إلى حزب “لو كنت أعلم”: التحويلات من الخليج بخطر!

المحرر الاقتصادي

لم يكن ينقص اللبنانيون سوى هذه الأزمة الديبلوماسية المستجدة بفعل تصريحات غير مسؤولة تجاه دول الخليج أطلقها وزير الاعلام جورج قرداحي وانتقد فيها التحالف العسكري الذي تقوده المملكة العربية السعودية في اليمن.

في أيام معدودات، سجلت العلاقات اللبنانية – الخليجية تدهوراً متسارعاً فيما كان رئيس الحكومة نجيب ميقاتي يسعى لرأب الصدع في هذه العلاقات المتوترة نتيجة تدخل “حزب الله” – الوكيل الايراني في لبنان – في الشؤون الداخلية لدول الخليج ولا سيما المملكة العربية السعودية ودعمه للحوثيين في اليمن.

كرة المقاطعة الخليجية تتدحرج تدرّجاً فيما قرداحي الذي انتقد في برنامج حواري التحالف العسكري الذي تقوده المملكة العربية السعودية في اليمن، يرفض الاستقالة بدعم علني من “حزب الله”. فمن سحب سفراء، إلى رفض إدخال الصادرات اللبنانية التي كانت تدخل الى البلاد المليارات من الدولارات الطازجة، إلى منع ادخال البريد من لبنان الى السعودية (وهو ما اعلنته شركة “DHL” “تنفيذاً للتعليمات السعودية”). والمعلومات تتحدث عن خطوات تصعيدية أخرى يجري البحث فيها جدياً، ومنها منع شركات طيران خليجية من المجيء الى لبنان واحتمال فرض عقوبات على رجال أعمال نقلوا أموالهم من مصارف أوروبية إلى الإمارات خوفاً من العقوبات الأوروبية.

ويقول مطّلعون على مجريات ما يحصل اليوم إن الأزمة الحادة التي ضربت العلاقات اللبنانية – السعودية واللبنانية – الخليجية هي كارثة طالت الاقتصاد المنهك أصلاً والذي كان يحتاج ولو لجرعة دعم عربية صغيرة تنقذه من الموت.

ولفتت هذه المصادر لـ”لبنان الكبير” إلى أن ما سيقصم ظهر اللبنانيين هو منع التحويلات من دول الخليج الى لبنان، والتي هي بمثابة الاوكسيجين التي يتنفسون من خلالها والتي ساهمت في منع الانفجار الاجتماعي حتى اللحظة، من خلال توفيرها شبكة أمان لعشرات الآلاف من العائلات ومساعدتهم على الحفاظ على الحد الأدنى من قدرتهم الشرائية ومواجهة تضخم الأسعار والفقر والبطالة.

تقدّر القيمة الاجمالية السنوية لتحويلات المغتربين اللبنانيين بحوالي 6.3 مليارات دولار وفق الارقام الصادرة عن البنك الدولي عام 2020، وإن كان من المرجح أن يكون الرقم أعلى لأن ثمة أموالاً تأتي نقداً عبر المسافرين. ومن هذا المبلغ، هناك ما يقدّر بـ 1.6 مليار دولار تأتي من دول الخليج العربي.

وكان عدد العاملين في دول الخليج يناهز الـ500 ألف قبل الأزمة المركبة التي تفجرت عام 2019، ليرتفع بعد الأزمة مع هجرة الشباب الى هذه الدول – من ضمن دول أوروبية أخرى – بحثاً عن رزقهم الذي أكلته السلطة السياسية وعن استقرار بات مفقوداً هنا.

هذه التحويلات كانت في الماضي تغذي ميزان المدفوعات الذي بدأ يسجل عجوزات تراكمية منذ العام 2011 بعد الأزمة التي تسبب بها “التيار الوطني الحر” و”حزب الله” بفعل الاستقالة المفاجئة من الحكومة الاولى التي شكّلها الرئيس سعد الحريري عام 2009. أما اليوم فصارت تلعب دوراً أساسياً في مساندة العائلات اللبنانية في مواجهة الجوع والفقر وإنهيار سعر صرف الليرة. ويعتبر لبنان واحداً من أكبر البلدان المتلقية للتحويلات في جميع أنحاء العالم، حيث تتجاوز هذه التحويلات خُمس ناتجه المحلي الإجمالي الاسمي.

الدعم الخليجي

لطالما اعتمد لبنان على الدعم المالي الخليجي لتحقيق نمو اقتصاده أو لمعالجة أزمات يمر بها، فضلاً عن التوظيفات الخليجية التي ساهمت في ازدهار القطاعين المصرفي والعقاري خصوصاً. هذا عدا عن أهمية الخليجيين في رفد القطاع السياحي منذ الخمسينيات. من هذا الدعم نذكر:

– حجم الاستثمار الأجنبي المباشر من دول الخليج الذي بلغ ما بين عامي 2003 و2015، ما نسبته 76 في المئة من الاستثمارات الاجنبية الاجمالية.

– الودائع العربية والخليجية التي تم ايداعها في مصرف لبنان دعماً لاحتياطاته بالعملات الاجنبية، والتبرعات العربية الطائلة التي حصل عليها لإعادة إعمار ما دمرته الحرب الاسرائيلية والتي تناهز المليار ونصف المليار دولار.

– المساعدات التي حصل عليها لبنان من دول الخليج ومن الصناديق العربية خلال مؤتمرات باريس 1 و2 و3 لدعم الاقتصاد اللبناني.

– التعهدات التي حصل عليها لبنان في مؤتمر “سيدر” الذي انعقد في باريس عام 2018 والذي كان يفترض ان يشكل سترة نجاة للاقتصاد اللبناني لولا منع تنفيذ الاصلاحات التي اقرت في المؤتمر والتي كانت شرطاً لالتزام المجتمع الدولي بوعوده.

لكن هذا الدعم المهم بدأ يشهد تباطؤاً كبيراً منذ 2015، في ظل فراغات متوالية أنهكت الاقتصاد ودفعت مؤشراته المالية الى المراتب الحمراء.

وفي هذا الاطار، لا بد من ان نذكر الهبة المالية التي اوقفتها الرياض عام 2015 والتي كانت تبلغ 3 مليارات دولار قررها خادم الحرمين الشريفين الراحل عبد الله بن عبد العزيز عام 2013، لتسليح الجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي وسائر الأجهزة الأمنية بأسلحة فرنسية، وذلك بسبب “المواقف اللبنانية التي لا تنسجم مع العلاقات الأخوية بين البلدين” بعد توالي المواقف المسايرة لإيران من قبل حليف “حزب الله” وزير الخارجية آنذاك جبران باسيل في جامعة الدول العربية والمنتديات الدولية الأخرى.

وعلى الرغم مما تسببت به هذه المواقف المعادية وانعكاساتها السلبية على مجمل اللبنانيين، لكن مطلقيها استمروا في تصعيدهم الى أن قادوا لبنان إلى عزلة عربية غير مسبوقة في تاريخه.

شارك المقال