العدالة مكفوفة اليد بأمر فرنسي

محمد شمس الدين

“يا دارة دوري فينا”، التعبير المناسب لآخر التطورات القضائية، كف يد عن البتّ بكف يد البتّ بكف اليد، هذا ما يحصل في القضاء اليوم، وكل قاضٍ أصبح يغني على ليلاه، والخاسر الأكبر هو العدالة تتبعها الحقيقة، وهيبة القضاء التي إن كان له بعض منها، أصبحت بالحضيض.

رزق الله وإيليا ومزهر… متاهة قضائية

شرح مصدر قانوني لموقع “لبنان الكبير” الدوامة القضائية في محكمة الاستئناف المدنية في بيروت. بداية المحكمة لديها عدة غرف، ويشرف على توزيع المهام رئيسها الأول القاضي حبيب رزق الله، الذي وصلته دعوى منذ فترة من الوزير السابق نهاد المشنوق برد المحقق العدلي القاضي طارق البيطار، وقد حول رزق الله الملف الى غرفة القاضي نسيب ايليا، الذي اعتبر أنه مرجع غير صالح للبتّ بالقضية. وبعدها تقدم وكيل الوزير السابق يوسف فنيانوس بطلب رد القاضي بيطار إلى المحكمة عينها، لكن الغريب أن القاضي رزق الله عندما وصله الطلب، حوله مرة أخرى عند القاضي نسيب إيليا الذي سبق أن أعطى رأيه بالملف، علما أنه يوجد غرف أخرى في المحكمة. وكأن بالرئيس رزق الله يرد الدعوى بطريقة شبه مباشرة، عندها تقدم وكيل فنيانوس بدعوى رد القاضي إيليا، وقد كلّف الرئيس رزق الله القاضي حبيب مزهر النظر بطلب رد إيليا، القاضي مزهر اعتبر أنه بحاجة للاطلاع على الملف الكامل أي مراجعة ملف رد القاضي بيطار، ليتمكن من أخذ قراره، فوجه طلباً إلى القاضي بيطار طالباً ملف التحقيق. وهنا يبدو أن واضعي الخط الأحمر على القاضي بيطار، شعروا بأن الأمور ستفلت من أيديهم، فأوعز لفريق من ذوي الضحايا بتقديم دعوى برد القاضي مزهر عن الملف. الآن تزداد الأمور تعقيداً، إذ أوكل الرئيس رزق الله القاضي إيليا لينظر بكف يد القاضي مزهر، والأغرب أن القاضي إيليا تحمس وقبل الملف، ويبدو أنه يريد كف يد القاضي مزهر، الذي ينظر بكف يد إيليا. وللتوضيح أكثر:

– القاضي إيليا أعلن عدم اختصاصه بملف القاضي بيطار.

– القاضي مزهر ينظر بكف يد القاضي إيليا عن الملف.

– القاضي إيليا تم تعيينه للنظر بكف القاضي مزهر عن النظر بكف يده (إيليا) عن الملف.

إضافة إلى ذلك، يشير المصدر إلى أنه أصبح هناك دعاوى مسؤولية الدولة عن أعمال القضاء، التي تقدم بها الوزيران علي حسن خليل وغازي زعيتر، وبما أن المسؤول عن البت بهذه المسألة هو الرئيس الأول لمحكمة التمييز القاضي سهيل عبود، وهو أيضا رئيس مجلس القضاء الأعلى، فحكماً سيُطلب رده، لأنه هو من يوزع المهام، وكذلك سيتقدم الوزير فنيانوس بدعوى رد القاضي إيليا عن النظر بدعوى الرد بحق القاضي مزهر، دوامة قضائية لم يُشهد لها مثيل لا في لبنان ولا العالم.

فرنسا وعبود

في المقابل، أصدر مجلس القضاء الأعلى الفرنسي بياناً يدعم فيه القاضي بيطار، معتبراً أنه يتعرض لضغوط وهجمات شخصية متكررة وتهديدات. وفي هذا السياق، صرّحت مرجعية قانونية بأن البيان الصادر ما هو إلا استكمال للتوجيه الفرنسي لرئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي سهيل عبود، وأن ما يقوم به الأخير من وضع خطوط حمراء على القاضي بيطار، وعدم إيداع الملف لدى النيابة العامة هو ضرب للقضاء من جذوره، فسرية التحقيق لا تكون على القضاة أعلى رتبة من البيطار أو الرتبة عينها. وتتساءل المرجعية إن كان الإعلام يخضع لمبدأ سرية التحقيق، إذ إن بعض الإعلاميين تصلهم القرارت من المحقق العدلي قبل صدورها.

عمل اللواء عثمان قانوني

وحول رفض المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان تنفيذ مذكرة التوقيف بحق النائب علي حسن خليل، أشار أستاذ التحقيقات الجنائية الدكتور عمر نشابة إلى أن اللواء عثمان “لم يرفض تنفيذ المذكرة، لكن القاعدة هي أن النائب يمتلك حصانة، ولا يمكن توقيفه إلا من خلال استثناء موثق قانونياً، ويجب على النيابة العامة أن تقوم بمراسلة خطية للضابطة العدلية توضح بموجب أي نص يمكنها أن توقف النائب، لتستطيع الأخيرة تنفيذ المذكرة”.

في ظل كف يد المكفوف يده عن كف يد المكفوف يده عن كف اليد، كفرت العدالة، وكفر ذوو الضحايا والشعب اللبناني معهم. أي قضاء يرضى بتعريض تحقيق مهم كانفجار المرفأ إلى متاهة مثل ما يحصل اليوم؟ أي قضاء هو الذي يجعل من قاض إلها ممنوع مساءلته؟ كيف ينام رئيس مجلس القضاء وهناك ضرب للقوانين التي هو مؤتمن عليها؟ لكن يبدو أن “الأم الحنون” لديها أجندتها الخاصة، وإملاءاتها هي أوامر ممنوع الاعتراض عليها، ولا يهم إن يفقد الناس ثقتهم بأهم سلطة بالبلد، القضاء، رغبات “غورو” مطاعة.

شارك المقال