمن الذي يمكن للدول التي أخذت إجراءاتها حيال لبنان، أن تقبل به بعدما قررت إفهام الجانب اللبناني وحكومته أنه لم يعد ممكناً أن يستمر في اتباع سياسة دفن الرؤوس في الرمال، لا سيما حين يتماهى مسؤولون فيه مع “حزب الله” ويرددون مواقفه بطريقة تقدم الدليل على أن الأخير يمسك بقرار الدولة اللبنانية ويأتي بوزراء يلتزمون خطابه المعادي لها، بالتناغم مع الاندفاع الإيراني نحو بناء القواعد العسكرية في دول تشكل منصة انطلاق لمعاداة السعودية ودول الخليج. ولبنان هو إحدى هذه المنصات الإيرانية بفعل هيمنة الحزب على السلطة فيه.

لم يخبّئ الحزب يوماً أنه هو من أتى بالعماد عون إلى المنصب. ولم يبخل الأخير وفريقه في محطات عدة، في إثبات تماهيه مع الحزب وسياساته منذ أخذ التأزم يتصاعد مع إيران وتحديداً بسبب تدخلها في اليمن.

إلا أن كل الكلام عن اعتذار قرداحي بات وراءنا وصار المطلوب أكثر من أجل تهدئة التأزم مع الدول الخليجية. بات البحث يراوح بين خياري استقالة وزير الإعلام وبين استقالة الحكومة. والخيار الأخير كان موضوع تشاور في الساعات الماضية بين رئيس الحكومة نجيب ميقاتي وبين قيادات في الداخل، منهم الرئيس عون ورئيس البرلمان نبيه بري ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، وبينه وبين واشنطن وباريس. فلا الزعامات المحلية نصحته بالاستقالة ولا المسؤولون الأميركيون والفرنسيون شجعوه عليها. والجميع طلب منه البقاء لأنه يخشى من الدخول في الفراغ مجدداً، جراء تعذر تأليف حكومة جديدة بحيث يسقط البلد في أزمة مديدة تحول دون الانتخابات النيابية بعد 6 أشهر، وتؤدي إلى فراغ رئاسي بعد سنة.

إذا صح أن خيار استقالة قرداحي يصطدم بربطه الإقدام على الخطوة بضمان التوصل إلى حلول للأزمة مع دول الخليج، فهذا يعني أن هناك وهماً بإمكان مقايضة هذا بذاك، قي وقت يتطلب الأمر، حتى بعد الاستقالة، إذا افترضنا أنها تفتح البحث على خفض التوتر، تدخلات عربية ودولية كبرى من أجل معالجة المشكلة التي باتت مشكلة حكم وعلاقة الخارج معه، ومشكلة وضع اليد على لبنان لإدارة حرب الحوثيين من أراضيه من “حزب الله” وهي المشكلة التي فتح بابها قرداحي من دون أن يدري أو يستوعب مدى خطورتها. ولذلك يجري التلاعب باستقالته التي يفترض أن تكون محتمة.

توج وزير الإعلام أحداثاً خطيرة شهدها لبنان، تدرجت في إعطاء الدليل لدول الخليج بأن “حزب الله” يتحكم بالبلد وقراراته وتوجهات سلطاته، من إعاقة التحقيق القضائي في جريمة انفجار مرفأ بيروت، إلى التسبب بشلل الحكومة الحديثة العهد، إلى الاشتباك في الطيونة، وفرض ملاحقة “القوات اللبنانية” من القضاء… وصولاً إلى تحويله قاعدة تدريب للحوثيين ولحركتهم السياسية والإعلامية ولخطواتهم العسكرية.

شارك المقال