في الكرامة الوطنية!

علي نون
علي نون

جيد مبدئياً حديث الكرامة الوطنية وخصوصاً أن هذه المكرمة منسلة من مدونة الفضائل الحميدة ومكارم الأخلاق، وتدل على عزة النفس بغض النظر عن رفعة المقام.

ولانها كذلك فهي ملك عام ومشاع ولا يمكن قولبتها وادعاء احتكارها أو وضعها في خزائن الاملاك الخاصة… وتعني للكثيرين بديلاً من تواضع الحال ودرعاً اخلاقية تغطي مثالب عابرة او هنات هينات، ثم توازي في الشأن الوطني الجامع او في شؤون الدين والارض والعرض، مزدوجة الحياة والموت وليس اقل من هذا.

ولانها كذلك ايضاً، راحت قوى الممانعة في نواحينا الى رفع لوائها وإعلاء بيرقها ووضعها في مقدم جدول أعمالها الراهن إزاء الكارثة الحاصلة مع المملكة العربية السعودية، نتيجة تخرصات الوزير الأسدي في حكومة الرئيس نجيب ميقاتي ثم الضخ الافترائي على الرياض خدمة لأجندة إيرانية واضحة.

واللافت في الأمر هو ان الرطن بمعطى الكرامة ذاك، يأتي من ذوات صنعت نفوذها واقتدارها خلال مرحلة الوصاية الاسدية وتحت رعايتها المباشرة وامام انظارها القريبة واستنادا الى مخزونها اللغوي والاخلاقي المعروف للجميع! والذي كان يبطن ويظهر الاحترام والتقدير لهؤلاء بجملتهم! وللدولة وحدودها ورموزها ومصالحها! وللدستور والقوانين السيادية برمتها! وللازلام والاقزام منهم خصوصا! ولكل مقام وطني لبناني ابتلاه الدهر بسوريا آل الاسد! ثم هم انفسهم، هؤلاء الراطنون واللاهجون اليوم بمكرمة الكرامة الوطنية تلك، ينضوون تحت جوانح وريث تلك الوصاية وراعي المشروع الايراني الذي اخذ المقاومة عنواناً ثم جعلها اداة لدعس السيادة الوطنية وتخريب وحدانية الدولة ومؤسساتها الشرعية، واحتكارها القرارات الكبيرة والصغيرة الخاصة بالسلاح وطرق استخدامه، وبعلاقات لبنان الخارجية العربية والدولية ثم محاولة قولبة الجماعات اللبنانية الاخرى والتأثير في طريقة عيشها واسلوب حياتها وعلاقاتها واشواقها وثقافتها وفنونها واهوائها بعد ان جعلت منهم رهائن قراراتها الخاصة ودافعي اثمان شططها الايراني الهوى والمصلحة والارتباط.

هؤلاء جميعاً يرطنون بلغة واحدة وان تنوعت التعابير واللهجات. وينطلقون من مدونة سلوك ممانعة معروفة تحتكر المشاع وتسجله باسمها الحصري، وتعيد ترتيب وتعريف الاخلاقيات العامة والخالدة تبعاً لسرديتها الحزبية والسياسية الخاصة بها، بحيث ان عميلاً إسرائيلياً مثلاً يصير في عرفها مناضلاً او وطنياً طالما انه اعلن توبته واكملها بتقديم فروض الطاعة والولاء لها، في مقابل فتح ابواب التخوين والارتهان والعمالة ضد كل من اختلف معها حتى لو كان هذا المعني احد اساطين المقاومة التاريخية للاحتلال ومشاريعه وادواته، وانقى من مشى عليها!

ولا تخرج معركة الكرامة المدعاة هذه الايام عن مدونة السلوك تلك، بل تخرج من رحمها وتشرب من حليبها وترضع من ضرعها، بحيث إن المطالبة باستقالة الوزير الاسدي الضحل صارت تعني مسا! بالسيادة اللبنانية وتطاولاً على كرامة اللبنانيين، في حين ان التعرض المستدام بسقط الكلام والتجريح القارص والافتراء اللا أخلاقي منذ سنوات وسنوات على المملكة وقيمها وقيادتها، ثم المشاركة في العدوان عليها من جوارها اليمني او العراقي وإشهار العداء السافر لها… ذلك وغيره لا يعتبر في عرف أهل الممانعة وميزانهم الاعوج تعرضاً لكرامة أعز بلد عربي واسلامي، واكثر بلد قدّم الغالي والنفيس لمساعدة لبنان واللبنانيين من دون تمييز ولا تفريق!

شارك المقال