هويّة غير قابلة للمساومة!

رامي الريّس

ليست الإرهاصات المتلاحقة للأزمة القائمة بين لبنان والدول العربيّة سوى انعكاسات متوقعة لسياسة إدارة الظهر لمصلحة لبنان العليا ولعلاقاته التاريخيّة مع العالم العربي، وهو الذي كان عضواً مؤسساً لجامعة الدول العربيّة سنة 1945 وتفاعل مع قضايا العرب بأشكال مختلفة على مدى عقود.

إن التدهور التدريجي لعلاقات لبنان العربيّة لا تقتصر نتائجه السلبيّة والخطيرة على الشق الاقتصادي فحسب، على الرغم من أهميّة هذا الجانب وتأثيره في الواقع الاقتصادي اللبناني في لحظة خطيرة يعيشها لبنان مع تفاقم الأزمات المعيشيّة وتدهور العملة الوطنيّة وارتفاع نسبة التضخم وهي مرشحة إلى المزيد من الارتفاع في ظل الشلل الحكومي الراهن.

إن اختطاف الحكومة وقرارها السياسي وشلّ قدرتها على متابعة عملها (لا بل الانطلاق به لأنها بالكاد باشرت استلام مهامها) في هذه اللحظة السياسيّة الحسّاسة والصعبة، إنما يعقد الأمور ويقفل كل منافذ الانقاذ أو على الأقل الحد التدريجي من التدهور الخطير الذي تعيشه البلاد.

مقاربة المأزق اللبناني – الخليجي تتطلب بناء رؤية جديدة من الطرفين: من الناحية اللبنانيّة، العودة إلى سياسة النأي بالنفس وامتناع أطراف لبنانيّين فاعلين عن إقحام أنفسهم في شؤون الدول العربيّة بما يفوق قدرة لبنان على الاحتمال، وإقلاع البعض الآخر من هواة السياسة عن إصدار التصاريح في تفلت سياسي لا يقيم أي اعتبار لمصالح لبنان العليا وموقعه التاريخي.

أما من الناحية الخليجيّة، فالمطلوب أيضاً أن تقارب الدول العربيّة الملف اللبناني من زاوية عدم السماح بالإمعان في اختطاف قراره السيادي وجرّه نحو محاور إقليميّة لها مشروعها وأجنداتها التي لا يمكن للبنان أن يكون جزءاً منها.

إن إمعان بعض القوى اللبنانيّة في مصادرة القرار الوطني المستقل واعتزازها بسلخ لبنان عن محيطه العربي من شأنه أن يلحق المزيد من الضرر والخسائر السياسيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة على البلاد. إذا كان أحد أهدافها تحقيق هذا الانسلاخ وتعميقه، فهذا خيار مكلف ولن يُكتب له النجاح.

لطالما كانت سياسات وجهود وأنشطة أطراف لبنانيّين في حقبات مختلفة تسعى للسيطرة على القرار اللبناني والسطو على مقدّرات الحكم بالتحالف مع قوى خارجيّة وبدعم منها، ولطالما اصطدمت هذه الخيارات بنتائج مدمرة وكارثيّة وضعت البلاد في قلب النزاعات المسلحة والدمويّة من دون طائل.

المواطن اللبناني يبحث عن قوته اليومي في ظل تراكم الأزمات الاجتماعيّة وتآكل قيمة عملته الوطنيّة، وهو قلق على مستقبله ومستقبل أولاده في بلد فقد ميزاته التفاضليّة وصارت فرص خروجه من كبوته أكثر تعقيداً وصعوبةً وفي ظل معاكسة كل الظروف الداخليّة والخارجيّة لسلوكه هذا المسار.

لبنان كان عربياً وسيبقى كذلك. هذه الهويّة غير قابلة للمساومة. “خيّطوا بغير هالمسلّة!”

شارك المقال