“لبنان عربي الهویة والانتماء، وهو عضو مؤسّس وعامل في جامعة الدول العربیة وملتزم مواثیقها”، هذا ما ورد في مقدّمة الدستور اللبناني، وما تؤكّده علاقات لبنان العربيّة المتجذّرة في التاريخ منذ ما قبل الاستقلال، خصوصاً مع المملكة العربية السعودية التي استعان الملك المؤسّس عبد العزيز آل سعود بالخبرات اللبنانية من مستشارين وأصحاب فكر ورأي وإدارة، مروراً بسنوات ما بعد الاستقلال حين كانت المملكة حاضرة بقوة في المحطات المصيرية التي مرّ بها لبنان، لا سيما في المرحلة الممتدة ما بين نهاية الستينات وما بعد إنهاء الحرب الأهلية، فيما سمّي بمرحلة إعادة الإعمار، والمحطة الأساسية التي تجلّت في اتفاق الطائف عام 1989.
إذاً، لا يمكن اعتبار علاقة لبنان بالعرب عابرة أو تقليديّة أو سطحية، لأنّ ما ربط لبنان بالدول العربية أقوى بكثير مما ربطه بسائر أنحاء العالم، على الرغم من علاقته الوطيدة مع الغرب. إذ استطاعت هذه الروابط أن تنسج علاقة أخوية عميقة، ترجمتها دول الخليج والسعودية بمساعدة لبنان بعشرات مليارات الدولارات، وشرعت أبوابها أمام اللبنانيين للعمل في القطاعات كافة، فشكّلت الرئة الحية التي يتنفس من خلالها لبنان على الصعيدين السياسي والاقتصادي.
هذا ما كان وما يجب أن يكون. إلا أنّ علاقات الأخوّة والصداقة توتّرت منذ سنوات نتيجة اختطاف القرار السياسي الرسمي اللبناني بهدف إلحاقه بمحاور لطالما كانت مناقضة في مشاريعها وإيديولوجيتها لتكوين لبنان التعدّدي المتنوّع، مما دفع الكثيرون في الداخل إلى الإعلان عن قلقهم على مصير لبنان، الذي لطالما كان موقعه الطبيعي في الحضن العربي، خصوصاً بعد الأزمة الأخيرة إثر تصريحات وزير الإعلام جورج قرداحي، وما تبعها من مواقف وشلل في الحياة السياسية، إذ بلغت العلاقات الخليجية مع لبنان أدنى مستوى في تاريخها.
وبين من يشدّد على ضرورة إعادة العلاقة مع الدول العربية والخليجية إلى مسارها الطبيعي لأنه لا يمكن للبنان وحده أن يواجه تلك الخيارات المدمّرة والمناقضة لتاريخه، يتخوّف آخرون من نسف هوية لبنان العربيّة من أساسها. لكن، هل هذه الهوية مهدّدة فعلياً كما يتخوّف الكثيرون؟ ومن الذي يهدّدها بالزوال؟
حرب: السياسة الإيرانية لا يمكنها تغيير هوية لبنان العربية
وتحدّث الوزير والنائب السابق بطرس حرب عن واقع الصراع الإيراني العربي المستمر منذ عقود، “وهذا الخلاف التاريخي حين كان الشيعة العرب بصورة عامة إلى جانب السنّة العرب في وجه شيعة الفرس. أما في المرحلة الأخيرة مع بروز الثورة الإسلامية الإيرانية، وإطلاق شعار تصدير الثورة إلى العالم، ومنها بصورة خاصة إلى الدول العربية التي في أكثريتها سنّية، وبعد تورّط (حزب الله) المؤلّف من شيعة لبنانيين بمواجهة الدول العربية، من السعودية إلى الشعب السوري وغيرهما، فمن الطبيعي التساؤل حول إمكان تحول الشيعة العرب إلى شيعة إيرانيين في العالم العربي، وهذا يعني أنّ هناك مشكلة. لذلك، التساؤل مشروع، وهناك مخاوف من أن يطغى الانتماء الشيعي على الانتماء العرقي العربي، وبالتالي أن نجد في لبنان مثل السيد حسن نصرالله الذي ينفّذ السياسة الفارسية ضدّ العرب، فيصبح من الطبيعي هذا النوع من الطروحات والمخاوف”.
