الحريرية ولبنان صنوان في المسار والمصير

المحرر السياسي

ليست مشكلة لبنان الوحيدة هي “حزب الله” ولا ممارساته اللاغية لسلطته الشرعية وحدوده السيادية، بل هناك قضايا كثيرة وضعت وطن الارز في مأزق وجودي وغير مسبوق برغم تاريخه الحديث المفعم بالمآزق والكوارث.

لكنها من دون ادنى شك، او شبهة تجن، او مثلبة افتراء، هي ام المشاكل واخطرها واكثرها قدرة على الفتك بمصير الدولة ومؤسساتها وسلطاتها وناسها، بل هي تكاد ان تعدم اي أمل بامكانية الخلاص من احتمال الانكسار والتشظي الاخيرين.

الواضح حتى اللحظة ان حزمة الازمات التي يتوجها “حزب الله” وأداؤه تكاد ان تكون مكتملة المواصفات ولا ينقصها اي اضافة كي تظهر نتائجها على جميع اللبنانيين، وعلى مصير الكيان الوطني والدولة الجامعة والمعترف بها برغم انها والفشل صنوان. لكن، وهذه لا بد منها، تبدو اقدار اللبنانيين أرأف بحالهم من الحزب الايراني، واكثر لطفا ورحمة من الكوارث التي يتسبب بها على كل المستويات. وفي هذا لا يمكن غض النظر عن، أو تبخيس قدرة الآخرين المتضررين على جبه الانحدار الى الانكسار والانحدار الاخيرين، وعلى إبقاء لبنان فكرة وفعلاً، دولة ومؤسسات، حجراً وبشراً، قيد الوجود وقابلاً للحياة والاستمرار.

وتلك الأقدار المضادة راهناً لقدرات “حزب الله” أوجبت في كل مرة ينحدر فيها البلد الى هاوية المشاريع الذاتية والانوية المدمرة، إرادة مغايرة تبدو في ظاهرها انها غير قادرة لكن يتبين في نهاية الامر انها الاقدر والاقوى والابقى، ليس بقوة النار والبارود والعسكرة والامن والتجييش واستنفار العصبيات، بل بالعكس من كل ذلك: بتأكيد الانفتاح والاعتدال والوسطية والرحابة، والاحتكام الى القانون والالتزام بأحكام الدستور، والسعي الى تثبيت حضور الدولة ومؤسساتها وفكرتها وادوارها وحقوقها الحصرية بالسيادة على ارضها ورسم خطوط علاقاتها الخارجية واحتكارها ذلك القرار مثلما تحتكر قرار السلم والحرب والسلاح الشرعي ووظائفه وغاياته.

وذلك مناخ سياسي ووطني قبل أن يكون اطاراً تنظيمياً او حالة حزبية خاصة. مناخ وضع خطوطه العريضة بعد انتهاء الحرب ومباشرة العمل بدستور الطائف، الرئيس الراحل الشهيد رفيق الحريري ودفع حياته ثمناً لتثبيته وجعله الخيار الوحيد الممكن لضمان بقاء لبنان على الخريطة وليس ملحقاً لخريطة غيره… وذلك  في جملته بقي من بعده، واستمر برغم بأس المجرمين وقوة اندفاعهم نحو محاولة السيطرة التامة على البلد ومقدراته وقراره وشرعيته ثم توضيبه ووضعه في خدمة نظام الاسد بداية ثم نظام ايران لاحقاً. وبهذا المعنى وليس بغيره كان تيار الحريرية السياسية متناغماً مع تيار الحياة في وطن الارز ومع طبيعته الاولى، حيث انه مستقر وليس ممراً لجماعات متنوعة مذهبياً وطائفياً ارتضت الكيان على قياسها جميعاً وليس على قياس اي طرف واحد منها… وارتضت بعد التجارب المريرة السابقة ان لا تعبر ذلك الممر ولا تخوض التجربة مجدداً بل ان تثبت الفكرة المضادة القائلة إن لبنان قابل للحياة والعيش في الزمن الراهن وفي كل الازمان، وليس مقدرا له ان يندثر او ان ينكسر كلما ركب احد فيه رأسه وقرر ان يخطفه ويتحكم به بعيداً من ارادته الشرعية ومحيطه العربي وعلاقاته الدولية.

لم يكن أحد يتوهم ان هذه الارادة المضادة لسطوة المحور الممانع الاسدي الايراني واجرام ادواته، كانت ذاهبة الى مخيم ترفيهي صيفي! أو الى نزهة في البرية! او الى رحلة استجمام! بل كان الوعي تاماً منذ الأيام الأولى التي تلت جريمة الغدر بالرئيس الحريري أن الرحلة شاقة والطريق طويل والمطبات فيه خطيرة، والخيار الممكن والوحيد هو الصمود في وجه العاصفة والتمسك بمشروع الدولة وإعادته الى ريادته وتأكيد السلم الاهلي ووحدة عيش اللبنانيين، وتثبيت الارتكاز إلى الدستور بعد السعي الى انجاز ما نقص من بنوده وما منعت الوصاية من تنفيذه.

أكمل الرئيس سعد الحريري ذلك المسار ورفض الانجرار الى غيره، مستعيناً بإرادات محلية موازية جمعها إطار تنظيمي هو الرابع عشر من آذار، وإطارات أوسع مدى تمثلت سياسياً بالرئيس نبيه بري وبالشخصيات المرموقة مسيحياً وإسلامياً وبوحدة التشخيص مع بكركي ودار الفتوى والمرجعيات الروحية الاخرى على امتداد تنوعها جغرافياً وبشرياً… ثم اشتركت في قراءة واحدة موحدة مع إرادات سياسية عربية وخليجية ودولية، ارتأت عن حق ان اللبنانيين يستحقون حريتهم وسيادتهم واستقلالهم وسلمهم الاهلي والضرورة الحاسمة للتصدي لدويلة “حزب الله” من خلال تمكين الدولة الشرعية واعلاء شأنها وتقوية قدراتها وتدريع بنيانها، وتثبيت “حقوقها” الحصرية بالسلاح وآلياته واستخداماته وبالقرارات السيادية المتعلقة بالعلاقات الخارجية وبكل شأن اخر يتصل بمصير اللبنانيين ومسارهم الوطني العام.

ومشى ناس 14 آذار على الشوك وفي حقول الالغام، في مواجهة مشروع خطف لبنان وقراره الشرعي من “حزب الله” ومحوره الإيراني وأخذه الى اصطفافات بعيدة من طبيعته وانتماءاته العربية وعلاقاته التاريخية، وجعله مجرد ورقة في يد صانع القرار في طهران ولحسابه وسياساته التخريبية في عموم المنطقة العربية والاسلامية، وازاء دول الخليج العربي عموماً والمملكة العربية السعودية خصوصاً… وبرغم كل شيء، فإن مسيرة التصدي لكل ذلك البلاء ستستمر وستمضي الى الامام حفاظا على لبنان وأهله، ورداً على محاولات إبعاده عن دوره واشقائه العرب وصوناً لعلاقاته القدرية والتاريخية معهم في الاجمال، ومع المملكة العربية السعودية بالتحديد، وهي التي تتعرض اليوم للافتراء والاعتداء ولحملة تشويه لمواقفها وسياستها ووقوفها في الخط القيادي الاول دفاعاً عن امنها الوطني واستقرار دول مجلس التعاون الخليجي والامن القومي العربي بالاجمال.

تيار الرئيس الشهيد رفيق الحريري كان من أجل لبنان وسيبقى من اجل لبنان، صنوان لا يفترقان في المسار والمصير.

شارك المقال