اغتيال مدينة بالسمّ

عالية منصور

تعددت وسائل الاغتيال السياسي، واشتهرت مؤخرا وسيلة الاغتيال بالسمّ التي صرنا نسمع عنها كثيراً بسبب لجوء النظام الروسي لاستخدامها ضد معارضي الرئيس فلاديمير بوتين، وان كان الاغتيال بالسم وسيلة قديمة تعود لمئات السنين وربما اكثر، وبالطبع هذه الوسيلة ليست حكراً على روسيا وبوتين، الا انه وبذهننا فان لروسيا نصيب الاسد من هذا القتل بدم بارد، ففي العام 1453 مثلاً اغتيل دوق موسكو الامير ديمتري شيمياكا، بالسم أثناء تناوله وجبة العشاء، بعدما خلط طباخه الطعام بالزرنيخ مقابل رشوة.

ولم تتوقف عمليات الاغتيال لمعارضين سياسيين بالسم يوماً، بل ارتفعت وتيرتها بعهود بوتين، كذلك الامر محاولات اغتيال لمسؤولين كبار كما حصل عندما ضبطت السلطات الاميركية قبل اعوام طرداً يحتوي على مادة الريسين السامة، كان موجها إلى الرئيس الاميركي حينها دونالد ترامب.

ويلجأ البعض الى اعطاء خصمه جرعات صغيرة من السم بشكل مستمر في محاولة لقتله واظهار العملية على انها ميتة طبيعية بسبب مرض ما اصاب الضحية وليس بسبب عملية اغتيال واضحة المعالم.

والقتل البطيء بالسم هو الاسلوب الذي اتبعه “حزب الله” ولكن ليس مع معارض له بل مع مدينة بأكملها، وبلد بأرضه وناسه، فمن يتابع ما قام ويقوم به حزب الله منذ لحظة اغتياله للرئيس الشهيد رفيق الحريري، سيرى ان “حزب الله” كان يغتال المدينة بجرعات تكبر أو تصغر ولكنها كانت تقتل مدينة بيروت ببطء.

منذ تلك اللحظة المشؤومة التي قرر فيها “حزب الله” وبشار الاسد اغتيال رفيق الحريري صدر قرار مواز باغتيال بيروت، قالها يومها بشار الاسد مهدداً رفيق الحريري “سندمر لبنان”.

من 14 شباط 2005 الى اليوم، يكاد لا يمر عام لا يرتكب به “حزب الله” والنظام السوري جريمة بحق لبنان واللبنانيين، من حرب “لو كنت اعلم” في العام 2006، والاغتيالات والتفجيرات قبلها وبعدها، الى حصار السرايا الحكومية واغلاق وسط بيروت وخنق العاصمة، الى غزوة 7 ايار، الى التدخل العسكري في سوريا واليمن، وامتهان تجارة المخدرات وتصديرها، وتفجير مرفأ بيروت الذي استخدم لاستيراد نيترات الامونيوم (وغيرها من يدري) لصالح نظام الاسد، الى تحويل لبنان لمنصة صواريخ ايرانية، والقائمة تطول، لم يتوقف هذا الطباخ المرتشي من وضع جرعات من السم لقتل مدينة يكره كل ما تمثله.

ليس جديدا ولا غريبا الكره الذي يكنه أمين عام “حزب الله” حسن نصرالله وما يمثل لبيروت المدينة وما تمثل، فلطالما عبر عن الامر قولا وفعلا، بل وزرع هذا الحقد على المدينة بعقول مناصريه، فصور تكسير المدينة وتدميرها تترافق دوما مع شارات النصر والابتسامات العريضة، هذه حالة نفسية تحتاج لاهل اختصاص لتفسيرها، لكنها لطالما ذكرتني بحقد نظام الاسد على سوريا وكيف عملوا على تشويه كل جميل فيها على مدى عقود.

واليوم تأتي قضية التعنت برفض إقالة جورج قرداحي والإصرار على التهجم والتعدي على الدول العربية، وخصوصا دول الخليج العربي، وعلى رأسهم المملكة العربية السعودية، اضافة الى الخلية الجديدة المكتشفة في الكويت لتجنيد مقاتلين ولغسل الاموال التابعة لـ “حزب الله”، لتكمل جرعات السم لقتل ما تبقى من بيروت. ولم يتبقَ من بيروت الكثير.

ومن يظن ان موت بيروت هو عقاب لـ “حزب الله”، فهو لم يدرك بعد مدى كره حزب الله ومن يقف خلفه لبيروت، ولكن يخطىء اكثر من يظن ان احدا سيقاوم السم نيابة عن جسد الضحية نفسه.

شارك المقال