ورأى أنّ “موضوع الاتفاق على هوية لبنان العربية لم يعد موضوع بحث أو جدل. هذا بات من الثوابت التي تم الاتفاق عليها بين اللبنانيين، لا سيما بين المسيحيين والمسلمين. وبالتالي لا أعتقد أنّ السياسة الإيرانية في لبنان يمكنها تغيير الهوية اللبنانية وهوية الشعب اللبناني”، معتبراً أنه “إذا كانت بلاد فارس مستندة إلى عقيدة دينية معيّنة تحاول بواسطتها استجلاب مؤيدين في العالم العربي لتصدّر ثورتها، فهذا لا يغيّر هوية هذه الدول والشعوب”.
وأعرب حرب عن خشيته “من أن تحاول إيران التي تطرح اليوم نشوء الأمة أن يقضي مشروعها على مشروع الدول وعلى القومية العربية ومفهوم الدول وحدودها وعلى سياداتها، لأنها عندما تقول أنّ ما يوحّد الشعوب هي العقيدة الدينية، وهذا يتجاوز حدود السيادة للدول، حينها تصبح هناك مشاكل سيادية تنشأ عنها مشاكل أخرى. لكن لا تغيّر كثيراً من واقع الناس بقدر ما يطرح ذلك واقع الدول كدول، وبالتالي، يتحوّل هذا الأمر إلى مواجهات، وهذا أكثر ما يخدم إسرائيل”.
حماده: القفز فوق طبيعتنا العربيّة وصفة إلى جهنّم
اعتبر النائب المستقيل مروان حماده أنّ “الخوف الأول من انتزاع لبنان من محيطه وثقافته وروابطه مع البيئة العربية الحاضنة، ومن مصالحه. وفوق ذلك، الخروج عن الدستور اللبناني الذي كرس انتماء لبنان العربي وهويته، بالإضافة إلى عضويته في الجامعة العربية. وأكثر من ذلك، أشار الدستور إلى أنّ لبنان بلد سيّد مستقلّ بحدوده النهائية، وعربي الهوية والانتماء”.
ورأى “أننا بدأنا نخرج عن الدستور في سيادة لبنان واستقلاله، ومن حدوده النهائية لأنّ أحداً لم يعد يعرف أين حدوده البرية أو البحرية. كل هذا المدخل الذي هو أساسي في الدستور، السيادة والهوية، يجرّنا إلى وضع الناس ومصيرهم. صحيح أنّ الناس يريدون إصلاحاً وأبسط مقوّمات العيش، لكن بتفريغ البلد من مؤسساته والدستور الذي يحميها، نكون قضينا أيضاً، كما جرى الأمر في عهد ميشال عون وبهيمنة (حزب الله) على بقية الأمور الحياتية والمعيشية البديهية والأساسية للبنانيين. هناك ترابط كامل بين السيادة والإصلاح وبين السيادة والعروبة، والاصلاح الناجع الذي يعيد بعض الازدهار للبلد، ليعود الناس إلى حياتهم الطبيعية”.
وشدّد على أنه “كل ما يعني الدستور في مقدّمته وفصله الأول لا يمكن تجزئته، لأنّ ذلك إن حصل، نكون قد قسمنا لبنان وقضينا على مكوّناته، بحيث يصبح رئيس الجمهورية ومجلس النواب والحكومة وسير المؤسسات والقضاء، تفاصيل تخضع لتضعضع الجزء الأول من الدستور وتنتهي معه”.
ولفت إلى أنّ خطورة “تغيير الهوية اللبنانية العربية تكمن في تغيير طبيعة لبنان، لأن الحلّ الذي قضى باستقلاله وهويته العربية، هو الحلّ المؤسس له، ومجرد القفز فوق طبيعتنا العربية وانخراطنا مذهبياً وعقائدياً واستراتيجياً بقوى خارج منطقتنا، وخارج النطاق العربي، ومعادية للعالم نتيجة ذلك، فهذه تكون الوصفة الجيدة للوصول إلى جهنم التي نعيش فيها بفضل هذا العهد”.
وشدّد حماده على أنه “يجب أن تجري الانتخابات النيابية المقبلة تحت عنوان الإصلاح، لأنه لا يمكن الاستمرار بهذا الوضع. لكن أيضاً تحت عنوان السيادة والعروبة والديموقراطية والحريات التي يتم القضاء عليها، وإلحاقنا بمجموعة أبعد ما تكون عن الحريات. ونتيجة ذلك، أصبحت قابضة على مجتمعات فقيرة وثقافة ضائعة”.