كيف أفادت روسيا من “سبات” الغرب؟

حسناء بو حرفوش

تركت الولايات المتحدة وأوروبا منطقة جديدة تحت سيطرة روسيا إثر الفشل بتقديم البدائل الواقعية، وفق إيان كيلي، السفير الأميركي السابق في جورجيا في مقال على موقع “ذا اتلانتيك” (The Atlantic) الإلكتروني، بالتزامن مع الذكرى الأولى لوقف إطلاق النار بين أرمينيا وأذربيجان، على خلفية النزاع حول منطقة ناغورنو – كاراباخ في جنوب القوقاز.

ووفقا لكيلي، “على الرغم من أنّ اتفاق وقف إطلاق النار نصَّ على مشاركة الولايات المتحدة وفرنسا وروسيا في رئاسة عملية التفاوض للتوصّل إلى حلّ دائم، بدا أنّ هناك بعض التفاهمات غير المكتوبة أيضاً، على غرار اتفاق موسكو وواشنطن، على أنّ قوة حفظ السلام لن تشمل فرنسا ولا الولايات المتحدة. وحظي هذا بموافقة الأطراف المتحاربة، على الرغم من إعراب مسؤول أذربيجاني كبير عن تخوّفه من نشر القوة الروسية، لأنه “بمجرد وصول جنود حفظ السلام الروس فإنهم لن يغادروا أبداً” (…) ومع ذلك، تم التوصّل لوقف إطلاق النار العام الماضي بوساطة روسية حصراً، كما لم تضم قوة حفظ السلام إلا العناصر الروس. فكيف يبرّر هذا التهميش الكامل لواشنطن وباريس؟”.

يربط المقال الإجابة على السؤال السابق بثلاثة أسباب:

أولاً، “رغبة الكرملين بإعادة التأكيد على الهيمنة الروسية على ما يعتبره أراضي روسيا التاريخية، وتقليص التدخّل الغربي في المنطقة.

ثانياً، إحجام البيت الأبيض والإليزيه عن الانخراط في عملية الوساطة (…).

ثالثاً، الحماسة الروسية للمفاوضات خصوصاً أنّ الرئيس بوتين عكف على مدى العقد الماضي على استضافة رؤساء أذربيجان وأرمينيا بشكل سنوي تقريباً، وأبدى وحده الاستعداد للمشاركة في المفاوضات عقب اندلاع الحرب عام 2020 (…).

وعلى الرغم من إبعاد بوتين لباريس وواشنطن بشكل أساسي عن عملية حل النزاع، لم تشعر العاصمتان إلا بالراحة مع نهاية القتال ونشر قوة حفظ السلام الروسية.

وتظهر روسيا الآن في مقعد القيادة بشكل غير مسبوق حيث تتوزّع قواتها على الأرض بين دول القوقاز الثلاث، بموافقة البلدان المضيفة (أرمينيا وأذربيجان) أو من دونها (جورجيا). كما تعمل موسكو على دفع آلية جديدة متعددة الأطراف للمنطقة من شأنها أن تشمل دول القوقاز، بالإضافة إلى روسيا وتركيا وإيران. وأبدت أذربيجان استعدادها للمشاركة ضمن هذه الآلية الجديدة، المصمّمة في المقام الأول لاستحداث طرق تجارية جديدة بين الشمال والجنوب عبر المنطقة. وعلى الرغم من أنّ جورجيا وأرمينيا لم تؤكدا المشاركة، أعرب كلاهما عن الانفتاح والاستعداد للنظر في المبادرات الاقتصادية الجديدة للمنطقة. مع الإشارة إلى أنّ التجارة في المنطقة لطالما تعرضت للعرقلة بسبب الصراعات في ناغورنو – كاراباخ وجورجيا.

لماذا يجب على الغرب الاهتمام؟

على الغرب إعادة النظر بموقفه، أولاً بسبب حقائق القوة الصلبة، إذ أنّ إتاحة المزيد من الفرص لأذربيجان وجورجيا، وتحديداً في ما يخص الممرّ الجنوبي للنفط في حوض بحر قزوين، والتجارة والاستثمار الغربيين، تسمح بإضعاف قوة موسكو وطهران الاقتصادية (…)، فضلاً عن أنّ هناك حاجة أيضاً لضمانات أمنية لردع الجيش الروسي. ففي العام 2011 على سبيل المثال، اعترف الرئيس آنذاك ديمتري ميدفيديف بأنّ روسيا غزت جورجيا عام 2008 لمنعها وغيرها من الدول السوفياتية السابقة من الانضمام إلى حلف الناتو.

وهذه ليست جملة الأسباب، فدول القوقاز الثلاث، التي تتمتّع بعضوية سابقة في الاتحاد السوفياتي (…)، ليست خارج مدار موسكو بالكامل ولا تزال تخضع للاستخدام الروسي لناحية التهديدات والحظر للحد من سيادتها. وتدعم الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي رغبة الثلاثي في ​​الاستقلال. كما أنّ لأرمينيا وجورجيا توجهات غربية يؤكدها إبرام اتفاقيات التجارة الحرة مع الاتحاد الأوروبي (كما تسعى جورجيا للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي).

وبإمكان جهود موسكو أن تحوّل منطقة القوقاز من محور شرق-غرب إلى محور شمال-جنوب، وبالتالي ستتمتع روسيا، بمجرد إنشاء طرق تجارية جديدة، بنوع من النفوذ في القوقاز الذي أبدت باستمرار استعدادها لاستخدامه في ما يتعلق بأوكرانيا وبيلاروسيا ومولدوفا وأماكن أخرى. وقد استغل الكرملين مراراً موقعه المتداخل على خطوط الأنابيب والطرق البرية لمعاقبة الدول التي تجرؤ على إعادة التوجّه نحو الغرب.

لكن في المقلب الآخر، وإلى جانب الآفاق القاتمة لعضوية الناتو والاتحاد الأوروبي، لم يقدّم الغرب الكثير من البدائل للمشروع الروسي (3+3). وعلى سبيل المثال، لا تضم إحدى المجموعات الإقليمية الفرعية التي تربط البلدان الواقعة على بحر البلطيق والبحر الأدرياتيكي والبحر الأسود، والتي تعرف بمبادرة البحار الثلاثة، إلا أعضاء الاتحاد الأوروبي، في حين أنّ أوكرانيا وجورجيا، اللتين تطمحان للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي، تُركتا خارج هذه المجتمعات الجيوسياسية المغلقة. عدا ذلك (…)، ثمة فجوة أمنية كبيرة حول البحر الأسود، إذ تهدّد روسيا بانتظام الحقوق البحرية والجوية لحلف الناتو مع قدرة على الإفلات من العقاب تقريباً، وتطالب بشكل غير قانوني بالمياه الدولية أو المياه الأوكرانية المعترف بها دوليا، باعتبارها روسية (…).

والخلاصة أنّ الغرب ترك، من خلال الفشل بتقديم بدائل واقعية للآليات الاقتصادية والأمنية التي تتمحور حول روسيا، منطقة أخرى تحت رحمة قوة شرسة، وساعد على إنشاء منطقة أخرى تعاني عدم الاستقرار. لذلك، عليه رفع مستوى لعبته الديبلوماسية قبل أن تغرق المنطقة أكثر فأكثر تحت أمواج الهيمنة الروسية غير الليبرالية”.

شارك المقال